تعرف على تفاصيل النزاع بين «تعليم الشرقية» ومركز ديرب نجم

الخميس، 11 أبريل 2019 08:00 م
تعرف على تفاصيل النزاع بين «تعليم الشرقية» ومركز ديرب نجم
مجلس الدولة - أرشيفية
أحمد سامي

 
انتهت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع إلى إلزام مركز ومدينة ديرب نجم بمحافظة الشرقية برد مبلغ مقداره خمسون ألفًا ومائة وأربعة وأربعون جنيهًا وسبعة وأربعون قرشًا إلى مديرية التربية والتعليم بالشرقية. 
 
وجاء بالأوراق، أنه تم التعاقد بين رئاسة مركز ومدينة ديرب نجم بمحافظة الشرقية وإدارة ديرب نجم التعليمية التابعة لمديرية التربية والتعليم بمحافظة الشرقية، وبموجب هذا التعاقد استأجر الطرف الثانى (إدارة ديرب نجم التعليمية) عدد (15) محلًّا كائنة بعمارات الإسكان منخفضة التكاليف بحى مبارك بمدينة ديرب نجم، وذلك مقابل قيمة إيجارية مقدارها خمسون جنيهًا شهريًّا لكل محل، بإجمالي (750) جنيهًا شهريًّا لجميع المحال، على أن تلتزم الإدارة المذكورة بأداء هذه القيمة الإيجارية فى بداية كل شهر فى مقر الطرف الأول، وذلك اعتبارًا من عام 1992م ولمدة عشرين عامًا، تصير بعدها المحال المؤجرة ملكًا لها، على أن تبقى الأرض المقام عليها المبنى ملكًا للطرف الأول.
 
وبمراجعة الجهاز المركزى للمحاسبات بمحافظة الشرقية مستندات الإدارة التعليمية بالمحافظة ذاتها، وبالأخص، تبين أن القيمة الإيجارية التى تم أداؤها تزيد على المبلغ الواجب أداؤه بمبلغ  (50144.47) خمسون ألفًا ومائة وأربعة وأربعون جنيهًا وسبعة وأربعون قرشًا، وبالسؤال عن سبب هذه الزيادة، جاء الرد بأن سببها هو تطبيق أحكام القانون رقم (6) لسنة 1997م بشأن تعديل الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم (49) لسنة 1977 وببعض الأحكام الخاصة بإيجار الأماكن غير السكنية، والذى بموجبه تم تطبيق زيادة سنوية على القيمة الإيجارية بنسبة (10%).  
 
واستظهرت الجمعية العمومية للفتوي والتشريع مما تقدم أنه ولئن كان الأصل العام في العقود جميعها، ومن بينها عقد الإيجار، هو خضوعها لمبدأ سلطان الإرادة، إذ إنه بتلاقي إرادتي طرفي العقد يصبح مضمونه ملزمًا لكل منهما، وهو ما يُعبر عنه بأن العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التى يقررها القانون، وأن تنفيذ العقد يجب أن يكون طبقًا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية، وأن أحكام القانون المدني هى الشريعة العامة التى تنظم تلك العقود، إلا أن المشرع استثناءً من الأصل العام- لاعتبارات قدرها- سنّ بعض التشريعات التى فرضت قيودًا على ذلك الأصل العام، من بينها القانون رقم (49) لسنة 1977م  فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، الذى نص فى المادة (1) منه على سريان أحكام الباب الأول منه المتعلقة بإيجار الأماكن على عواصم المحافظات والبلاد المعتبرة مدنًا، وأجازت الفقرة الثانية مدّ سريان تلك الأحكام كلها أو بعضها على القرى بقرار يصدر من وزير الإسكان.
 
ثم عاد المشرع بموجب القانون رقم (4) لسنة 1996م- سالف الذكر- إلى الأصل العام بنص صريح يقرر عدم سريان أحكام القانون رقم (49) لسنة 1977م على الأماكن التى لم يسبق تأجيرها أو التى انتهت أو تنتهى عقود إيجارها، وسريان أحكام القانون المدنى فى شأن تأجير تلك الأماكن واستغلالها أو التصرف فيها، والمقصود من عبارة «الأماكن التى لم يسبق تأجيرها» هو عدم سريان أحكام القانون رقم (49) لسنة 1977م علي الأماكن التي لم يسبق تأجيرها طبقًا لأحكامه، وكذا ما سبق تأجيره مستظلًّا بأحكام القانون المدني خاضعًا لسلطان الإرادة، إذ يبقي العقد على حاله من عدم سريان أحكام هذا القانون - رقم (49) لسنة 1977م- عليه، ولو كان هذا التأجير سابقًا على صدور القانون رقم (4) لسنة 1996م.
 
وأكدت الجمعية العمومية، أن المشرع قرر زيادة سنوية للأجرة القانونية للعين المؤجرة لغير أغراض السكنى المحكومة بقوانين إيجار الأماكن، وذلك بنسبة (10%) اعتبارًا من موعد استحقاق الأجرة التالية لتاريخ نشر القانون رقم (6) لسنة 1997 الحاصل فى26 مارس 1999 وذلك على النحو الوارد بالفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من القانون المذكور، ثم تُستحق زيادة سنوية بصفة دورية في نفس الموعد من الأعوام التالية بنسبة (10%) من قيمة آخر أجرة قانونية وذلك حتى 31/3/2001م، إذ اُستُبدلت بتلك الزيادة القانونية بصفة دورية نسبة (1%) من قيمة آخر أجرة قانونية اعتبارًا من 1/4/2001م وذلك إعمالًا للمادة الأولى من القانون رقم (14) لسنة 2001م سالف الذكر، وغنى عن البيان أن سريان هذه الزيادات مشروط بأن تكون العين المؤجرة محكومة بالقوانين التى تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر. 
 
واستبان للجمعية العمومية أن عقد الإيجار من العقود الرضائية التى لا يُشترط في انعقادها شكل معين، وهو عقد ملزم للجانبين، يلتزم بمقتضاه المؤجر أن يُمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين مدة معينة لقاء أجر معلوم، وهو من عقود الإدارة التى لا تنشئ إلا التزامات شخصية، وهذا الصنف من العقود يتميز عن سائر العقود المسماة، فكونه يقع على منفعة الشيء المؤجر لا على ملكيته يميزه عن عقد البيع، إذ إن البيع يقع على الملكية لا على المنفعة فقط، إلا أن تمييز عقد الإيجار عن غيره من سائر العقود المسماة قد يدق فى بعض الأحيان، إذ قد يلتبس عقد الإيجار بهذه العقود ذاتها، أو بعقود أخرى، ومن هذه العقود ما اصطُلح على تسميته بالإيجار الساتر للبيع (location-vente)، وفيه يصف المتعاقدان العقد على أنه عقد إيجار.
 
كما يصفان أقساط الثمن بأنها الأجرة، وفى حال استمرار المستأجر فى دفع الأجرة لمدة معينة انقلب العقد بيعًا، واعتبرت الأجرة أقساطًا للثمن، والغرض من هذا النوع من العقود هو ألّا تنتقل ملكية الشئ المبيع إلى المشترى بمجرد إبرام العقد، وإنما يؤجل انتقال الملكية إلى ما بعد أداء الثمن، فالمتعاقدان فى هذا العقد يُخفون نيتهم الحقيقية من التعاقد وهي البيع، وهو ما تناولته المادة (430) من القانون المدني فى عجزها بأن أحكام البيع بالتقسيط تسري على العقد «ولو سمى المتعاقدان البيع إيجارًا»، ويترتب على ذلك أن الإيجار الساتر للبيع يعتبر بيعًا محضًا، وتسري عليه أحكام القانون المدنى، ولا تسرى عليه أحكام القوانين التى تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وأن اعتبار العقد بيعًا أو إيجارًا هو من الأمور التى تستخلصها المحكمة من ظروف وملابسات إبرام العقد، مستهدية فى ذلك بنصوصه، للتوصل إلى حقيقة نية المتعاقدين وقت التعاقد.
 
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن ثمة عقدًا أُبرم بتاريخ 29 سبتمبر 1992 بين رئاسة مركز ومدينة ديرب نجم بمحافظة الشرقية (طرفًا أول)، وإدارة ديرب نجم التعليمية التابعة لمديرية التربية والتعليم بمحافظة الشرقية (طرفًا ثانيًا)، وبموجب هذا العقد أجر الطرف الأول للطرف الثانى عدد خمسة عشر محلًّا، وذلك بالعمارتين رقمى (6، و7) بحى حسنى مبارك «عمارات الإسكان منخفضة التكاليف» بمدينة ديرب نجم، وقد نص البند الثالث من هذا العقد على أنه: «أقر الطرفان بأن القيمة الإيجارية هى مبلغ (50) خمسين جنيهًا مصريًّا شهريًّا، وهو المبلغ الراسى به المزاد طبقًا لقرار لجنة البت، ويلتزم الطرف الثانى بأدائه أول كل شهر بمقر الطرف الأول اعتبارًا من شهر أكتوبر عام 1992م، ولمدة عشرين عامًا يصير بعدها المحل ملكًا للطرف الثانى، بعد أداء جميع المبالغ المستحقة عليه، ولا يكون له حتى تمام الأداء سوى حق الانتفاع فقط، وعند أداء كامل الثمن يمتلكه طبقًا لأحكام القانون المدنى الخاصة بالملكية الشائعة للأجزاء المشتركة وملكية السفل والعلو مع باقى ملاك المبنى، على أن تبقى الأرض المقام عليها المبنى ملكًا للطرف الأول، ولا يكون للطرف الثانى سوى حق الانتفاع بها طوال مدة بقاء الوحدة محل هذا العقد...».
 
وهو الأمر الذى استخلصت منه الجمعية العمومية أن هذا العقد فى حقيقته هو عقد إيجار ساتر لعقد بيع، لا سيما أنه قد تم الاتفاق بين طرفيه على انتقال ملكية المحال المؤجرة للإدارة التعليمية بديرب نجم فور أدائها القيمة الإيجارية وانقضاء مدة التعاقد المقدرة بعشرين عامًا، ومن ثم فإن هذا العقد تحكمه القواعد الواردة بالقانون المدنى، ولا يخضع لأحكام القانونين رقمي (49) لسنة 1977م فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر و(136) لسنة 1981م فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، كما لا يخضع بالتبعية لأحكام القانون رقم (6) لسنة 1997م بشأن بعض الأحكام الخاصة بإيجار الأماكن غير السكنية المشار إليه المعدل بالقانون رقم (14) لسنة 2001م.
 
وبناء على ما تقدم، ولما كان الثابت أن الجهاز المركزى للمحاسبات وبمناسبة أداء دوره الرقابى المنوط به، قد ثبت لديه أن الإدارة التعليمية بديرب نجم قد أدت مبالغ تزيد على القيمة الإيجارية المقررة بالعقد المذكور، ومن ثم فإن ما انتهى إليه الجهاز المركزى للمحاسبات بمحافظة الشرقية قد صادف صحيح حكم القانون، وتكون المبالغ التى دفعتها الإدارة التعليمية بديرب نجم لمركز ومدينة ديرب نجم تحت مسمى الزيادة فى القيمة الإيجارية والمقدرة بمبلغ (50144.47) خمسين ألفًا ومائة وأربعة وأربعين جنيهًا وسبعة وأربعين قرشًا قد دُفعت دون وجه حق وبالمخالفة لأحكام القانون، مما يتعين معه إلزام مركز ومدينة ديرب نجم برد هذا المبلغ.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق