«من فات قديمه تاه».. كيف صاغ تيمور باشا 3 آلاف مثل شعبي في رائعته «الأمثال العامية»؟

الأربعاء، 14 نوفمبر 2018 06:00 م
«من فات قديمه تاه».. كيف صاغ تيمور باشا 3 آلاف مثل شعبي في رائعته «الأمثال العامية»؟
الأمثال الشعبية
محمود السماك

يعتبر المثل الشعبي خلاصة تجربة شعبية طويلة انتهت إلى عبرة وحكمة مجسدة لملامح الشعب وأسلوب حياته ومعتقداته ومعاييره الأخلاقية، وتظهر بلاغته في إيجاز اللفظ وإصابة المعنى مع حسن التشبيه وجودة الكلام في جمل موسيقية متجانسة الأوزان والكلمات.

ولأنَّ الأمثال الشعبية مرآة لكل الشعوب، نجدها قد صورت المجتمع المصري عندما جسدت أفكاره وعادات وتقاليد طبقاته وذلك منذ أزمنة بعيدة، مع ملاحظة وجود اختلاف كبير بينها وبين الأمثال الشعبية للشعوب الأخرى؛ وذلك لعراقة الشعب المصري الذي ابتدعها، فأصبحت ذائعة الصيت في الأمم العربية.

الأمثال الشعبية تساعد في تشكيل سلوكيات المجتمع المصري بشكل يومي، فمن منا لم يسمع هذه العبارة " على رأى المثل " ؟ وأصبح المصريون يستشهدون بهذه الأمثال في كل ضرب من ضروب حياتهم، على مر التاريخ لكونها نموذجًا يقتدى به في مواقف الحياة العديدة، أو تعبيرًا عن مرادهم بشكل تلقائي وصريح، ونتيجة لذلك أصبحت هذه الأمثال أكثر صلاحية ورواجًا بين الناس، إضافة إلى بساطة تكوينها وخفة الروح ولطف الحس التي تتسم به، الأمر الذي جعلها أحد أهم أنواع الأدب الشعبي التي تتحدث عن المعتقدات والمأثورات والعادات الشعبية، ومن هنا بدأ الاهتمام بها عن طريق جمعها ودراستها من قِبل بعض الأدباء والباحثين والكُتَّاب، ومن أهم الكتب المصرية التي جمعت هذه الأمثال كتاب "الأمثال العامية" للأديب المصري البارز "أحمد تيمور باشا" الذي كان من أسبق العلماء واللغويين في العالم العربي إلى العناية بجمع الأمثال وشرحها شرحًا وافيًا ودقيقًا.

ويعد كتاب "الأمثال العامية " من أمهات الكتب التي تحمل صفة الريادة في الحديث عن الأمثال الشعبية العامية، لاحتوائه على ما يزيد على ثلاثة آلاف مثل شعبي مصري، وكان من الكتب التي ألفها " تيمور " ولم يسعدها الحظ أن ترى النور في حياته، فما أن ظهرت الطبعة الأولى للكتاب - التي أصدرتها (لجنة نشر المؤلفات التيمورية) التي تأسست بعد وفاته؛ لنشر مؤلفاته- نفدت بسبب الإقبال الشديد من القراء عليها؛ وذلك لاحتوائها على طائفة من الأمثال الشعبية التي تعد إرثًا مهمًا في ميدان الأدب الشعبي، كما أن الأمثال في هذا الكتاب مرتبة حسب الحرف الأول للمثل وفقًا للأبجدية العربية، ليكون أشبه بقاموس يساعد على فهم مفردات الحياة الاجتماعية، إضافة إلى الشروح المختصرة والمفيدة لهذه الأمثال.

ومن عينة الأمثال التي ضمنها "تيمور" في كتاب " الأمثال العامية " المثل الوارد في فصل (الألف) والذي يقول: " آخر خدمة الغز علقة " كتب " تيمور" في شرحه، الغز: يريدون بهم الترك الذين كانوا يحكمون مصر، والعلقة الوجبة من الضرب، أي إن خَدَمْتهم وأخلصت لهم فإنهم يكافئونك في أخر خدمتك بالضرب، كقولهم ( آخر المعروف ضرب الكفوف).

نموذج آخر لمثل وارد فى فصل (الياء)، " يا مآمنه للرجال يا مآمنه للميه في الغربال " أي التي تثق في الرجال كالتي تأمن على الماء في الغربال، وهو من أمثال النساء يضربنه في عدم الركون إلى ما يظهره أزواجهن من الوفاء لهن.

وجدير بالذكر أن المثل الشعبي قد ينتشر بين الناس ولا يعرف قائله وذلك لانصهار شخصية قائله في الشخصية الجماعية، فأصبح المؤلف هو الجماعة التي وجد فيها المثل وتداولته، وقد يكون مأخوذًا عن الفصحى مع تغيير طفيف في اللغة، أو مأخوذًا من كتب التراث، أو يكون نتاج تجارب وممارسات بعض فئات الشعب. كل ذلك كان سببًا لاهتمام الباحثين والدارسين بالأمثال الشعبية كشكل أدبي لابد من جمعه حفاظًا عليه من الاندثار بدلاً من الاعتماد فقط على الذاكرة الشعبية.  

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة