في ذكرى رحيله الثالثة.. إدوار الخراط: الروائي كبير القامة

السبت، 01 ديسمبر 2018 07:00 م
في ذكرى رحيله الثالثة.. إدوار الخراط: الروائي كبير القامة
إدوار الخراط
وجدي الكومي

حلت اليوم السبت ذكرى رحيل الروائي الكبير الراحل إدوار الخراط، المولود يوم 16 مارس عام 1926، في مدينة الإسكندرية، والمتوفي في الأول من ديسمبر عام 2015.

ولا أعرف كيف رحل إدوار الخراط في صمت، منذ 3 أعوام، ولم تٌفتح الملفات الأدبية لتستعيد سيرة الرجل، ولا أعرف كيف مرت ذكرى ميلاده أمس، دون أن تستعيده كبريات الصحف الأدبية والمجلات بملفات عن أعماله.

ادوارد الخراط  (1)

أتذكر أن أول عمل أدبي وقع في يدي للروائي الكبير الراحل إدوار الخراط، هو مجموعته القصصية «عمل نبيل» الصادرة عن هيئة قصور الثقافة، عام 1999. 

في ذلك العام كنت أتلمس خطواتي الأولى في طريق الكتابة، وأتردد على نادي القصة ومنتديات الأدباء ومقاهيهم، ودفع أحدهم لي بهذا الكتاب لأتعرف على عالم آخر غير الذي كنت مهموما في قراءته، كان عالم يوسف إدريس قد استحوذ عليّ تماما، لكنني حينما بدأت قراءة إدوار الخراط، فاجأتني كتابة أخرى، لا أعرف كيف أصفها، لكنها من ذلك الذي يمر إلى داخل النفس، دون أن يتهيأ صاحبها لاستيعاب ما يجري في وجدانه، شيء أشبه بالحلم ربما.

ادوارد الخراط  (4)

أقول أنني لم أقو على قراءة إدوار الخراط لأن كتابته كانت أصعب من قدرتي على استيعابها آنذاك، والحقيقة أنني بينما اختار لهذه السطور عنوان «إدوار الخراط هل ظُلم أدبيا»، تبينت إنني ظلمت نفسي لأنني لم أقرأ كثيرا لهذا الروائي الكبير الراحل.

في عمله القصصي عمل نبيل، وفي القصة الأولى من الكتاب الذي تحمل عنوانه، يستهل إدوار الخراط القصة بهذه السطور: أخذ جابر يسير متئدا، وشمس الغروب في عينيه، على شاطئ الترعة المترب المزدحم، كان ينقل خطواته في ملل. وكان شعره مشعثا ملقى إلى الوراء، وقطرات من العرق منعقدة فوق جبهته، مصفرة في احمرار حائل، وفي عينيه تعب، وفي السماء حرارة مثقلة.

ادوارد الخراط  (2)

يضعنا إدوار الخراط مباشرة في هذا الجو المشحون، شمس تغرب، وحرارة في السماء، وعرق على جبين بطل القصة، وتعب في عينيه، ومع ذلك يكون هذا البطل سببا في إنقاذ زوجة من الطلاق، ولكن إدوار الخراط لا يدع تفصيلا يفوت قبل أن يصوره بعينه، ويمنحه للقارئ في عذوبة، يقول وهو يمضي في وصف طريق البطل: ومضى في طريقه تحت أشجار الجميز الضخمة التي تظلله كما لو كانت عالما منعزلا بذاته من الأغصان الملتفة الورق، والعصافير تتواثب في أرجاء هذا العالم باضطراب، تودع النهار بزقزقة عالية حادة النغم، وقد شرد ذهنه رويدا، وهو يسير في الحرارة الخانقة التي تسبق طراوة الغروب مباشرة.

تمتلئ القصة بطاقة عجيبة، تسري في أوردة قارئها، تمنحه حيوية في القراءة، وتخيل ما يحكي عنه، انظر إلى تلك الفقرة التي يصف فيها بيوت القرية، والخطر الذي يهددها بسبب هشاشتها: وارتفع بصره إلى الجدار الخارجي بطلائه الأصفر القديم، وسور السطح المائل المتداعي، والنوافذ المسدودة بالخشب الخام. فتكوم في نفسه السخط والضيق والغضب، وانفجر في داخله كما ينفجر لهب مكتوم.

ادوارد الخراط  (3)

هذه الزرائب تعيش الناس فيها؟

إيه يا خالي بتقول ليه؟

رأى عينين واسعتين عميقتين تطلان بتساؤل في عينيه، ويتوقد فيهما شعاع غامض من حزن وإدراك، من يدري؟ قد يتحول هذا الشعاع إلى لهيب كبير يغدو محرقة، ويلتهم هذه الزرائب وما وراءها في ألسنة النار.

في كتابه المهم «مراودة المستحيل» يطرح إدوار الخراط رؤيته عن الكتابة، وعن اللغة، ويعبر عن فلسفته في الفن، ورؤيته له، يقول: الفن طويل طريقه.. والحياة مهما كانت قصيرة الباع عن أن تحيط به.

وعن طريقته في الكتابة، يقول: أعايش أعمالي فترة طويلة جدا، ترابها زعفران مثلا التي كتبتها عام 1985، كنت أحمل في قلبي نواتها وشخصياتها وجملا محددة وصورا منها منذ 1963، وهكذا.

يهاجم إدوار الخراط في كتابه هذا ما يسميه البعض بـ «الإسراف في الوصف»، يقول: أعتقد أن هذا التعبير، إذا سُمح لي، ناشئ عن عادات سيئة، أنتم أيها القراء، قد اعتدتم أو عودكم بعض كُتابنا على السطحية وعلى تناول الأمور تناولا سهلا، وأصبحتم لا تكادون تريدون أن تبذلوا جهدا في عملية الخلق هذه التي تتطلب في طبيعتها الإيجاد، المحك هو ماذا يحدث لو أنك حذفت شيئا من هذا النص، هذه العملية تحتاج إلى دراسة نقدية ودراسة واسعة.

«مراودة المستحيل».. أحد الكتب الممتعة لإدوار الخراط، الذي يطرح فيه تصوراته عن الفن والكتابة، وربما هو كتاب يحتاجه معلمو الكتابة، ومحاضرو ورش الكتابة، وربما لا يعرفون به، إلا أن فيه، العديد من نظريات وتصورات إدوار المهمة عن الكتابة، وعن تصنيفات أدبية أخرى، مثل أدب الاعتراف، وأدب الرحلات، وغيرها من التصنيفات.

لم يكن عمل نبيل، الكتاب القصصي الوحيد الذي اقتنيته لإدوار الخراط، بل اقتنيت له أعمالا أخرى، منها «اضلاع الصحراء» و«ساعات الكبرياء» و«رامة والتنين» لكنني للأسف لم أقرأ هذه الأعمال، مثلما قرأت «عمل نبيل»، وربما يكون هذا المقال مناسبة لأسدد هذا الدين إلى الروائي الكبير الراحل، الذي خلف أعمالا مهمة في الترجمة، إذ ترجم مختارات مسرحية لجان أنوي وآخرون، ومختارات قصصية لكتاب مشهورين من الهند، وروسيا، بعنوان ثلاث زنبقات ووردة، ومن أهم الأعمال الروائية التي كتبها «ترابها زعفران» و«حيطان عالية» و«الزمن الآخر»، و«الغجرية ويوسف المخزنجي».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة