شهادات من أصحاب البالطو الأبيض.. لماذا اختفى «دواء التركيب» بالصيدليات؟

الخميس، 07 مارس 2019 06:00 م
شهادات من أصحاب البالطو الأبيض.. لماذا اختفى «دواء التركيب» بالصيدليات؟
آية دعبس

 
أصبحت عملية تركيب الأدوية نادرة، حتى الأطباء يلجأون إلى صرف بديل للعلاج إذا لم يتوفر في الصيدلية، هذا يفتح الباب لتساؤل لماذا اختفت صناعة تركيب الأدوية رغم أنها تفيد المرضى؟ هل الأمر متعلق بقوانين معينة أم قرار من مزاولي المهنة نفسها؟
 
يحكي الدكتور حسين، صاحب إحدى الصيدليات في منطقة المعادي، أنه قديما كان يهتم بتوفير أقصى عدد ممكن من أصناف الأدوية على الأرفف من شركات متعددة، حتى لا يخرج مريض ولا يجد صنف، فوجئت فى ذلك الوقت، بأن روشتة لأحد الأطباء مدون بها مجموعة من التركيبات لمريضة، وقتها لم أتردد فى تحضيرها، وبعد عرض المريضة على الطبيب، أصبح لديه ثقة فى تلك التركيبات، واعتمدت بشكل كبير عليها".
 
المواد الخام.. كلمة السر

وأضاف: تركيب الأدوية هو أصل مهنتنا، ورغم أن عملية بيع الأدوية أيضا ليست أمر بسيط، ويرتبط بأسس علمية، إلا أن حاليا أصبح هناك صيادلة مجرد بقالين، فقط يقرؤوا ما فى الروشتة ويصرفونها، لكنهم لا يملكون معلومات عن كيفية إيجاد البدائل ووصف طرق تناول الأدوية، والجرعات الخاصة بكل منهم، وذلك كله نتيجة اختلاف أجواء الدراسة بالكليات، ففى دفعتى كان عددنا 150 صيدلى، وتخرجت فى عام 1969، وكان لى ميكروسكوب خاص، ومعدات تمكننى من التطبيق عمليا لكل ما ندرسه، لكن الدفعة الآن تصل إلى 3 آلاف صيدلى، وكل شئ يشاهدونه على الشاشات فقط".
 
وأشار إلى أن أكثر التخصصات إقبالا فى الوقت الحالى على التركيبات الدوائية، هم أطباء الأمراض الجلدية، والذين يتواصلون معه  بشكل مباشر لتركيب المستحضرات لهم، نظرا لوجود تصور لديهم أن المواد الخاصة بالتركيبة وبنسب محدده من جانبهم، ستؤدى إلى نتائج أفضل من الأدوية المصنعة، قائلا:"وبالفعل شاهدت بنفسى نتائج مع بعض المرضى الذين كانوا يستمروا على أدوية لمدة طويلة تصل إلى سنوات، إلا أنهم بتناول الأدوية التركيب بنسب محددة بات العلاج أسرع، لكن التوسع فى التركيب فى الوقت الحالى سيواجه أزمات خاصة بارتفاع أسعار المواد الخام بشكل كبير، وتوفيرها، فأنا أبذل مجهودا كبير للوصول إلى المواد التى أحتاجها.
 
حكاية أخرى يرويها الدكتور إيهاب منصور، البالغ 35 عاما بمحافظة القليوبية، الذي أثبت أن جيل الشباب من الصيادلة مازال متمسكا بأصل مهنته، فلم يكتف بأن والده الصيدلى يعمل بالتركيبات الدوائية منذ عام 77، فقد اهتم منذ حوالى 12 عاما مع بداية عمله، فى أن يطور ذلك المعمل الصغير الذى كان شاهدا على تحضير المئات من الأدوية، حتى أصبحت صيدليته الوحيدة على مستوى مصر التى لديها جهاز "لامينر فلو" والذى يوفر البيئة المعقمة المطلوبة لتحضير القطرات والحقن، على حد قوله.
 
ويروى منصور، عن تجربته فى العمل كصيدلى تركيبات، فيقول: أصل مهنة الصيدلة هو التركيب، فقد كان المعمل جزء أساسى بالصيدليات بجانب المواد العُشبية أو الكيماوية المستخدمة فى التركيب، أما التصنيع فقد انتشر وتطوره هو ما أدى إلى تراجع تحضير الأدوية بالصيدليات، رغم أن الصيدليات فى حاجة إلى العمل على تحضير الأدوية، وهو أمر مازال منتشر فى كل دول العالم، ففى الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، هناك صيدليتان فى كل ولاية معروفين على مستوى العالم، وأنا شخصيا مع وجود الإنترنت أتابع صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعى، وتمكنت من عضوية إحدى الروابط الخاصة بصيادلة التركيبات فى الأرجنتين وأسبانيا، بجانب وجود جمعية دولية لصيادلة التركيبات، وجارى العمل على تأسيس رابطة عربية".

علاج النواقص
 
وكان لمنصور بصمته الخاصة فى التركيبات الدوائية، فقد تمكن من التغلب على نقص بعض الأدوية من السوق فى الوقت الحالى، فقد تمكن من تحضير دواء شرب البوتاسيوم، الخاص بمرضى الرعاية المركزة، ووجد إقبالا كبير من مرضى مستشفى جامعة بنها لنقصه بالأسواق، بالإضافة إلى شراب مضاد للفيروسات عند الأطفال، والذى عند إعلانه عن توافره وجد إقبالا من الصيادلة أنفسهم فى شرائه لتوفيره فى صيدلياتهم، وأضاف: ليس هذا كل شئ، فهناك دراسات فى أوروبا، تؤكد أن حقن الكورتيزون بتركيز غير موجود فى مصر، يمكن للمريض فاقد السمه المفاجئ بأن يستعيد سمعه إذا كان ليس من فترة طويلة، وبالفعل فقد عملت على تحضيره، وكنت شاهدا على شفاء 2 من المرضى، بجانب إقبال الأطباء على تلك التركيبات، بالإضافة إلى العديد من مراهم الصدفية، مثل ما تنتجه الشركات ويحقق نتائج أفضل كثيرا منها، وغيره من الأصناف الدوائية بالأمراض الجلدية.
 
وحول إمكانية توفير المواد الخام، فقال: المواد الخام، تنقسم إلى 3 تصنيفات، الدرجة الأولى الدوائية، متوفرة إما فى أدوية ويتم تحويل أشكالها الدوائية من أقراص إلى شراب مثلا، أو الحقن إلى شراب، وأحيانا أتمكن من توفير تلك المواد، نتيجة لقصور ذلك الأمر على المصانع فقط، أو يمكن توفيرها من خلال إحدى الشركات الألمانية التى تستوردها لحساب الصيادلة، إلا أن ذلك يجعل أسعارها مرتفعة بشكل كبير، والدرجة الثانية الخاصة بالأبحاث والمعامل، يتم الاستعانة بها بعد مراجعة نسب النقاء، والدرجة الأخيرة "الصناعى" نادرا ما يتم التعامل معها، والتجارى أيضا لكن لا نلجأ لها إطلاقا لأنها مجهولة المصدر، وفى الوقت الحالى اعتمد بشكل أساسى على الخامات إما المستوردة من أوروبا أو من الهند والصين، أو المحلية من شركات حكومية مثل الجمهورية والنصر.
 
أصبحت تجارة
 
ولتوضيح أسباب تراجع الاعتماد على تركيب الأدوية، يقول الدكتور محمد سعودى وكيل نقابة الصيادلة الأسبق، إن الصيادلة أصبحوا "يستسهلوا"، منذ بداية دراستهم بالكليات يسعون للطرق السريعة للنجاح، من الملخصات وغيرها من الطرق، بالإضافة إلى صغر حجم الصيدليات، حتى باتت لا يمكنها استيعاب الجزء الخاص بالمعامل، وبُعد الأطباء عن التركيبات، واعتمادهم على الأدوية المصنعة، حتى فى حال الحاجه لتركيبات فى بعض الأوقات أصبح هناك شركات متخصصة فيها، وبالتالى كل ذلك جعل الصيادلة المتخصصين فى التركيبات يقتصر على كبار السن".
 
واستنكر سعودى، عدم دفع نقابة الصيادلة لذلك التخصص من الصيدلة،كمخرج من مخارج زيادة دخل الصيدلى، وكوسيلة للتفرقة بين الصيدلى الحقيقى والدخيل على المهنة، مشيرا إلى أن ذلك أدى إلى ابتعاد الصيدلة عن كونها مهنة وأنجرفت إلى أنها أصبحت تجارة بشكل أكبر، مؤكدا أنه لنجاح التركيبات لابد أن يقتنع المعنيين بالمنظومة الصحية كاملة، من وزارة الصحة والمريض والأطباء بكتابة التركيبات للعلاج، خاصة أن أغلب الأطباء يجهلون هذا العلم لأنه أصبح لا يدرس بكليات الطب، وأغلبها مجهود فردى من الصيادلة، الذي يركبون أدوية للكحة، والإسهال، بجانب الحاجه لتطوير مناهج الصيدلة التى مازالت كما هى دون أى تغيير منذ 50 عاما.
 
ولفت سعودى، إلى أن مجال "العطارة"، هو تخصص أصيل بالقانون للصيادلة، قائلا:" إذا أدتا وزارتى الصحة والتموين دورهما على أكمل وجه، فأن 99% من العطارين سيتم إغلاقهم، لأنهم يتاجرون بمواد ليسوا أخصائيين فيها، ويحرم تداولها من غير الصيادلة، رغم اتجاه العالم إلى تلك المجالات، تحت مسمى العودة للطبيعة، وفى مصر مثلا شراب الجوافة وجد رواجا كبير فى الصيدليات، وذلك لتفضيل المرضى الأدوية الأقل فى المواد الكيميائية، لكن يجب التأكيد على أن الدواء الطبيعى لا يعنى أنه آمن 100%، خاصة أن بعض الأعشاب قد تتسبب فى الإجهاض أو هبوط فى القلب، أو الفشل الكلوى، وبالتالى الصيدلى فقط القادر على التفرقة بين الأعشاب الأصلية والمغشوشة وتحديد طرق استخدامها.
 
من ناحية أخرى، كان للدكتور خالد سمير، أستاذ جراحة القلب بكلية الطب جامعة عين شمس، رأى أخر، فقد أكد أن العودة لأدوية التركيب من جديد فكرة ليست جيدة، لأن العامل البشرى كلما زاد معدل تدخله تقل دقة الأدوية، مشيرا إلى أن الأدوية بالمصانع يتم تصنيعها بنسب تقاس بالكمبيوتر، لافتا إلى أن كليات الطب يدرس بها علم الأدوية كما كليات الصيدلة، لكن بحجم أقل، لافتا إلى أن أدوية التركيب قديما  كانت أرخص فى السعر، وكان هناك أدوية لا يتواجد منها جاهز، لكن الآن أصبح أسعارها أغلى من الأدوية المصنعة.
 
وطالب سمير، الصيادلة بلفت انتباه الأطباء قدرتهم فى التغلب على نواقص الأدوية من خلال تحضير الأدوية بأنفسهم، فى ظل معاناة الأطباء من كثيرة النواقص، مؤكدا أن الأطباء لا يعلموا الأدوية التى يمكن للصيادلة تركيبها، وما مدى جودة النتيجة التى تحققها، خاصة أنها قد تكون لم يسبق تجربتها، وبالتالى سيتحمل مسئولية كفاءتها وجديتها الصيدلى بالطبع.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق