ماذا لو كنت مسؤولا عن المنصورة؟

الأربعاء، 31 أكتوبر 2018 09:59 ص
ماذا لو كنت مسؤولا عن المنصورة؟
الدكتور أسامة حمدي يكتب:

قال صديقي: حدَّثتنا عن مشروعك لحل مشكلة المرور في المنصورة؛ ليرتاح أهلها من عذابهم اليومي، فما هو مشروعك الثاني الذي قلت إنه سيُدخل البهجة والسرور على سكان المنصورة؟!.
 
قلت له: "كنا زمان نعشق المشي على كورنيش النيل، ونأكل الذرة المشوي والترمس والسميط أبو دُقّة، ولما انحسر النيل بعد السدّ، جاءت فكرة المشّاية السفلية، ولم تكن وقتها مُصمّمة لمرور السيارات، ولكن كما هو واضح من اسمها، فقد خُلقت أساسًا للمشي والجلوس أمام النيل بديلًا للكورنيش، لكنها لم تجذب أحدًا، وأصبحت طريقًا مهجورًا بعدما دمَّر الغوغاء مصابيحها الحالمة، ومع مرور الوقت أصبحت طريقًا للسيارات، واختفى طريق المشي بدوره تمامًا، ثم اختفى كورنيش النيل بأكمله، واختنقت المنصورة واحتضرت.
 
فما بالك لو أعدناهم مرة ثانية للحياة، مع تطوير معماري وتكنولوچي وفنّي راقي يُطبّق آخر ما وصل له العصر، وبروح وجمال المنصورة التي عاشت في خيالنا؟! فتخيّل أن تخرج من بيتك لتتمشّى لمدة ساعة أو أكثر في طريق مملوء بالبهجة بطول 5 كيلو مترات أو أطول. ربما تقول: "مستحيل مع هذا الزحام والتكدّس البشري!" لكنني أرى أنه ممكن، بل من الممكن أيضًا أن نُعيد البهجة والسعادة والرياضة والرشاقة والصحة لأهل المنصورة الأحباء.
 
لقد راودني هذا المشروع لفترة طويلة، ودرسته باستفاضة بكل تفاصيله. وللمشروع شقّ هندسي وشقّ فني وشقّ إلكتروني راقٍ. أما الشقّ الهندسي فهو توسعة رصيف المشّاية المُلاصق للبحر بدُعامات معدنية من الأسفل بطول المشاية، حتى لا يجور على النيل، بل يسير من فوقه بالطول دون عائق. فكيف سيكون إذًا طريقًا للبهجة؟ هذا الطريق الطويل سنملأه بالخلايا الضوئية التي يُغلقها فقط مرور المارة، فتسمع عند إغلاق الخلية الضوئية على كل مسافة أغنية لمطرب أو مُطربة من المنصورة، أو قصيدة لشاعر من شعراء المنصورة العظام، أو لحن شجي لمُلحّن من أبناء المنصورة البارعين، فبين أم كلثوم وأحمد ناجي وكامل الشناوي والسنباطي وعلي محمود طه وغيرهم، تسبح في عالم لا يتوقّف من الرومانسية الجميلة وأنت تسير على هذا الكورنيش الطويل، ولا تشعر بالوقت بل تُحسّ بالمتعة مع كل خطوة تخطوها.
 
في الوقت نفسه يعمل فنّانو المنصورة المُميّزون على تزيين هذا الوادي الطويل بصور عظماء المنصورة ونجومها الساطعين، ولنصنع على جوانبه لكل واحد منهم شمسًا أو نجمة من النحاس أو البرونز، عليها اسمه وتاريخ مولده، وربما بعض كلماته لتخليده. وتُضيء الطريق قناديل خلابة الضوء تبعث سُرورًا في النفس، مع زراعات وارفة بالزهور والورود. ويقوم الفريق الإلكتروني بمدّ شبكة مُغلقة من الـ"واي فاي" بطول وادي البهجة، تدخل عليها بهاتفك مباشرة حال مرورك في الوادي، ومن خلالها تقرأ أشعارهم وتعرف تاريخهم وما قدّموه للمنصورة ومصر، وتستعيد تاريخ المنصورة العظيم. كما يُمكن لشباب المُبرمجين عمل برامج ومسابقات يومية عن تاريخ المنصورة وحضارتها وإنجازاتها للمارة في وادي البهجة.
 
كما من المنتظر أن يُبدع الفنانون الشبان من أبناء المنصورة في تزيين بلاطات وجوانب الطريق؛ لتكتمل به بهجة المشي، وربما تأخذ كل كلية جُزءًا تُبدع فيه بأفكارها. وتكون في الوادي علامات توضِّح المسافة المقطوعة من أول الطريق، لتشجع الجميع على رياضة المشي. وبجانب وادي البهجة ممرّ مُخصّص فقط للدراجات.
 
وادي البهجة هو كورنيش جديد رائع تقصده الأسرة بأكملها، ويتلاقى فيه الأصدقاء والأحباء. وعلى الوادي منازل مُتعدِّدة بدرجات وأنوار لأسفل، تصل الى مراكب النيل لتزيد المُتعة بنزهة نيلية ليلية حالمة. ووادي البهجة مفتوح لأفكار شباب المنصورة المُبدعين، فنحن نريده أفضل طريق للمشي في مصر بأكملها، لا يمل السائر فيه من أوله حتى آخره، نصنعه بأيدينا ويكون لشباب جامعة المنصورة علامة عليه.
 
وادي البهجة سيكون رئة المنصورة الجديدة، بعدما أنهكها عادم السيارات وإزعاجها، وسيكون مُتنفّسًا على نيلها الخلاّب بروعة منظره. وأتوقع أن تُقام عليه "برجولات" للمواهب الموسيقية، وللشعر والغناء والفنون، فيعرض الشباب الواعد مواهبه وإبداعاته في الهواء الطلق. وادي البهجة في تصوُّري هو ابتسامة ثغر المنصورة ونبع سعادتها الدائمة.. فهل سيرى النور يومًا أم أننا تعودنا على القبح وألفناه؟!
 
 
* الدكتور أسامة حمدي أستاذ علاج السكر بجامعة هارفارد الأمريكية

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة