التلاعب بالعقول.. رؤية غربية لتقييد تحكم فيسبوك باختيارات المواطنين

السبت، 13 أبريل 2019 02:00 م
التلاعب بالعقول.. رؤية غربية لتقييد تحكم فيسبوك باختيارات المواطنين
الفيس بوك
كتب- أمين قدري

 
تؤثر مواقع التواصل الاجتماعي على الكثير من عادات وتقاليد المجتمع، يظهر هذا التأثير في العلاقات الاجتماعية بصفة خاصة في فئة الشباب الأكثر استخداما، ودفع خبراء مؤخرا في أن المارد الأزرق المعروف بـ «فيس بوك» مثلا فقد تأثيره بعض الشيء بعدما أعلن مستخدمون عن هجره بدافع الحياة بعيدا عن واقع افتراضي.
 
193331-مقر-شركة-فيس-بوك
 
وفقا لخبراء الاجتماع فإن استخدام فيس بوك لفترات طويلة يؤدي إلى العديد من المشاكل النفسية لدى الشباب، إذ يزيد لديهم الشعور بالعزلة الاجتماعية نتيجة قضائهم الكثير من الساعات داخل هذا المجتمع الافتراضي مما يقلل من فرصة التفاعل الاجتماعي داخل الأسرة، كما يزيد أيضا من مشاعر الأنانية والميول العدوانية نتيجة ما يتم تناقله بين المستخدمين من أخبار تحوي موضوعات عن العنف والقتل، التي تؤدى إلى العديد من الأثار النفسية السيئة مثل القلق والاكتئاب وقلة النوم. 
 
كان فيسبوك قد ساهم في التأثير على اختيارات المواطنين وحياتهم السياسية والاجتماعيه، كما حدث في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، ودور شركة «كامبريدج أناليتيكا» السلبي في نتائج استفتاء البريكست فضلا عن مساعدتها المتطرفين اليمينيين في نشر خطابات الكراهية حول العالم، وإن كانت منصات التواصل الاجتماعي بدأت مؤخرا في ممارسة دور كبير في تصدي تلك الخطابات.
 
وذكر «روجر مكنامي» المستشار بشركة فيسبوك، في كتابه الذي جاء بعنوان: «زوكيد»، إن الاستيقاظ على كارثة فيسبوك، وهو دور شبكات التواصل الاجتماعي في السيطرة على العقول، داعيا الحكومات لضرورة فرض قواعد سلوكية معينة على تلك الشبكات، ولا يستثني منها أي منصة. 
 
- مدى استفادة وادي السيلكون 
 
أشار «مكنامي» إلى أن وادي السيلكون استفاد من المقولة الاقتصادية، التي  يمر عليها Laissez-faire، وأوضح  أن التوجه الأساسي هو أن تكون التكنولوجيا ليست حكرا على أحد، فالسوق مفتوحة باستمرار لمبتكرين جدد بأفكار مختلفة، وأن الرغبة المستمرة في كسر الاحتكار خلقت فرصا لشركات تكنولوجية جديدة للظهور والمنافسة. 
 
فيسبوك-يُعلن-عن-1000-وظيفة-..-تعرف-عليها
 
وأضاف، أن وادي السيلكون كان مقصورا على عدد من الشركات الهندسية التي تعمل في نطاق ضيق قبل ظهور موقع فيس بوك في عام 2004، ولكن الساحة كانت مفتوحة للشركات الناشئة.
 
ويعتبر الوضع قد تغير بعد اكتساح الشركات الكبرى مثل «فيس بوك وجوجل» لوادي السيلكون، وأن الشركات الناشئة تسارع في الانضمام لتلك الشركات بعد عام على الأكثر من نشأتها لعدم قدرتها على الاستمرار والمنافسة. 
 
ولذا، يرى مكنامي، أن تطبيق نظريات «حرية الأسواق» قد تسببت في احتكار الشركات الكبرى، كجوجل وفيسبوك وأمازون، في الاقتصاد العالمي والهيمنة عليه، مما دفع الاقتصاديين للمطالبة بضرورة التدخل لضبط المسألة، وعدم ترك الأمر في قبضة شركات تستحوذ على الأسواق العالمية.
 
انتشار فيسبوك السريع
 
وذكر المستشار بشركة فيسبوك، باستفاضة قصة انتشار فيسبوك السريع، ومنهجية عمله وأسباب نجاحه، موضحا أنه بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت فلسفة مدرسة «شيكاجو» كجزء من السياسات النيوليبرالية الاقتصادية، التي وضحت أن تركيز القوة الاقتصادية في يد فئة قليلة من الشركات التي لا تعد مشكلة طالما أن الأسعار لا ترتفع وقد استفاد عدد من الشركات من تلك الفلسفة، وعلى رأسها أمازون، وجوجل، وفيسبوك. 
 
وحيث كانت فلسفة «شيكاجو»، التي بدأت في عهد الرئيس الأمريكي السابق «دونالد ريجان»، قد اشترت شركة فيسبوك العديد من التطبيقات الناجحة مثل: ماسنجر Messenger، وإنستجرام Instagram، محققه في ذلك استحواذا كاملا على الأسواق التي تسعى  إلى ضم الشركات الناشئة باستمرار، ففي عام 2013، حاولت فيسبوك شراء تطبيق سنابشات Snapchat، لكن الشركة المنتجة له رفضت، فقامت الأولى باستنساخ مميزاته في تطبيق إنستجرام.
 
وبالإضافة إلى ما سبق، قامت الشركة بشراء تطبيقات وبرامج عدة تمكنها من توسيع قاعدة البيانات عن المواطنين، وهو ما يمكنها من زيادة أرباحها عن طريق استغلال تلك البيانات، ويشير الكتاب إلى أن نحو 40% من سكان العالم اليوم يستخدمون الفيسبوك بمختلف تطبيقاته، وهو الأمر الذي يضاعف من قدرته على اختراق العقول. 

- عوامل نجاح شركة فيسبوك
 
20180130063737103
 
وقد أشار الكاتب إلى أنه يعود لمجموعة من العوامل، وعلى رأسها الإيمان بالذات، ووضع خطة مميزة لا تشوبها شائبة، ووجود فكرة جيدة جاذبة للناس، ويضيف أن العامل الرئيسي لهذا النجاح يتركز في منحها مميزات نسبية للمستخدمين التي استطاع فيسبوك التغلب على مشكلات الشركات الأخرى، ووضع قواعد تنص على ضرورة التعرف على هوية المستخدم ومراقبة الخصوصية، وهو الأمر الذي بث الأمان في نفوس المستخدمين، لكنه بدأ في التساهل في تلك القواعد رغبة منه في زيادة أعداد المستخدمين، حتى وصل عدد مستخدميه نحو 2,1 مليار مستخدم بحلول عام 2017.

-أساليب جمع البيانات عن المواطنين
 
وفي الفترة من عام 2012 حتى عام 2017، حسن فيسبوك آليات استخدامه، وطور أساليب جمع البيانات عن المواطنين، بحيث تفوق على العديد من أجهزة الاستخبارات العالمية، كما حسن أساليب الإعلانات المستخدمة عن طريق البيانات التي تم تجميعها عن المستخدمين، وهو ما ساهم في زيادة أرباحه حتى بلغت نحو 40.7 مليار دولار في عام 2017، ولكن التوسع في الإعلانات أدى إلى زيادة تشكك المستخدمين في انتهاك خصوصيتهم، خصوصا بعد فضيحة كامبريدج أناليتيكا، والانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016. 
 
وعلى الرغم من المشكلات المتتالية المتعلقة بشركة فيسبوك، يشير «مكنامي» إلى أنها جنت أرباحا طائلة، حيث تعمل من حين لآخر على تطوير أسلوب الإعلانات المستخدمة والجماهير المستهدفة ومع هذا يؤكد الكاتب أن النجاح الذي حققته قد يؤدي برؤسائها إلى الثقة الزائدة التي يليها الغرور والاستهانة بنصائح النقاد، وهو ما يقود الشركات الكبرى في النهاية للسقوط والفشل. 
 
- تأثير فيسبوك على المجتمع والأفراد
 
وأوضح مكنامي، أن قدرة مواقع التواصل الاجتماعي في التأثير على المجتمع والأفراد تظل كبيرة ما لم يكن هناك وعي مجتمعي وقد تؤدي بإيذاء استخدامها وتعد شركة فيسبوك نجحت منذ تأسيسها في تطبيق شعار الحرية في نشر ما يريده الأفراد من معلومات، وجعل العالم مكانا أكثر ديمقراطية، وفي المقابل جنت أرباحا طائلة من وراء ذلك.
 
ويؤثر فيسبوك وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي آثارا خطيرة على الأفراد والمجتمعات، وسمحت بتقويض الديمقراطية في كثير من الدول وفي ظل ارتفاع معدلات الإدمان التكنولوجي في الآونة الأخيرة، سيكون من الصعب إقناع مستخدمي تلك المواقع بالتخلي عنها، لما تقدمه من خدمات لهم، مما سيوفر لتلك الشركات قدرًا أكبر من البيانات مع مرور الوقت، والذي سيمكنها من التحكم في سلوكيات الأفراد من خلال تحليل تلك البيانات. 
 
-السياسة الأمريكية تجاه فيسبوك
 
ويشير مكنامي، إلى أنه رغم مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي على الانتخابات الأمريكية السابقة والقادمة، إلا أن أمرها وتأثيرها لا يشغل حيزا كبيرا من فكر الساسة الأمريكيين، ويرجع ذلك لمجموعة من الأسباب والتي كان اولها الاعتقاد الخاطئ بأن التدخل من قبل الحكومة في التكنولوجيا سيضر بالابتكار.
 
كان التحالف بين أفراد الحكومة والساسة وبين الشركات التكنولوجية الكبرى مثل جوجل وفيسبوك، منذ بدأت في تدعيم حملة الرئيس السابق «باراك أوباما» خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2008، وقدرة مواقع التواصل الاجتماعي على حشد الناخبين وجمع الأصوات لصالح مرشح بعينه، جعل المشرعين الأمريكيين يغضون الطرف عن تحركات الشركات التكنولوجية رغبة منهم في استغلالها لمصالحهم الخاصة.
 
تأتي عدم قدرة المشرعين على مراقبة التكنولوجيا بصورة كبيرة ومواكبة تطوراتها السريعة لعدم فهمهم الدقيق لها وكان السبب الأساسي إيزاء رفع الحكومة يدها عن مواقع التواصل الاجتماعي هو تحقيق مآربها.
 
كانت الإدارة الأمريكية الحالية تعقد اجتماعات متكررة مع مديري فيسبوك بغرض توضيح أفضل الآليات لاستخدامه في التسويق السياسي، ولتأكيد الادعاءات المتناقضة للساسة الأمريكيين بشأن وضع ضوابط على مواقع التواصل الاجتماعي.
 
ويشير الكاتب إلى هذا التناقض، حيث تتمكن المؤسسة التشريعية الأمريكية من وضع قيود وتنظيمات على أداء عمل البنوك التي تعد أكثر تعقيدًا من التكنولوجيا، في حين تجد صعوبة في وضع ضوابط على عمل مواقع التواصل الاجتماعي لتحد من مخاطرها على الانتخابات الأمريكية القادمة.
 
- فضيحة كامبريدج أناليتيكا
 
وأوضح مكنامي، أن المعلومات التي تم كشفها حول استغلال بيانات 50 مليون حساب على الفيسبوك لعمل برنامج يتنبأ بالسلوك التصويتي للناخبين، قد أثارت جدلا واسعا حول اختراق الخصوصية على مواقع التواصل الاجتماعي، واستغلال البيانات الشخصية بدون علم أصحابها. 
 
وتعد شركة كامبريدج أناليتيكا التي ترأسها ستيف بانون، وهو مساعد سابق للرئيس دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية في عام 2016، وشغل أيضا منصب كبير مستشاري الرئيس للشئون الاستراتيجية، قد استطاعت من خلال برنامج مطور منذ أواخر عام 2014 توجيه ملايين الأصوات في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، ليفوز بها المرشح الجمهوري ترامب، فضلا عن دورها في استفتاء البريكست.
 
وقد نجحت تلك الجلسات التي بدأت منذ إبريل 2018 في لفت انتباه وسائل الإعلام والصحافة لدور مواقع التواصل الاجتماعي في الحياة السياسية، والدور الذي تلعبه في التأثير على العقول، ونشر المعلومات المضللة في أحيان عدة، وقد دفعت فضيحة كامبريدج أناليتيكا الساسة الغربيين لزيادة الضغط على شركة فيسبوك لتفسير أسباب ظهور إعلانات بعينها دون غيرها للمستخدمين.
 
وهذا يقود إلى نتيجة مفادها أن عدم توافر المال لشن حملات توعوية لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن أن يقف حجر عثرة في طريق التوعية. فالضغط على الساسة يمثل عاملا حاسما إزاء تفعيلهم قوانين تنظيمية تضبط عملية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.


-انتشار خطابات الكراهية والقصص 
 
وكان معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أظهر أن نحو 70% من القصص الزائفة يتم مشاركتها بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من القصص الحقيقية. وتساهم مشاركة القصص الزائفة في تعظيم خطابات الكراهية تجاه الآخرين. 
 
وطلبت حكومة سيريلانكا حجب مواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك وواتساب، بسبب مساهمتها في نشر خطاب الكراهية، ويعد هذا الأمر الذي تسبب في الاعتداء على الأقلية المسلمة بالدولة، وعلى الرغم من تعهد فيسبوك بالنظر في الأمر، إلا أن «مكنامي» يشير إلى ضالة الأهمية النسبية لتلك الدولة بالنسبة لاقتصاد شركة مثل فيسبوك، وبالتالي فهي لن تحرك اي موضوع او شخص في  إيزاء خطابات الكراهية التي تبث عبر منصاتها.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة