النموذج الفرنسي خير دليل.. لماذا لا تعد التعديلات الدستورية «بدعة»؟

الثلاثاء، 19 فبراير 2019 03:00 م
النموذج الفرنسي خير دليل.. لماذا لا تعد التعديلات الدستورية «بدعة»؟
مجلس النواب - أرشيفية
علاء رضوان

الحقيقة والواقع يؤكدان أنه مهما كان الدستور واضحا ودقيقا في نظر واضعيه أثناء تحريره يجب أن يساير التطورات التي تحدث في المجتمع، وإلا فقد حيويته وقيمته، ولا يمكن له أن يستجيب للمتطلبات الجديدة للمجتمع إلا عن طريق تعديله كلما اقتضت المصلحة العامة لذلك، وتنصب عملية التعديل على إعادة تنظيم بعض أحكام الدستور.

 ولما كانت سلطات الدولة مطالبة بالخضوع لنصوص الوثيقة الدستورية فإن تعديلها يعتبر كحق من الحقوق المقررة للشعب كصاحب السيادة، وعلى هذا ألاساس فإن عملية التعديل يجب أن تتم وفق كيفيات وإجراءات مقررة لها في الوثيقة الدستورية مع مراعاة الجهة التي يوكل لها المؤسس الدستوري.

اختصاص التعديل

 ويعد دستور 2014 من الدساتير الجامدة من الناحية التوصيف القانونى بالنسبة لمفهوم للدساتير، يقصد بهذا النوع من الدساتير تلك التي لا يمكن تعديل نصوصها إلا بإتباع إجراءات خاصة غير تلك المتبعة في تعديل القوانين العادية، حفاظا على ثبات الدستور واستقراره.

إجراءات تعديل دستور 2014

نصت المادة 226 من دستور 2014  على إجراءات تعديل الدستور الذى  تمر بثلاث مراحل هي :-

أولا : اقتراح التعديل

أعطى دستور 2014  لكل من رئيس الجمهورية، ومجلس النواب فقط حق اقتراح تعديل الدستور، وسواء كان الاقتراح من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب يتعين أن يظهر الطلب المادة أو المواد المطلوب تعديلها والأسباب الداعية إلى ذلك، أما إذا قدم الطلب من مجلس النواب فيجب تقديمه من خمس أعضاء المجلس على الأقل، والنصاب المشار إليه هو الحد الأدنى وليس الأقصى لأعضاء مجلس النواب الذين ينبغي توقيعهم على طلب التعديل، وبناء عليه لا مشكلة في أن يزيل الطلب بتوقيعات تتجاوز العدد المقضي به دستوريا .

ثانيا : مناقشة التعديل

 وعليه بعد استيفاء الإجراءات الشكلية يعرض طلب التعديل على مجلس النواب ليقوم المجلس بمناقشة طلب التعديل وإصدار قرارا بشأنه بأغلبية أعضائه، ويجب أن يصدر قرار المجلس بشان مبدأ التعديل باغلبية اعضائه خلال ثلاثين يوم.

في حالة الرفض لطلب التعديل، فإنه لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل حلول دور الانعقاد الحالى  على هذا الرفض، أما في حالة الموافقة فان مجلس النواب يقوم بمناقشة المواد المراد تعديله والبت في التعديل بعد ستين يوم من تاريخ موافقته على طلب التعديل، ويصدر قرار بشأنه بأغلبية ثلثي أعضائه .

ثالثا : الإقرار النهائي للتعديل

بناءا على نص المادة 226 من دستور 2014 فانه إذا وافق مجلس النواب على التعديل بأغلبية ثلثي أعضائه، فإنه يجب عرض هذا التعديل على الشعب لاستفتائه فيه خلال ثلاثين يوم من تاريخ موافقة أعضاء مجلس النواب ولا يعتبر التعديل نافذا إلا بعد موافقة الشعب عليه بأغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين فى الاستفتاء، ومن تاريخ الإعلان نتيجة الاستفتاء.

وفى الحقيقة أن مصر ليست الدولة الأولى من ضمن الدول التى عرفت الثورات فى مسألة اقتراح إجراء التعديلات الدستورية فمنذ عام 1848 عقب ثورة الشعب الفرنسي التى أطاحت بالملك لويس فيليب والتي على إثرها أعلن قيام الجمهورية الثانية، أخذت فرنسا بطريقة اختيار رئيس الجمهورية عن طريق الهيئة النيابية، وقد استمرت هذه الطريقة لفترة طويلة من الزمن، ثم تألفت جمعية تأسيسية لتولى زمام الأمور فى الدولة. 

فرنسا وبداية التعديلات الدستورية

 فقامت هذه الجمعية بتعيين لجنة من ثمانية عشر عضوا مهمتها وضع دستور الجمهورية الثانية، وقد تم اعتماد طريقة الانتخاب المباشر من الشعب لاختيار رئيس الجمهورية الفرنسية، وقد ثار العديد من بعض أعضاء الجمعية التأسيسية على أسلوب وطريقة اختيار رئيس الجمهورية من الشعب لما قد ينجم عن هذا الاختيار من نتائج سيئة، إذ قد يقع اختيار الشعب على إنسان يرغب في السلطة، او سليل عائلة ملكية سابقة، او قائد مظفر، وهو ما قد يهدد النظام الجمهوري ويطيح به.

وسرعان ما اثبت التاريخ حسن توقعات المعارضين لاختيار رئيس الجمهورية عن طريق الشعب، إذ ونتيجة لإعطاء الشعب مكنة اختيار رئيس الجمهورية إلا واختار لويس نابليون بونابرت، ابن شقيق نابليون بونابرت أو نابليون الأول، الذي لم يلبث في الحكم إلا قليلا حتى حل المجلس الدستوري ثم ألغى الدستور وقام بانقلاب في 2/12/1851، واصدر مرسوما يطالب فيه الشعب بأن يفوضه في إنشاء دستور جديد يهتدي بعدد من المبادئ التى قام الانقلاب على أساسها، وبالفعل استجاب الشعب الفرنسي لطلب لويس نابليون بتفويضه فى إعداد دستور، وفي 14/1/1852 منحه الدستور الاستمرار في الحكم لمدة عشرة سنوات.  

وفي 7/12/1853 تمكن لويس نابليون من الإطاحة بالنظام الجمهوري وأقام الإمبراطورية الثانية على أساس توارث الحكم، ولقب بالأمير الرئيس الإمبراطور لويس نابليون، إلا أن هذا الانقلاب لم يحل دون قيام دستور الجمهورية الثالثة في 1875 والتي تمسكت الأمة الفرنسية فى ظله بأن تختار الهيئة النيابة رئيس الجمهورية بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس الشيوخ le Sénat  ومجلس النواب Chambre des députés مجتمعين معا في هيئة مؤتمر يطلق عليه جمعية وطنية Assemblée nationale ويكون الاختيار بالأغلبية المطلقة لأعضاء الجمعية الوطنية وفقا لما تنص عليه المادة الثانية من قانون 25/2/1875 . 

فرنسا وطريقة اختيار الرئيس

وبالرغم من توجيه العديد من نقاط الانتقاد لتلك الطريقة لإختيار رئيس الجمهورية، ومنها أن هذه الطريقة تجعل رئيس الجمهورية ربيب المجلسين، وبالتالي تؤدى إلى إضعاف مركزه في مواجهة الهيئة البرلمانية، إلا أن البعض رد بأن اختيار رئيس الجمهورية من قبل البرلمان لا يتعارض مع الاستقلال رئيس الدولة عن البرلمان، فالأخير لا يملك عزله أو إجباره على الاستقالة.

فتبعا لذلك كان اختيار رئيس الجمهورية يتم بواسطة هيئة الناخبين التي تتكون بالإضافة إلى أعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، الممثلين المنتخبين من مجالس المقاطعات ومجالس أقاليم ما وراء البحار والممثلين المنتخبين من المجالس البلدية، وبذلك فقط تلاحظ تقلص دور البرلمان فبعد أن كان يتم انتخاب رئيس الجمهورية بواسطة البرلمان بمجلسيه 100%، أصبح تتشارك فيه عناصر أخرى مما أدى إلى تقليل درجة اشتراك البرلمان إلى نسبة حوالي 4%.

وقد راودت فكرة انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة عقل الجنرال ديجول، منذ زمن بعيد لجعل رئاسة الجمهورية سلطة موطدة الأركان، تشبها بالولايات الأمريكية، وعملت بعض الصحف الموالية السبيل أمام تقبل الرأي العام لتقبل هذه الفكرة، تقدم ديجول أمام الشعب أول في 20 سبتمبر 1962 وأمام البرلمان بعد ذلك في 27 سبتمبر من العام ذاته موضحا الأسباب التي دعته إلى ذلك الطلب حيث يري أن رئاسة الجمهورية إنما تؤلف حجر الزاوية لكامل النظام القائم وأن انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة سوف يعمل على تقوية مركز الأخير وهو ما يساعده على القيام بمسئوليات منصبه الجسيمة نظرا للعوامل الدستورية والنفسية التي تستند على قاعدة ديمقراطية مما يدعم ويؤيد سلطاته . 

استفتاء الشعب الفرنسى

وفى 6/11/1962 صدر القانون رقم «62-1292» بعد استفتاء الشعب عليه في 28/10/1962 والذي بموجبه تم تعديل المادتين السادسة والسابعة من الدستور الفرنسي لعام 1958، ونصتا بعد تعديلهما على أن ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام المباشر والسري على درجة واحدة من الشعب مباشرة .

أما الوضع في فرنسا فقد تم إدخال عدة تعديلات على قانون الانتخابات الرئاسية، وذلك في ضوء تطور النظام السياسي الفرنسي، فقد أدى أسلوب الاقتراع المباشر لاختيار رئيس الجمهورية إلى ظهور العديد من العيوب والتي دعت عدد كبير من أعضاء البرلمان سواء أغلبية أو معارضة أن يتقدم منذ سنة 1965 باقتراحات تعديل شروط تقديم المرشحين للرئاسة وخاصة أن الرأي العام الفرنسي قد صدم بنتائج انتخابات الدور الأول سنة 1974 إذ حصل 6 من المرشحين على أقل من 1% من أصوات الناخبين.

ومن هذه المقترحات أن يتم وضع نظام أكثر دقة لتنقية المرشحين، مما دفع المشرع الفرنسي إلى إصدار القانون الأساسي (....) رقم 76- 528 لسنة 1976 بتعديل القانون الأساسي المنظم لعملية الاقتراع الرئاسي متضمنا تنظيما جديدا للترشيح لرئاسة الجمهورية، وتمثل هذا التعديل في رفع عدد المؤيدين الواجب الحصول على تأيدهم للترشح لمنصب رئيس الجمهورية من مائة مؤيد إلى خمسمائة «500» مؤيد من أعضاء البرلمان ومجالس الأقاليم، على الأقل لممثلي 30 محافظة أو أقاليم مختلفة خارجة التراب لكن تابعة لفرنسا  outre-mer فضلا عن اشتراط إلا تزيد نسبة ما يحصل عليه كل مرشح من توقيعات على 10% من كل محافظة أو إقليم وألا يكون من قام بالتزكية قد زكى مرشحا أخر، ويهدف هذا الإجراء التمثيلي للمترشحين، استبعاد الترشحات التي تفقد المصداقية، وتشجيع تلك التي لها تأهيلات و قدرات وطنية، وتُجرى الانتخابات الرئاسية الفرنسية وفق نظام الأغلبية الفردي على جولتين.

 

 

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق