حرب المعلومات (3).. طريق «داعش» المسدود لاستهداف كنائس مصر

الإثنين، 22 أكتوبر 2018 05:00 م
حرب المعلومات (3).. طريق «داعش» المسدود لاستهداف كنائس مصر
عناصر داعش الإرهابية
كتب – أحمد متولي

رغم مرور قرابة عامين على الضربات المصرية الدقيقة لمعسكرات تنظيم داعش الإرهابي داخل الأراضي الليبية، في أعقاب تفجيرات الكنائس داخل مصر، ظلت تفاصيل المعلومات المرتبطة بالعملية المركزة التي اعتمدت بشكل رئيسي عليها أجهزتنا الأمنية حبيسة التحقيقات في القضية المقيدة تحت رقم (165 لـسنة 2017 جنايات.ع.إسكندرية).

 

تفجيرات الكنائس في مصر

وقائع تفجيرات الكنائس الثلاث: البطرسية في القاهرة، وماري جرجس في الغربية، وماري مرقس في الإسكندرية، وفقا للأدلة التي استندت إليها محكمة الجنايات الأسبوع الماضي في حكمها بإعدام 17 إرهابيا، من بين 48 أحيلوا للمحاكمة على ذمة القضية، لم تكن إلا بداية لمخطط تآمري كبير رسمت بنوده فيما يسمى بـ"ولاية طرابلس" التابعة لداعش، وأشرفت على تنفيذه شخصيات اتخذت من مدينة درنة الليبية التي وجهت إليها قواتنا الجوية ضربة ساحقة، حيث كان مقر غرفة العمليات المهدومة فوق رؤوسهم.

170409075550-06-egypt-church-bombing-0409-exlarge-169
تفجير الكنيسة البطرسية

 

ماذا كشفت التحقيقات في تفجيرات الكنائس؟

نجحت الأجهزة المصرية في الإمساك بخيوط المؤامرة في وقت قياسي يضاف للنجاحات المبهرة على مستوى جهود مكافحة الإرهاب، لتحبط سلسلة هجمات كبرى خُطط لها في ليبيا، كانت في طريقها للتنفيذ داخل محافظات الجمهورية، استهدفت إحداث فوضى عارمة بعد تفجير كنائس أخرى وأديرة، لكن كان حراس الوطن لهم بالمرصاد.

في التفاصيل نجد أنه على المستوى الداخلي سرعان ما كشف قطاع الأمن الوطني هوية منفذي هجمات الكنائس، وأسقط كافة العناصر المرتبطة بالعملية الإرهابية، وخارجيا قدمت الجهات المختصة للرئاسة بنك معلومات بالمتورطين وأماكن تواجدهم وأهدافهم، ليوجه بعد دراسة الأمر تعليمات صارمة بتدميرهم في الحال.

ويبقى المثير للاهتمام طبيعة المعلومات الخاصة بحجم المؤامرة على مصر، وكيفية التخطيط لها ودخولها حيز التنفيذ، والمتورطين فيها سواء على مستوى التنفيذ داخل مصر، والدعم والتمويل والإشراف من الخارج، وهو ما ستكشف عنه السطور التالية.

 

بداية المؤامرة

فشلت جميع مخططات قادة تنظيم داعش في إيجاد أي موضع قدم له داخل القطر المصري، وبعد الضربات الأمنية الساحقة التي أسفرت عن تفكيك الخلايا العنقودية التابعة لهم في سيناء والمحافظات، اتخذوا مسارا جديدا في استراتيجية المواجهة مع الدولة المصرية، فبدلا من استهداف المنشآت الأمنية ورجال الجيش والشرطة، قرروا استهداف دور عبادة المسيحيين لإحداث حالة فوضى يعقبها استهداف للمنشآت الحيوية.

عن ذلك يقول المقدم "إسماعيل.ص.ي" الضابط بقطاع الأمن الوطني، في محضر سري تسلمته جهات التحقيق المختصة، أن جهود الأجهزة الأمنية توصلت إلى أن قيادات تنظيم داعش خارج البلاد أصدرت تكليفات بسرعة إعادة تأسيس شبكات مسلحة بالمحافظات، حمل على عاتقه تنفيذها قيادي يدعى "مهاب قاسم".

1

في شهادته أمام القضاء العسكري كشف النقيب "أحمد.ج.م" الضابط بقطاع الأمن الوطني، أن "مهاب" يحمل اسم حركي في التنظيم "الدكتور"، المسؤول المباشر عن تفجير الكنيسة البطرسية بمحافظة القاهرة، وإعداد الإرهابيين الذين شاركوا في تفجيرات باقي الكنائس، ارتبط بشكل وثيق مع قيادات بجماعة الإخوان، وقادة المجموعات المسلحة في شمال سيناء المسماة بـ"ولاية سيناء".

◄مفيش يا معلم.. هذا ما قاله عادل حبارة لـ«عشماوي» عن «حور العين»!

 

نصيا قال: رصد قطاع الأمن الوطني أن المتهم مهاب قاسم سافر من قبل إلى دولة قطر، والتقى بقيادات جماعة الإخوان الهاربين للاتفاق على تصعيد العنف في البلاد، وتكثيف عمليات استهداف القوات المسلحة والشرطة، حيث اتفقوا على استهداف المسيحيين ودور عبادتهم، ومن ثم عاد إلى مصر للالتحاق بجماعة "ولاية سيناء" التابعة لتنظيم داعش.

الآن بدت خيوط المؤامرة واضحة، فشل مخططات داعش بفضل الضربات الأمنية الناجحة، دفع التنظيم للبحث عن تشكيل مجموعات مسلحة جديدة داخل مصر، وجدوا ضالتهم في "مهاب" الذي حمل على عاتقه تنفيذ تعليمات قيادات الإخوان باستهداف المسيحيين، عن طريق الالتحاق بـ"ولاية سيناء" وممارسة هذه الجرائم عن طريقها.

◄حرب المعلومات (1): أسرار الخطة الفاشلة لإنقاذ فلول داعش في سيناء

 

التكوين

بالفعل ربطت قيادات داعش في سيناء الوافد الإخواني "مهاب"، بالقيادي "عزت محمد حسن"، ليحملا على عاتقهما مهمة تكوين الخلايا العنقودية، واستقطاب العناصر، وإعداد برنامج التأهيل الشرعي والعسكري، حيث قسما العمل فيما بينهما على النحو التالي:

تولى "عزت محمد حسن" تأسيس خلية في محافظة قنا، واستعان في تجنيد أعضائها وانتقائهم بشخص يدعى عمرو سعد عباس، رشحه "مهاب" بناء على تكليفات من "ولاية سيناء"، ونجحا بالفعل في ضم 34 شخصا من أصحاب التوجه التكفيري.

وتمكن القيادي المرتبط بجماعة الإخوان المقيم في شمال سيناء "مهاب قاسم"، من تأسيس خلية يتزعمها في محافظة القاهرة، ضمت 7 عناصر، إلا أنه استقبل أعضاء المجموعتين "قنا والقاهرة" في معسكر إعداد تابع لـ"ولاية سيناء"، بهدف تأهيلهم والتدريب على استخدام الأسلحة وتصنيع المتفجرات والأحزمة الناسفة.

◄حرب المعلومات (2).. كيف سحق الأمن المصري أخطر شبكات تهريب «داعش»؟

 

وقررت قيادات التنظيم خارج مصر، تعيين حسام نبيل بدوي حامد، مشرفا عاما على الخلايا الجديد داخل البلاد، حيث عمل كحلقة  اتصال مباشر بين قيادات داعش في ولاية طرابلس الليبية، وبين زعماء المجموعات المسلحة لنقل التكليفات والدعم المالي واللوجستي.

انتهت المرحلة الرئيسية للمؤامرة بتشكيل خليتين في محافظتي القاهرة وقنا، وسفر أعضائهما إلى شمال سيناء لتلقي التدريبات العسكرية، ودورات التلقين الشرعي، إعدادهم لحرب العصابات والمدن استعدادا لدخول خطتهم حيز التنفيذ فيما بعد

◄كيف فشل مخطط إحياء خلايا داعش في مصر؟

 

الإعداد والتجهيز

أثناء تواجد أعضاء الخلية في معسكر ولاية سيناء وانتهاء دورة التأهيل الأولية، بدأت القيادات في تقسيم المهام استعداد لعودتهم إلى محافظتي قنا والقاهرة، ومن ثم كُلف المتهم عمرو سعد عباس بمهمة إعداد البرنامج الفكري والحركي، بينما تولى شخص يدعى "مصطفى سيد محمد علي" مسؤولية تصنيع العبوات الناسفة والأحزمة ونقل خبراته للعناصر، وتولى آخرون مهمات رصد الأهداف، لينقلوا لمرحلة جديدة.

يذكر المقدم "إسماعيل.ص.ي" الضابط بقطاع الأمن الوطني، أن قيادات المجموعة اتخذت خطوات جديدة فور عودتهم من معسكر التدريب بسيناء، تمثلت في توفير مقرات تنظيمية لعقد الاجتماعات، وأماكن أمنة لتخزين الأسلحة والمتفجرات المقرر وصولها إليهم، وبناء معسكر في إحدى المناطق الصحراوية لإيواء عناصرهم، وإيجاد وسائل تنقل وسيارات.

munhanayat-180916-2.1
 
وقع اختيارهم على قطعة أرض بالطريق الصحراوي الغربي الواقع بين محافظتي قنا وسوهاج، واتخذها قائد المجموعة ومساعديه مقرا لإقامتهم واستقبال عناصر الخلية لتدريبهم على محاكاة للعمليات الإرهابية المقرر تنفيذها.

عقب ذلك وفر التنظيم مقرين استعداد لإيواء العناصر المقرر تكليفها باستهداف الكنائس، قبل وبعد العمليات المراد تنفيذها، الأول مزرعة بالظهير الصحراوي بمركز الوقف التابعة لقرية المراشد بمحافظة قنا، والثاني وحدة سكنية بمنطقة الزيتون في محافظة القاهرة.

◄بأموال شخصية غربية.. هكذا تأسست أول خلية لـ"داعش" خارج سيناء

 

التسليح والتمويل

باعترافات مسؤول لجنة الإعاشة لأعضاء التنظيم، المدعو وليد عبد العزيز، مولت قيادات داعش فيما يعرف بـ"ولاية طرابلس" المجموعة بمبالغ مالية 70 ألف دينار ليبي (يساوي 840 ألف جنيه مصري)، ومنحتهم كمية من الأسلحة 11 بندقية آلية، وقاذفي RBG، وقذائف صاروخية، ومدفع جرينوف، ومدفعين رشاش بيكا، و10 قذائف مدفع هاوزر، تم تهريبهم عبر الحدود المصرية الليبية لاستخدامهم في تنفيذ العمليات الإرهابية.

واستخدم التنظيم مجموعة مقرات لإيواء عناصره تمثلت في مزرعة بسوهاج، ووحدة سكنية بحي الزيتون بالقاهرة، ووحدة سكنية بمدينة 6 أكتوبر محافظة الجيزة، ومنزل بمنطقة البراجيل بالجيزة، فضلا عن استخدام 10 وسائل تنقل (سيارة رينو سانديرو رمادية اللون رقمها "د ف ط 3827"، وسيارة برلينس حمراء اللون رقمها "ص أ ج 5695"، و5 سيارات دفع رباعي لاند كروزر مهربة من ليبيا، وسيارة نقل، وسيارة كيا، وسيارة ملاكي شيفرولية أفيو سوداء اللون، وسيارة رينو فلوانس، وسيارة تويتا ربع نقل، وسيارة نيسان ربع نقل، وسيارة ملاكي هيونداي.

مثل هذا الكم المعلوماتي الذي امتلكته الأجهزة المختصة حائط الصد الذي تحطمت أمامه مخططات التنظيم، إذ أحبطت الضربات الأمنية استهداف عدة منشآت حيوية ودور عبادة، وعمليات اغتيال دخلت حيز التنفيذ أبرزها: دير الأنبا مكاريوس بطريق وادي الريان بمحافظة الفيوم، واحتفالات مولد القديس ماري جرجس بمحافظة قنا، والسطو على سيارة نقل أموال شركة طيبة 2000، وتفجير كميني ديروط وملوي بطريق أسيوط المنيا، والسطو على إحدى شركات الأدوية لسرقة أموالها، وتفجير محكمة أسيوط، وسجن أسيوط العمومي، ونقطة مرور الحمراء بمحافظة أسيوط، واختطاف مجموعة من القساوسة لمبادلتهم بأعضاء التنظيم المحبوسين.

◄سري للغاية.. قصة أخطر رجل أعمال مصري تورط في تمويل "داعش" (وثائق)

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق