«الاضطراب الضلالي».. كلمة السر في براءة المتهم بقتل والديه (القصة الكاملة)

الإثنين، 18 مارس 2019 11:00 ص
«الاضطراب الضلالي».. كلمة السر في براءة المتهم بقتل والديه (القصة الكاملة)
مريض نفسي- أرشيفية
علاء رضوان

عشرات الجرائم التى تُرتكب بشكل يومى من قتل وضرب وإضرام نيران بدعوى المرض النفسي لأصحابها، مثلما حدث مع «أ.ن» المتهم بقتل والديه بدمنهور، الذى حصل على البراءة من محكمة جنايات دمنهور برئاسة المستشار الدكتور سامح عبد الله، بسبب ورود تقرير يؤكد أنه «مريض نفسى» وإيداعه بمستشفى للأمراض العقلية.   

وعلى الرغم من وقوع بعض الجرائم التي يكون فاعلها مرضى نفسيين حقيقيين، إلا أن هناك من يدعي المرض الجنون والمرض النفسى، فى محاولة للإفلات بالجريمة من العقاب، والهروب من المُساءلة القانونية، حيث يُفضل البقاء داخل مستشفى الأمراض النفسية، عن دخول السجن بحجة أن قضاء العقوبة داخل المستشفيات النفسية أبسط وأفضل من قضاء العقوبة بالسجون.   

375954-223141-maxresdefault-(3)

متهم بقتل والديه

واقعة اليوم التى أمامنا كشف عن حقيقتها رغم صعوبة الوصول إلى هذه الحالة برئاسة المستشار الدكتور سامح عبد الله، الذى أمر بإحالة المتهم إلى طبيب نفسى للتأكد من سلامة قواه العقلية حيث ورد تقرير أطباء الأمراض النفسية أن المتهم بقتل والديه بكفر الدوار يعانى من مرض نفسى يسمى «الاضطراب الضلالى» وهو مرض فى حقيقة الأمر يجعل المريض يتخيل أشياء غير حقيقية يستطيع وحده تصورها رأى المتهم أبواه فى صورة وحشين كاسرين يريدان الفتك به فقتلهما.

أعظم ما جاء فى تلك الواقعة التى قلما تحدث أن يقتل الإبن والديه أو إحداهما كانت حيثيات الحكم التى عالجت الموقف بشكل فيه من الحكمة الأدبية والعلمية ما فيه والتى صدرت من المستشار الدكتور سامح عبد الله وعضوية المستشارين حاتم محمد محمود وعاصم نعيم محمد، حيث لم يتركوا ثغرة فى حيثيات الحكم للمتهم أو للمريض النفسى حتى وضعوها الموضع العلمى الذى تستحقه كى تطمئن قلوبهم وضمائرهم قبل القضاء. 

63794-418367

الشيطان يتمكن من المتهم المريض

عن المتهم الذى ثبت من تقرير الأطباء النفسيين أنه مريض نفسى قالت المحكمة عنه، إن «رب السماء رفع عنه القلم، فرفعت المحكمة عنه قلمها، وقررت المحكمة ايداع المتهم مستشفي الأمراض النفسية والعقلية حتى يعود إلي رشده من الإضطراب الضلالى حيث أن شعور المتهم بالاضطهاد كان يتزايد دون أن يدرك ابواه ذلك أو اشقاؤه الشعور بالدنيا والاضطهاد بينما كان الشيطان الذى تمكن من المتهم المريض فصور له أبواه كوحشين كاسرين يريدان الفتك به ففتك هو بهما الأم أولا حيث طعنها بسكين وأخبئ جثتها بحمام المنزل ثم انتظر أباه حتى عاد إلى المنزل ففتك به أيضا».  

وضع المتهم تحت الإختبار

قبل ورود تقرير الأطباء النفسيين، أحالت المحكمة المتهم لمستشفى المعمورة لوضعه تحت الاختبار النفسى فجاء تقرير الخبراء أنه غير مسئول عن أفعاله بسبب مرض الاضطراب الضلالى الذى يصور له أشياء هو وحده الذى يراها ويسمعها قضت المحكمة ببراءة المتهم، ومن هنا أكدت المحكمة فى أسباب حكمها أن المشرع المصرى فى قانون العقوبات أضاف المرض النفسى إلى المرض العقلى كسبب من أسباب «الإعفاء من المسئولية الجنائية». 

images

المستشار سامح عبدالله، رئيس محكمة دمنهور، والمعروف بـ«القاضى الأديب»، وأعضاء المحكمة خطوا بأيديهم كلمات من نور تكشف بوضوح عن حقيقة الأمر حيث قالت أنه لا يغرب عنها ذلك الجرم الكبير الذى راح ضحيته أبوان قد وقعا ضحية لمرض تمكن من عقل ابنهما وفلذة كبدهما ففتك بهما دون أن يعلم أنه يمزق أحشاء قد حملته ووريداً قد تشكلت دمائه منه.

 أسباب مجتمعية لوقوع الجرم

المحكمة وهى تقضى ببراءة «المتهم» المريض النفسى كانت آسفة لما حدث، قلقة لما يمكن أن يحدث مرات ومرات وطالما ظلت نظرة المجتمع المليئة بالسخرية للمريض العقلى والنفسى ناسيين ومتغافلين أن الفارق بين العقل والجنون هو بمقدار سُمك شعرة وأن من مُتِّع بنعمة العقل لا يجب أبداً أن يسخر ممن ذهبت عنه، حيث أن هذه المأساة ما كانت لتقع لو كنَّا قد أدركنا العلاج فى حينه وما تراخينا حتى استفحل وصار وحش كاسر، وها هى النتيجة..أبوان غارقان فى دمائهما وإبن فقد عقله ومجتمع يبدو أنه اعتاد ألا يفيق إلا بعد وقوع الكارثة، فتأخذه عاطفة الإنفعال ثم لا يلبث حتى يعود إلى ثبانه ويالها من مأساة – وفقا لـ«الحيثيات». 

download

هل المسئولية الجنائية تحتم كون المتهم إنساناَ فقط؟

ولما كان من المقرر أنه لا يكفى لقيام المسؤولية الجنائية على عاتق مرتكب الفعل الجرمى أن يكون إنسان، وإنما يلزم أن يكون مرتكب الفعل وقت ارتكابه متمتعاً بالبلوغ والوعى وهما الدعامتان اللتان يقوم عليهما الوعى والإرادة، وهذا معناه أنه يلزم أن يكون مرتكب الفعل وقت ارتكابه متمتعا بالملكات الذهنية والعقلية التى تسمح له بإدراك معنى الجريمة ومعنى العقوبة وتدفعه بالتالى إلى الاختيار بين الإقدام على الجرم وبين الإحجام عنه فلا يُعقل أن يُحكم على أحد بعقوبة ما لم يكن قد أقدم على الفعل بشعور واختيار عن وعى وإرادة وليس من مصلحة الجماعة أبداً أن يُحاكم من كان فاقد الوعى والإرادة وقت ارتكاب الجريمة وإلا كان منظورنا إلى العقوبة أنها تعبير عن الألم..مجرد الألم! – بحسب «الحيثيات» .

 العقوبة مجرد ردع وليس تلذذاَ بالألم

وعن العقوبة المُرتكبة، قالت «المحكمة» إن العقوبة فى جوهرها ردع وإصلاح وليس المقصود منها التلذذ بالألم وإذا كانت كل السياسات العقابية الحديثة تنظر إلى العقوبة بوصفها أداة لإعادة التوازن بين الجريمة كشر وقع وبين العقوبة بما تتميز به من ردع وإصلاح وتهدئة لشعور العامة فإن تلك المعانى تذهب سدا عندما يدفع المجتمع بشخص فاقد الوعى إلى العقاب مهما كان حجم الجرم الذى اقترفه، ولقد صنع المشرع حسناً عندما أضاف فى التعديل الذى أدخله على المادة ٦٢ من قانون العقوبات بالقانون ٧١ لسنة ٢٠٠٩ المرض النفسى إلى المرض العقلى كمانع من موانع المسؤولية. 

كيفية_علاج_المريض_النفسي

حكاية إحالة المتهم للأطباء النفسيين

المحكمة كشفت فى حيثيات الحكم أنه وهى فى سبيلها لاستجلاء الحقيقة قد استجابت إلى طلب الدفاع بإحالة المتهم إلى لجنة من خبراء الطب النفسى للوقوف على مدى مسؤوليته عن أفعاله وقد ورد تقرير الطب النفسى «بعد وضع المتهم تحت الاختبار مدة خمسة وأربعون يوما» والمحرر من ثلاثة من الاستشاريين النفسيين يثبت أن المتهم يعانى من مرض عقلى « فصام ضلالى» قبل ارتكاب الواقعة وأثتاءها كان تحت تأثير الضلالات اعتقاداً منه أن المجنى عليهما «أبوه وأمه» كانا يضروه ويقوما بإذائه بالسحر، وكذلك بالهلاوس التى تصور له أن المجنى عليهما غير آدميين ووجههما قبيح وتصدر منهما روائح نتنه وأنه بعد أن فرغ من قتلهما سمع صوت تكبير من ربنا «الله أكبر..الله أكبر»، بإعتبار كونهما بحسب المتهم المريض: «كانو ظالمين».  

مرض الفصام الضلالى

وأن الله بفعلته القبيحة هذه نصره عليهما – الكلام لـ«الحيثيات» - كما أنه ليس لديه شعور بالذنب تجاه المجنى عليهما وغير مكترث لعاقبة أفعاله، مما يدل على عدم وجود استبصار لديه واضطراب فى حكمه على الأمور، ويتضح مما سبق أن المتهم يعانى من مرض الفصام الضلالى وهو مرض عقلى وأنه كان قبل وأثناء ارتكابه الواقعة تحت تأثير الضلالات والهلاوس المرضية التى أفقدته الإدراك والإختيار وعليه فهو غير مسئول عما ارتكبه من واقعة وتوصى اللجنة بإيداع المتهم إحدى مستشفيات الطب النفسى لمباشرة علاجه حتى تستقر حالته وتزول خطورة الأعراض المرضية لديه، وحيث إنه لما كان ذلك وكان من المقرر أن المرض العقلى الذى يوصف بأنه جنون أو عاهة فى العقل وتنعدم به المسئولية طبقاً لنص المادة ٦٢ من قانون العقوبات هو ذلك المرض الذى من شأنه يعدم الشعور أو الإدراك. 

16-3-2019_19_40_48_GomhuriaOnline_1552758048

ولما كان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء موكول لمحكمة الموضوع بما تملكه من تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير والأخذ بما ترتاح إليه منها، وكان الثابت من التقرير الطبى النفسى أن اللجنة المشكلة من الأطباء الاستشاريين قد أخضعت المتهم للفحص والمراقبة فرادى ومجتمعين وأجرت له التحاليل اللازمة وبحثت تاريخ مرضه النفسى حيث خضع المتهم من قبل للعلاج النفسى لمدة شهر دون أن يكمل وكانت المحكمة قد اطمأنت كل الاطمئنان للإجراءات التى اتبعتها لجنة الفحص وكذلك إلى النتيجة التى انتهت إليها الأمر الذى لا تجد معه المحكمة سبيلاً سوى أن تقضى ببراءة المتهم لإنتفاء مسئوليته الجنائية وإيداعه إحدى المصحات العقلية حتى يُعاد له رشده.

المحكمة أكدت فى كلمات يلؤها الرحمة والشفقة الممزوجة بالعلم والمنطق أن الله رفع عن المتهم المريض القلم وكان لزاماً على المحكمة أن ترفع قلمها عنه، وأن المحكمة وهى تقضى بالبراءة فإنها تأسف لما حدث، قلقة لما يمكن أن يحدث مرات ومرات وطالما ظلت نظرة المجتمع المليئة بالسخرية للمريض العقلى والنفسى ناسيين ومتغافلين أن الفارق بين العقل والجنون هو مقدار سُمك شعرة وأن من مُتِّع بنعمة العقل لا يجب أبداً أن يسخر ممن ذهبت عنه.

يشار إلى أن احداث الواقعة ترجع إلي يونيو 2018 بقيام المتهم اثر شعوره باضطهاد والديه له وتفضيل اشقائه المتعلمين عليه بأخذه قرار التخلص منهما فقام بذبح والدته اولا ثم أعقبها ذبح والده سبقتهما ثم قام بالهرب الي مدينة المنصورة فتم تحديد موقعه وضبطه من قبل ضباط مباحث كفر الدوار بالاشتراك مع ضباط مصلحة الامن العام.    

مرض الإضطراب الضلالى

وعن مرض الإضطراب الضلالى، يقول الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي وأمراض المخ والأعصاب، إن الاضطراب الضلالي، يعني أن يكون شخص لديه أفكار خاطئة ثابتة تجاه شخص معين أو حدث معين، وليس لها مصدر موثوق أو لا تعتمد على أي أساس من الصحة، حيث أن أنواع الاضطراب الضلالي عديدة، لافتًا إلى أن هذه الأنواع منها ضلالات التتبع، ويتوهم فيها المريض أن هناك من يراقب تحركاته ويترصد به على الدوام، وضلالات الاضطهادية، التي يخيل للمريض بها أن الجميع يضطهدونه ويكرهونه ولا يريدون له الخير. 

1240420_609120335840079_1255328197_n

ضلالات العظمة 

وعن ضلالات العظمة، أكد «فرويز» فى تصريحات صحفيه، أن ضلالات العظمة نوعٌ آخر من أنواع الاضطراب الضلالي، وهي التي يتخيل فيها المريض أنه وصل إلى مرحلة من العظمة، ولم يصل إليها شخص آخر، وهي مدخل إلى جنون العظمة، حيث أن أحد أخطر أنواع الاضطراب الضلالي يسمي الاضطراب التشككي، والتي يشك فيها المريض في جميع من حوله، ويفقد الثقة حتى في أقرب الناس إليه، وهو نوع من الصعب للغاية أن يستجيب فيه المريض للعلاج.

وأوضح استشاري الطب النفسي، أن الاضطراب التشككي يصاحبه في بعض الحالات هلاوس سمعية وبصرية، مؤكدًا أنه في هذه الحالة يتحول إلى اضطرابات فصامية، وتلك الاضطرابات تقود المريض بها إلى القيام بأفعال لا يكون مدركًا لقيامه بها، من الممكن أن تصل إلى قتل من يشك بهم.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق