محكمة «باب الخلق» و«مجمع الجلاء».. تاريخ محترق ينتظر رصاصه الرحمة

الثلاثاء، 02 أبريل 2019 10:00 ص
محكمة «باب الخلق» و«مجمع الجلاء».. تاريخ محترق ينتظر رصاصه الرحمة
محكمة باب الخلق
هبة جعفر

في وسط القاهرة تقبع محكمتي جنوب القاهرة بمنطقة باب الخلق ومحكمة الجلاء بالأزبكية، شاهدة على الدمار وذكريات ثورتي الخامس والعشرين من يناير وحكم جماعة الإخوان فبعد صيحات الغضب وزغاريد الفرح بالأحكام القضائية داخل أروقة المحاكم ولكن أثار الحريق محت كافة المعالم، لتبقي، واجهات تكسوها السواد بسبب آثار الحريق وعوادم الأدخنة نوافذ مهشمة، مداخل وأبواب محطمة، فتحولت المباني العريقة إلى أطلال.
 
منذ إن تمر من أمام مديرية أمن القاهرة وتلمح عينيك ذلك المبني الأثري العتيق الذي شهد الآلاف المحاكمات التاريخية والهامة، فرغم النيران التي التهمت تاريخ يرجع إلى (134) عاما، فقد شيد مبنى المحكمة على طراز عصر النهضة الإنجليزية المستحدثة على شكل حرف «أتش» على غرار نسق قصر الأمير عمر طوسون بشبرا، نجد أن المبني مازال قائما في محاولة لتذكير المسئولين بضرورة أحيائه مرة أخري بعد مرور (5) سنوات على حريق مبنى محكمة جنوب القاهرة في أبريل (2013).
 
وبالرغم من إعلان وزارة العدل سابقًا تخصيص ميزانية لترميم المحاكم، ومن بينها جنوب القاهرة، لكن مازال مبنى المحكمة كما هو حتى الآن، ومازالت الوزارة تردد أنها تستهدف تحويل المبنى التاريخي إلى متحف قضائي يحكي تاريخ العدالة في مصر بداية من المحاكم الأهلية وحتى الحريق الذي نشب بالمبنى عام (2013)، لكن المبني  لا تم فيها ترميم، ولا بدأت وزارة العدل في خطتها لتحويله لأول متحف قضائي.
 
يرجع تاريخ  «محكمة باب الخلق»، إلى عام 1884 مع ظهور المحاكم الأهلية في مصر، وكان أول رئيس لها هو القاضي إبراهيم فؤاد باشا، وكانت وقتها تحمل اسم «محكمة مصر الأهلية» ثم أصبح اسمها «سراي القضاء العالي»، بعد أن ضمت بين جدرانها محكمة استئناف مصر ومحكمة النقض، ومقر النائب العمومي.
 
اختارها الملك فؤاد ليحتفل فيها مع القضاة ووزارة الحقانية عام (1933) بالعيد الذهبي لمرور (50) عاما على إنشاء المحاكم الأهلية في مصر، وتم تجسيد وقائع الاحتفال في لوحة تشكيلية كانت توجد في مدخل المحكمة، ومنذ الخطوات الأولي داخل المبني تجد أن قاعاته واللهو الكبير يشبه إلى حد كبير القصور القديمة ذات التصميم المعماري المميز وخاصة الأعمدة الرخامية الكبيرة التي كانت تفصل بين قاعات المحكمة الست القابعة بالدور الأرضي والذي أشتمل علي قاعات المحكمة وقاعة كبير للمحامين بالإضافة إلي بهو يضم البولية والأرشيف وكذلك غرف بالأسفل تم تخصيصها لانتظار المتهمين قبل المحاكمة.
 
أما الأدوار العلوية فكانت تضم العديد من الغرف ومخصصة لموظفي المحكمة وتضم القضايا المختلفة من  مدني وتجاري وتعويضات وإفلاس وأسرة وغيرها، وكانت تتميز المحكمة باتساع الغرف والأرضيات الباركية، لكن الحريق الذي شب في الطابق الأخير أتى تماما على كل ما فيه.
 
على مدى (134) عاما شهد  مبنى محكمة جنوب القاهرة الآلاف القضايا التي  شغلت الرأي العام، وأصدرت منصتها أحكاما تاريخية في قضايا شهير، أبرزها محاكمة الرئيس الراحل أنور السادات التي عقدت في قاعة (6) بالدور الأرضي في عام (1948)، في قضية اغتيال الوزير أمين عثمان، وترأس المحكمة وقتها المستشار عبد اللطيف محمد، وتم الحكم بتبرئه السادات وحملت القاعة اسمه، ففي (10 أكتوبر 1977) جاء السادات إلى القاعة نفسها بصفته رئيسًا للمجلس الأعلى للهيئات القضائية ليعقد فيها أول جلسة له مع المجلس برئاسته، حيث قدم في البداية شرحًا تفصيليًا لمشاهد محاكمته وأماكن تواجد المستشارين على المنصة وكذلك المكان الذي كان يقف به داخل قفص الاتهام، وتم توثيق ذلك علي لوحة جدارية تحتل الجانب الأيمن من مدخل القاعة.
 
قضايا أخرى شهيرة نظرت بداخلها، مثل أحداث يناير (1977)، وقضية الجاسوس عزام عزام، وشريف الفيلالي، نواب القروض، وقضية رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى ومحسن السكرى الخاصة بمقتل الفنانة سوزان تميم،برئاسة المستشار المحمدي قنصوة، وقضية يوسف والى وزير الزراعة الأسبق ضد جريدة «الشعب»، وقضية مركز ابن خلدون، وغيرها الكثير من القضايا التي تتعلق بسياسيين ووزراء، ومنهم حسام أبو الفتوح،كما شهدت قضايا رئيس قطاع الأخبار الأسبق محمد الوكيل، والشواذ، والآثار الكبرى، ورئيس حزب الغد أيمن نور،  مرورا بقضية قتل المتظاهرين في ثورة (25) يناير، وكذلك قضية قذاف  الدم وخيرت الشاطر
 
ولكن في 2013 طمست الحريق الذي شب في الطابق الثالث ملامح المبني بأكمله فقد كشفت تحقيقات نيابة جنوب القاهرة الكلية المبدئية أن سبب الحريق المبدئي انفجار في جهاز تكييف داخل أحد مكاتب نيابة بولاق أبوالعلا الكائنة بالطابق الثالث بالمحكمة.
 
وكانت المصادفة أن الحريق بدأ من أحد مكاتب نيابات أبو العلا بالطابق الثالث، والتابعة لنيابات وسط القاهرة، وامتد إلى باقي مكاتب نيابات وسط القاهرة، والتي نقلت من مجمع محاكم الجلاء الابتدائي بعد احتراقه في أحداث ثورة (25) يناير أيضا، فقد نقلت العديد من النيابات لمقر المحكمة التاريخي والمتمثلة في نيابات بولاق أبو العلا، ومنشية ناصر، ومكاتب أعضاء نيابة حوادث وسط القاهرة، والنيابة الكلية، ومكتب المحامي العام لنيابات وسط القاهرة وجدول تحديد الجلسات وحفظ القضايا.
 
ومن ضمن ملفات القضايا الهامة التي تشيع أنها احترقت كانت ملفات قضايا قتل المتظاهرين، و«قذاف الدم» و«حريق الجبلاية اتحاد الكرة»، ولكن رئيس المحكمة أكد في التحقيقات نقل ملفات هذه القضايا للحفظ بدار القضاء العالي ولكن قضية قذاف الدم مصيرها مجهول .
 
وقد أوصت اللجنة الهندسية المختصة بترميم المبنى، بضرورة إزالة الطابق الثالث نظرًا لصعوبة إعادته إلى أصله مرة أخرى، كما أنه يمثل خطورة على المبنى بالكامل.
 
ووفقا لآخر الإحصائيات الخاصة بمحكمة جنوب فكان يرتادها  سنوياً ما يقرب من ثلاثة ملايين مواطن ما بين محامين ومتقاضين وشهود وأهالي متهمين، وتلقت المحكمة من أول أكتوبر (2004) حتى أول يونيو (2005) نحو (158) ألف قضية مدنية و(50) ألف قضية جنائية وجنح ومثلها تقريباً تلقتها محكمة الأسرة لدرجة اضطرت إدارة المحكمة، إلى تحويل (17) مكتبًا إلى قاعات للجلسات.
 
ورغم هذا التاريخ الضخم يقف المبني حائرا بين وزارة العدل التي انتهت أن عملية الترميم بحاجة إلى مبالغ ضخمة، خاصة أنها محكمة تاريخية عاصرت فترات مهمة من تاريخ مصر، ومطلوب لترميمها اشتراطات معينة، بحكم تسجيلها ضمن المباني ذات الطابع الخاص، كذلك ووزارة الآثار باعتبار أن المبنى مسجل ضمن المباني ذات الطراز المعماري المميز،  طبقا للقانون رقم (144 لسنة 2006)، لكن الآثار تنتظر تقدم طلب لمحافظة القاهرة للتدخل من أجل ترميم المبني التاريخي.
 
وفي الاتجاه المعاكس عندما تمر أعلى كوبري أكتوبر ستشاهد حطام مبني كان يرتاده قبل سنوات مضت الآلاف من المواطنين بعضهم يدافع عن حقوقه والبعض الأخر يجلس داخل المحبس في انتظار الحكم عليهم، فللوهلة الأولي التي تمر فيها أمام مجمع الجلاء للنيابات والمحاكم، سينتابك شعور بالحسرة، حيث النوافذ المحطمة وأجهزة التكييف المسروقة، وأوراق ومحاضر القضايا تحولت لأكوام سوداء..
 
أنشت المحكمة في الخمسينيات من القرن الماضي، والذي يتكون من مبنيين: الأول وهو المطل على شارع الجلاء وكوبري (6) أكتوبر ويتكون ذلك المبنى من سبعة طوابق وكان تشغله عدد من المحاكم الجزئية والنيابات الجزئية والكلية، وبه بدروم مهيأ للمتهمين فى القضايا المعروضة على النيابة العامة لاستبقائهم بداخله حتى يتم إصدار القرارات في شأنهم سواء كان بالحبس فينتقلون إلى السجن أو بإخلاء سبيلهم.
 
أما خلف هذا المبنى فهناك مبنى آخر يعتبر ملحقا للمبنى الاول وهو يتكون من 9 طوابق ولكن لم تصل اليه يد التخريب والإتلاف،ولا زال العاملون به والجهات التى تستخدمه تؤدى عملها من داخله بصورة منتظمة،ولكنها ليست كاملة لارتباطه بالمبنى المحترق..
 
المبنى كان يضم (12) دائرة لمحكمة الجنح ونياباتها الجزئية، تشمل شبرا وروض الفرج والأزبكية وبولاق والدرب الأحمر والسيدة زينب والجمالية ومصر القديمة وباب الشعرية والموسكي، بجواره مبنى الشهر العقاري وهو أيضا محترق منذ ثورة يناير، ولم يتم هدمه أو ترميمه، ووضع المبنى حاليا يشكل خطورة على المبنى الخلفي للمحكمة الذي ما يزال يعمل، لأنه تحول إلى مرتع للمجرمين والعناصر الخطرة.
 
ومن جانبه أكد المستشار عبد الهادي محروس، مساعد وزير العدل لشئون الهيئة العامة لأبنية المحاكم، أن وزارة العدل تولى اهتماما كبيرا بتطوير المحاكم، حيث خصصت من موازنتها للهيئة العامة لصندوق أبنية المحاكم والشهر العقاري بنحو (800) مليون جنيه، لتتمكن من إعادة ترميم المحاكم التي تم حرقها والتعدي عليها وبناء محاكم جديدة في عدد من المناطق.
 
وأضاف أن الفترة الماضية شهدت افتتاح العديد من المحاكم وتطوير بعضا منها وذلك وفقا للخطة التي وضعها قطاع أبنية المحاكم، ومنها إعادة ترميم المحاكم التي تم إتلافها بالحرق أو العبوات الناسفة بعد فض رابعة والنهضة وهى مجمع محاكم الإسماعيلية ومجمع محاكم الجلاء بالقاهرة، ومجمع محاكم شمال الجيزة ،ومجمع محاكم المنيا، ومحكمة جنوب القاهرة، ومحكمة دمنهور الابتدائية، ومحكمة الدخيلة بالإسكندرية، ولكن كل هذا الأمر يحتاج تكلفة كبيرة تتخطي المليار جنيه وتم التواصل مع مجلس النواب من أجل زيادة المخصصات لرفع كفاءة المحاكم.
 
وأوضح مساعد الوزير أن الفترة الماضية شهدت افتتاح العديد من المحاكم ومنها مجمع محاكم مركز الغنايم بعد ترميمه وتطويره بتكلفة (3) ملايين جنيه ومجمع محاكم الإسماعيلية الذي تم احتراقه وساهمت هيئة قناة السويس، بنصف التكلفة الخاصة بترميم المجمع و محكمة الرحمانية في محافظة البحيرة ومجمع محاكم مرسى مطروح ومحكمة القرنة في الأقصر مجمع محاكم البرلس بكفر الشيخ بلغ (40) مليون جنيه وإنشاء محكمة «بحلايب وشلاتين».
 
وتم افتتاح محاكم الواسطي الجزئية  ببني سويف، وتطوير ست محاكم هى محكمة دسوق الكلية وبتكلفه (6.5) مليون جنيه ويتكون من طابق أرضى وخمسة طوابق ومقام على مساحة (600) متر، ومحاكم الأميرية والزيتون، حوش عيسى، ملوي، بنها، سفاجا، ويوجد محاكم أخرى قيد التنفيذ تم تسليمها لشركات المقاولات لاستكمالها ومنها محكمة بور فؤاد، ونبروه، والرياض، والخارجة، كما اشتملت الخطة على إنشاء محاكم جديدة ولكن لم يخصص لها موارد مالية حتى الآن.
 
WhatsApp Image 2019-04-01 at 2.25.57 PM
 
WhatsApp Image 2019-04-01 at 2.26.00 PM

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة