الهاربون من جحيم الجزاء.. لماذا مقولة «لكل جريمة عقاب» مغلوطة؟

الأربعاء، 27 فبراير 2019 02:00 م
الهاربون من جحيم الجزاء.. لماذا مقولة «لكل جريمة عقاب» مغلوطة؟
حبس - أرشيفية
علاء رضوان

رواية «الجريمة والعقاب» تظل حتى تلك اللحظة واحدة من أعظم الروايات الكلاسيكية التي تكشف بعمق جلى عن خبايا الإنسان وأزمته التي لا تنتهي مع الحياة؛ فمنْ هو المجرم ومنْ هو الضحية.

القارئ يتصور لهذه الرواية - التي تدور أحداثها في عام 1866م- أنه سيقف أمام جريمة، يليها عقاب محتوم تنفذه العدالة الأرضية على مرتكب الجريمة، ورغم وجود جريمة، ووجود عقاب، فإن الكاتب الروسي فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي يصوغ جريمة البطل وعقابه بصورة فلسفية تضرب بعمق في النفس البشرية وتحليل أفعالها المتناقضة.

فى الجريمة والعقاب، يقول المستشار سامح عبد الله، رئيس حكمة جنايات دمنهور برئاسة، صور دستويفسكى قضية الخير والشر وهذه القوة الغريبة التى تدفع الشخص إلى سلوك هو أكثر ما يخرق الأخلاق وهو الجريمة حيث راقب دستويفسكى سلوك المسجونين حال اعتقاله بتهمة سياسية ولم ير فى المجرم سوى أنه سلوك سار عكس سلوك الجماعه لكن دوافعه الإجرامية لا تخلو أبداً من مشاعر انحرفت نحو الجنون أو ما يشبه الجنون لتظل الجريمة فى تعريف هذا الرجل أعقد كثيراً مما يحتويها أى عقاب.

وهو الأمر الذى يجعلنا نصدق تلك المقولة التى قِيلت لتترجم تلك الحقيقة: «أن الجريمة ليست أبداً قرينة العقاب»، فثمة جريمة بلا عقاب.   

image (1)

وضع المشكلة فى قانون العقوبات

كانت المادة ٦٢من قانون العقوبات تنص قبل تعديلها على: «لا عقاب على من يكون فاقد الشعور أو الاختيار فى عمله وقت ارتكاب الفعل، إما لجنون أو عاهة فى العقل..».

وبهذا النص – وفقا لـ«عبدالله» فى تصريح له - تقرر إعفاء المجنون من الخضوع للعقوبة لعدم اهليته لتحمل المسئولية الجنائية وانعدام الفائدة أو المصلحة من عقابه ذلك أن الغرض من العقوبة هو إما تحقيق العدالة فى المجتمع عن طريق اعادة التوازن بين الجريمة كشر وقع وبين العقوبة بما تتميز به من ألم كتكفير عنها وكتهدئة لشعور العامة وإما تحقيق الردع العام والخاص وإما الأمرين معاً وهو ما ينتفى مع حالة الجنون عندنا يقدم الشخص على الجريمة تحت تأثيرها.

ولا جنون أبداً فى مجال العقاب إلا بفقد الوعى والإرادة فقداً تاماً فطبقا للنص المشار إليه ليس كل الأحوال النفسية مما ينطبق عليها وصف الجنون الذى يعفى من العقاب لكن يجب أن يبلغ الاضطراب النفسى حد الجنون. 

download

ومن ثم فالشخصية السيكوباتية أى المصابة بشذوذ فى تكوينها النفسى ويجعلها متناقضة مع المجتمع فى قيمه ومعاييره لا تعتبر فى عرف القانون جنوناً ولا تمنع مسئوليته صاحبها وأن العاطفة مهما بلغت حرارتها والانفعال مهما بلغت ثورته لا يعتبر جنوناً وبالتالى ليست مانعة من العقاب.

وقد جاء قانون العقوبات الفرنسى على هذا الرأى أيضاً فلا يعرف أنصاف المجانين Demi Folieأو القصور العقلى defience mentale، فإن هذه الصور من الاضطراب النفسى وغيرها لا تعفى من العقاب وإن استحقت رأفة القضاة.

وقد تم تعديل نص المادة ٦٢ من قانون العقوبات بالقانون رقم ٧١ لسنة ٢٠٠٩ وأصبح نصها كالتالى: «لا يسأل جنائياً الشخص الذى يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى أفقده الإدراك أو الاختيار، أو الذى يعانى من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو على غير علم منه بها. 

image

ويظل مسئولاً جنائياً الشخص الذى يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره،وتأخذ المحكمة فى اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة»، ويبدو أن المشرع أراد بهذا التعديل أن يضع بعض النقاط على حروف كان يرى أنها بحاجة إليها.

لكن يبقى هذا النص هو أكثر النصوص أو على الأقل من أكثرها التى يتحمل القضاء الجنائي مسئولية وضعها موضع التطبيق من خلال ما يعرض عليه من وقائع، وما تتداخل بها حقائق طبية هى بطبيعتها متطورة كل يوم ولا شك أن القاضى يكون فيها الخبير الأعلى ليس فقط من مفهوم شكلى يقتصر على الاطمئنان لرأى الخبير الذى يحمل رأياً فنياً بل بالبحث المضنى والدراسة المتأنية إذ أن حكمه فى النهاية لن ينسب إلا لضميره ووجدانه.

إن القول بأن لكل جريمة عقاب هو قول مغلوط فثمة موانع عقاب وثمة أسباب إباحة..!

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة