الأراجوز المصري يغزو العالمية: مصري الأصل قلدته تركيا

الأحد، 16 ديسمبر 2018 12:00 ص
الأراجوز المصري يغزو العالمية: مصري الأصل قلدته تركيا
فن الأراجوز
محمد ثروت

- وظفت السينما والدراما المصرية فن الأراجوز وشخصيته فى كثير من الأعمال المشهورة

- تعتمد عروض الأراجوز على الامتزاج بين الأراجوز وخيال الظل كلغة أساسية

- عرض «الليلة الكبيرة» الذى كتبه صلاح جاهين وقام بتلحينه سيد مكاوى

- ملحمة تركت أثراً كبيراً فى وجدان المصريين رغم وجود شخصيات عديدة من العرائس

الأراجوز فن مصرى الأبوين، بل والجدين، يناطح فى عراقة مصريته أهرامات الجيزة، وقد حوى ذلك الفن الراسخ كل مقومات الشخصية المصرية التى تلعب السخرية فيها دورًا رئيسيًا، كما أنه يعد معبرًا عن الحكمة المصرية، ويقدمها فى شكل فنى قل نظيره، تلك المكانة العالية لهذا الفن القديم جعل ملف الأراجوز المصرى يدخل فى قائمة الصون العاجل للتراث الثقافى غير المادى، فى اجتماع منظمة اليونسكو الذى عقد مؤخرا بمورشيوس، ويقف وراء هذا الإنجاز أستاذ جامعى وباحث متخصص لمدة 18 عاما فى جمع تراث الأراجوز فقط. 

 
إنه الدكتور نبيل بهجت أستاذ ورئيس قسم المسرح بجامعة حلوان ومؤسس فرقة «ومضة» الذى أسهم بجهوده الشخصضية وتمويل ذاتى فى إحياء فن الأراجوز، ويقول بهجت لـ «صوت الأمة»: «لفت جدى انتباهى منذ الصغر بأمثاله التى كان يرددها «إيش تاخد يا برديسى من تفليسى» و«فرفرتيه سعد رئيسك يا عدلى»، وعندما تفحصتها أدركت أنها تحمل إشارات لوقائع تاريخية، فالبرديسى أحد الحكام الذين فرضوا ضرائب أدت لثورة شعبية بعد رحيل الحملة الفرنسية عن مصر، والعبارة الثانية عن الخلاف بين سعد باشا و«يكن» على رئاسة الوفد المصرى فى مفاوضات الاستقلال.
 
طاف نبيل بهجت شوارع القاهرة وموالد مصر، فى محاولة للعثور على أحد اللاعبين الذين شاهدهم فى القرية، حتى التقى شيخ لاعبى الأراجوز «صابر المصرى»، فى مقهى التجارة بشارع محمد على، وصابر شيكو، وحسن سلطان، وسيد الأسمر، وغيرهم من اللاعبين. 
 
قام نبيل بهجت بعمل مبادرة «كيف نحافظ على حمَلة هذا الفن الشعبى ككنوز بشرية»؟ يقول بهجت: وقتها استطعت إقناع فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، بتخصيص أجر شهرى لعدد من اللاعبين، كذلك تخصيص بيت السحيمى لعروض الأراجوز وخيال الظل، وبدأت سلسلة العروض باسم فرقة ومضة، وكنت أرفض منطق الإنتاج السائد أن تتحمل ميزانية الدولة التكلفة الإنتاجية للعروض، كذلك أرفض منطق التمويلات، لذا حرصتُ أن أُنتجَ كلَّ العروض من جيبى الخاص، ومن ثم تسويقها لدى وزارة الثقافة والجهات المختلفة عالميا ومحليا. 
 
قدم دكتور بهجت عروض الأراجوز بنفسه لتعرية السلبية العربية أمام أزمة العراق، وانتقلت عروضه من حديقة الأزهر إلى مهرجان ابن عروس بتونس، وحتى العالمية فى مسرح بيت بأمريكا. 
 
وجاءت بعد ذلك مهمة أخرى لنبيل بهجت، وهى صناعة أول أرشيف للأراجوز، إذ لم تُسَجَّلْ عروضُه أو تُحفظ فى كتاب، وقد أخذها على عاتقه بحب شديد، وسجل عروضه بكتاب «الأراجوز المصرى»، تقديم العالم الكبير دكتور أحمد مرسى رئيس الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية.
 
ويرفض نبيل بهجت تأثر الأراجوز المصرى بالتركى، مؤكدا أن مصر سبّاقة، وخيال الظل التركى فن مصرى الأصل، ويرجع بعض الباحثين كلمة أراجوز إلى أنها تحريف لكلمة قراقوش وزير صلاح الدين الأيوبى. 
 
وتعتمد عروض الأراجوز، كما يقول بهجت على الامتزاج بين الأراجوز وخيال الظل كلغة أساسية، وكذلك الراوى والغناء الشعبى والرقص أحيانا، بهدف الاستفادة من إمكانات الفرجة الشعبية، وبناء جمهور متفاعل. 
 
ويقوم فن الأراجوز على الدمى، من خلال وسيط محدد هو اللاعب الفنان الذى يحركها من وراء البرفان، دون أن يراه أحد من الجمهور، وهذه الدمى فى نظر الجمهور أبطال وشخصيات، وتغلب الوسامة والذكاء على الأراجوز الذى يرتدى طرطورا وجلبابا لونهما أحمر، أما باقى الشخصيات فهى ابن الأراجوز وزوجته نفوسة أو زنوبة، وزوجته السمراء بخيتة الست قمر، والفتوة وحمودة الأقرع وأخوه والأستاذ والبربرى والخواجة وموشيه ديان، والعفريت، والطبيب والحانوتى والشاويش، والداية وفنان بالعافية، والشيخ محمد الشحات وكلب السرايا والزبون واللص، وعديلة فى الفتوة الغلباوى.
 
أما أشهر صناع الدمى من الخشب فهو محمد الفران، الذى بعد رحيله استبدلت بعرائس بلاستيك، ويقدم هذا الفن بحسب نبيل بهجت، من خلال عدة وسائط وهى العربة، البرفان، الخيمة، الباردة.
 
ويختلف فنانو ولاعبو الأراجوز فى عدد نمره، فيرون أنها 18 أو 24 والبعض يرى أنها 164 نمرة. 
 
وقد وظفت السينما والدراما المصرية فن الأراجوز وشخصيته فى كثير من الأعمال المشهورة، ومنها فيلم «الزوجة الثانية»، حيث يُلخص فيه الأراجوز قصة الظلم الذى تتعرض له بطلة الفيلم (فاطمة التى جسدت دورها الفنانة الراحلة سعاد حسنى) ويمنحها فوز الأراجوز على غريمه الظالم الأمل فى النجاة من «العمدة الذى قام بدوره الفنان القدير الراحل صلاح منصور « بينما هى حبيسة تتابع العرض من نافذة صغيرة.
 
أمام نجم المونولوج الشعبى الفنان الكبير محمود شكوكو، فيعتبر من أشهر الشخصيات التى ارتبطت بالأراجوز، حتى أنه حرص على تقديم عروضه وهو يرتدى زى الأراجوز بجلابيته وطرطوره الشهير، وقدم عشرات المونولوجات بهذه الشخصية.
 
وقد اعتبر الكثير من الباحثين فى التراث الشعبى كما يقول نبيل بهجت، عرض «الليلة الكبيرة» الذى كتبه صلاح جاهين وقام بتلحينه سيد مكاوى، ملحمة تركت أثراً كبيراً فى وجدان المصريين رغم وجود شخصيات عديدة من العرائس، إلا أن الأراجوز فى «الليلة الكبيرة» عرف بخفة دمه، وهو يتحايل على ذلك الريفى الساذج ويصف له طريقا «حلزونيا» يفضى به فى النهاية إلى التوهان والضياع، وترسخت عباراته فى الأذهان خاصة عبارته الأخيرة «مع السلامة يا أبو عمة مايلة» التى أصبحت مثلا يُقصد به السخرية من السُذَّج البسطاء. 
 
الغريب أن وزارة الثقافة تجاهلت جهود نبيل بهجت فى تسجيل الأراجوز، ودوره فى إحياء هذا الفن ولم تقم بتكريمه، رغم أن بهجت أسهم فى رفع اسم مصر عاليا أمام المحافل الدولية بعد أن كان الملف متعثرا عام 2015.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة