معركة الوعي.. كيف اعتمدت التجربة الإماراتية على القراءة في محاربة التطرف؟ (2)

الأربعاء، 17 أكتوبر 2018 10:00 م
معركة الوعي.. كيف اعتمدت التجربة الإماراتية على القراءة في محاربة التطرف؟ (2)
تحدي القراءة - أرشيفية
وجدي الكومي

 

المراقب للمبادرات العربية في نشر الوعي ومحاربة التطرف والنهوض بالشعوب والأجيال والنشأ، يشعر بالحسد ويدعو لهذه المبادرات بالنجاح، وينتابه الحزن وتعتصر قلبه الألم أن مثل هذه المبادرات لم يشهد مثيل لها في بلده.

وأعني هنا التجربة الإماراتية في نشر الوعي، وحب القراءة، لدى الأجيال الجديدة، وإطلاق فكرة "تحدي القراءة العربي" الذي انطلق للمرة الأولى عام 2015، بهدف ترسيخ ثقافة القراءة في المجتمع الإماراتي وتكريس عادة القراءة لدى الشباب، في وقت تتراجع فيه القراءة، وسط ثورة البرمجيات والتكنولوجيا، والاهتمام بالأجهزة التكنولوجية والموبايل، والآيباد والتابلت، وانتشار للألعاب الإليكترونية، والبلايستشين، وانصراف النشأ الجديد والجيل الصاعد عن القراءة إلى هذه الأنشطة.

واستقطب تحدي القراءة الذي أطلقه محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، أكثر من 3.5 ملايين طالب وطالبة، قرأوا 150 مليون كتاب خلال عام، وفاز طالب جزائري بلقب بطل تحدي القراءة العربي.

وانتشر مشروع تحدي القراءة العربي الإماراتي بشكل لافت، بلغ حد إنفاقه حوالي 3 ملايين دولار أمريكي عام 2017، على المشروع، وجوائزه، وشارك فيه أكثر من 7 ملايين و400 ألف طالب وطالبة من 25 دولة عربية قرأوا أكثر من 200 ميلون كتاب، وعلى صعيد المدارس، شاركت أكثر من 41 ألف مدرسة، من القطاعين العام والخاص، ضمن مراحل دراسية مختلفة.

وضعت الإمارات القراءة هدفا نصب أعينها، ومولته بأقصى طاقتها، وعلى الرغم أن مصر سبقت العالم كله، والإمارات بالطبع، في إطلاق مشروع مكتبة الأسرة، الذي يهدف إلى تكريس القراءة، ودعم الكتاب، وأن يحوي كل بيت مصري مكتبته الخاصة من إصدارات مكتبة الأسرة منذ عقود، إلا أن تحدي القراءة الإماراتي تفوق للأسف على مشروع مكتبة الأسرة، نظرا لأن الإمارات وضعت القراءة استراتيجية دولة، وبدأت تطبيق هذه الاستراتيجية، ومولتها تمويلا ضخما، نجح في أن يحقق المرجو منه.

وفي مصر لم تضع أجهزة وزارة الثقافة القراءة استراتيجية دولة، ولم تبحث أو تبتكر حلولا لتمويل هذه الاستراتيجية، مع متطلباتها التمويلية الضخمة، فالأمر لا يتوقف فقط عند طبع الكتب، وليست وزارة الثقافة مطبعة كل مهمتها أن تطبع كتبا، بل مهمة الوزارة هي وضع الاستراتيجية، والخطط، والبحث عن حلول وأفكار لتطبيق هذه الاستراتيجية، والخطط، والحلول.

ولنا في هذه التجربة الإماراتية مثال، إذا أردنا تعميمها في مصر، وليس من الضروري أن نطلق تحديا للقراءة العربي، فيكفي تحدي الإمارات، ولنطلق مشروعنا الخاص، ولا نريد أن نكتب كلاما محبطا، عن الماضي الذي تفرغت فيه وزارة الثقافة المصرية لرعاية المهرجانات الأدبية، أو الفنية، وتفرغ مسؤولو وزارة الثقافة لتقريب المحاسيب، والأصدقاء والمعارف، واستبعاد أهل الكفاءة، في كل مجال، خرجت مهرجانات أدبية خالية من أي فكرة أو معنى، ونال الجوائز كل من هو محسوب على أجهزة الوزارة، أو مداحيها، وأكل على الموائد المقربون، أصحاب الحظوة، وصار غرض كل احتفال هو الشكل، دون العمق، أو متابعة الرسالة المرجوة، وبينما فرغت خزائن ميزانية الوزارة من الإنفاق على تلك المظاهر، لم يجد المثقفون الراغبون في عمل مشروعات جادة التمويل اللازم لمشروعاتهم، فتاهت الأحلام، وأحبطت الطموحات، وانصرف المتعبون من كثرة الدق على أبواب الوزارة التي لا تفتح، وطووا صفحات مشروعاتهم وأحلامهم.

لا نريد أن نردد كلاما مرسلا، وإنما نرغب أن نشجع أجهزة الوزارة للعودة مرة أخرى إلى الجماهير، لتأخذ بأيديهم، ولتضع القراءة استراتيجية دولة، ولتنظر إلى المشاريع الثقافية الجادة، بعين الاعتبار، ولتحقق في عائد وجدوى كل مهرجان، والقيمة الحقيقية له، لنبدأ صفحة جديدة، اليوم، فالوقت لم يفت تماما، وبإمكان أجهزة الوزارة أن تعود مرة أخرى إلى الناس، بعدما ابتعدت عنهم، وتبحث عن المشروعات الثقافية التي توفر لهم الخدمة الثقافية الجادة، والحقيقية، مكتبة في كل حي، عامرة بالكتب المكدسة بمخازن الوزارة، ومكتبة في كل نادي، ومشروعات حقيقية لتشجيع القراءة، ولتتشكل لجنة من الوزارة تضم ممثلين من وزارة الشباب، وممثل من ماسبيرو، للترويج للأنشطة الثقافية، ولإطلاق مبادرة حقيقية تحث الناس على أن يذهبوا بأبنائهم إلى المكتبات، فلتفتح وزارة الثقافة مكتبات الرعاية المتكاملة، أو مكتبات مصر، أمام جماهير النشء وطلبة المدارس، ولتشجعهم على استعارة الكتب، والقراءة، والتهام الكتب، ولتعقد مسابقات، ولتمنح الطلبة في المدارس كتبا هدية، لتشجيعهم على الذهاب إلى المكتبة، واقتناء المزيد، أو استعارة ما يرغبون في قراءته.

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق