«فورين بوليسي»: إردوغان أغرق تركيا

الأحد، 05 مايو 2019 09:00 م
«فورين بوليسي»: إردوغان أغرق تركيا
اردوغان

في وقت يُشعل فيه نظام العدالة والتنمية فتيل فوضى اجتماعية وقانونية بإصراره على إعادة الانتخابات البلدية في إسطنبول، لا يتوقف رجب إردوغان عن وعوده بانتشال تركيا من ركودها، في محاولة للملمة شتات أنصاره الفارين من حوله، بعدما حطمتهم أزمة اقتصادية عاصفة على مدار أكثر من عام.

في تقرير نُشر، السبت، وقفت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية على معضلات الاقتصاد التركي خاصة في ضوء دخول البلاد إلى طور الكساد لأول مرة منذ 10 سنوات، واستمرار غرق الليرة، كاشفة عن سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها حكومة إردوغان لأسباب سياسية وجرت الاقتصاد إلى حافة الهاوية.

 معضلة إردوغان
"فورين بوليسي" قالت إن تركيا تعاني من مشكلات اقتصادية خطيرة، فالبطالة في ارتفاع والتضخم وصل لأعلى مستوى منذ أكثر من عقد عند 20%، وهو ما يضع إردوغان أمام خيارات صعبة،  فإما أن يتخذ إجراءات حقيقية تؤتي ثمارها على المدى المتوسط ولكن تكلفتها السياسية ضخمة، خاصة مع استماتته على إعادة الانتخابات في إسطنبول، أو يفضل زيادة النمو الآن بإجراءات شكلية لن يؤدي إلا إلى تفاقم مشكلات الاقتصاد.

بحسب المجلة الأمريكية، فإن مشكلة تركيا الأساسية هي أن الحكومة تسير الاقتصاد بمنطق سياسي بحت، فهي تواصل تحفيزه حتى لو كان ارتفاع التضخم يشير إلى أنه ينبغي لها أن تفعل العكس. 

قبيل الانتخابات المحلية التي جرت 31 مارس الماضي، اتخذت حكومة العدالة والتنمية إجراءات تهدف لمنع المستثمرين الأجانب من بيع الليرة، تجنبا لحدوث انخفاض جديد في العملة قبيل التوجه إلى صناديق الاقتراع.

وآنذاك، شدد نظام إردوغان الخناق على صناديق "التحوط" الأجنبية، وهي صناديق استثمارية صُممت للحد من المخاطر والحصول على مستوى ثابت من العوائد بغض النظر عن اتجاه السوق، لإجبارها على مواصلة المعاملات التجارية والصفقات المالية بالليرة، كما أعطى أوامره للبنوك الحكومية بعدم إقراض المستثمرين الأجانب بالعملة التركية، كما فتح تحقيقا مع بنك جي بي مورجان، متهمًا المحللين في البنك الأمريكي بتقديم نصائح "مُضللة" بعد أن نصح العملاء ببيع الليرة مقابل الدولار.

بحسب فورين بوليسي فإن ما اتخذ من إجراءات شكلية بهدف تحفيز الاقتصاد قُبيل انتخابات 31 مارس، هو السلوك المعتاد لنظام العدالة والتنمية في كل استحقاق انتخابي بما في ذلك الاستفتاء على الدستور عام 2017، والانتخابات الرئاسية عام 2018.
 
المجلة أكدت إنه باستثناء اقتراع 31 مارس، فإن "استراتيجية إردوغان المخادعة" كان لها الفضل في استمرار  فوزه في الانتخابات ولكن تكلفتها كانت ضخمة، حيث دفعت تدخلاته في الاقتصاد التضخم إلى الارتفاع، من أعلى بقليل من هدف البنك المركزي المتمثل في 5% خلال العقد الماضي إلى 10% في عام 2017 و 20% حاليًا، وهو ما أدى إلى انخفاض قيمة الليرة ليقترب سعر صرف الدولار من 6 ليرات لأول مرة منذ عقد تقريبًا.

أزمة الائتمان
المجلة الأمريكية قالت إن الليرة المنهارة جعلت الأتراك أكثر فقرًا خاصة في ضوء اعتماد اقتصاد تركيا على التجارة، لافتة إلى أن حكومة العدالة والتنمية لا تفعل شيئًا لوقف نزيف العملة المحلية.

وفيما رفع البنك المركزي متحديًا حكومة إردوغان سعر الفائدة الرئيسي من 8% قبل عام إلى 24% حاليًا، إلا أن "فورين بوليسي" أكدت أن هذه الارتفاع بالكاد يتجاوز معدل التضخم وهو أدنى بكثير من حيث يجب أن يكون لتثبيت الليرة.

قالت إن إصرار إردوغان على عدم زيادة أسعار الفائدة، ومجادلته مرارًا وتكرارًا بأن تقلب الليرة هو "عملية يقودها الغرب ضد تركيا"، وحديثه "غير التقليدي" عن أن خفض أسعار الفائدة سيؤدي لخفض معدل التضخم" كلها أحاديث ومجادلات وراءها دوافع سياسية.

بحسب المجلة الأمريكية، فإن إردوغان يجاهد للإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة خوفًا من تباطؤ النمو الذي تسببه ارتفاع أسعار الفائدة، كما أن زيادة البنك المركزي من تكلفة الاقتراض بالليرات، سيشكل ضغطًا كبيرًا على البنوك التركية.

البنوك التركية تمول نفسها جزئيًا عن طريق اقتراض مليارات الدولارات، من البنك المركزي، ويجب عليهم تحويل جزء كبير من هذا الدين على أساس أسبوعي أو شهري، وعندما ترتفع أسعار الفائدة، يصبح من الأفضل للبنوك تمويل نفسها.

وفي الوقت نفسه، فإن جميع القروض التي تقدمها البنوك التركية تقريبًا - التي تقدم الأموال للأتراك لشراء المنازل أو السيارات، على سبيل المثال - هي لفترة أطول وبأسعار فائدة ثابتة، وفي كل مرة يرفع فيها البنك المركزي أسعار الفائدة، فإنه بذلك يرفع تكاليف البنوك دون زيادة إيراداتها، والنتيجة هي أزمة الائتمان، بحسب المجلة الأمريكية.

قالت إن خفض البنوك للإقراض، يعني أن المستهلكين سيشترون أقل، والشركات ستستثمر أقل، وبالتالي سيتباطأ الاقتصاد يتباطأ على عكس ما يحتاج إليه أردوغان للحفاظ على الدعم السياسي، وهو ما يبرر ضغط حكومته على البنك المركزي للحفاظ على أسعار الفائدة أقل مما ينبغي، "حتى لو كان ذلك على حساب ترك التضخم يبحر في حين أن الليرة تغرق أكثر".

قنبلة البنوك الموقوتة
"فورين بوليسي" كررت تأكيدها إن استراتيجية إردوغان الاقتصادية أتت أٌكلها في عدة استحقاقات انتخابية سابقة على استحقاق 31 مارس، حيث تسبب الاستراتيجية "المخادعة" في غرق الليرة وارتفاع الأسعار ما أدى لفقدان حزب العدالة والتنمية لبلديتي أنقرة وإسطنبول لأول مرة منذ اعتلى الحكم في تركيا عام 2002.

كما توقعت المجلة وجود تكلفة اقتصادية طويلة الأجل أكثر كارثية رغم أنها مخفية في الوقت الحالي في النظام المصرفي، فبالإضافة إلى إقراض البنوك الليرة للمستهلكين الأتراك، قامت بإقراض الدولارات للشركات التركية، وكان ذلك منطقيًا عندما كانت العملة المحلية مستقرة، لأن البنوك التركية كانت غارقة بالدولار، ولأن الشركات تجد أن اقتراض الدولارات أقل تكلفة من الليرات.

بحسب المجلة الأمريكية، فإن سعر صرف الليرة المتهاوي وضع قنبلة موقوتة داخل البنوك التركية، حيث اقترض الكثير من عملائها الدولار عندما كان سعر الصرف نصف المعدل الحالي، والآن يجب أن يقدم هؤلاء العملاء ضعف عدد الكيراتين لتسديد قروضهم البنكية، ومع تباطؤ الاقتصاد، ستصبح مهمتهم أكثر صعوبة، خصوصا وأن معظم الاقتصاديين يتوقعون تراجع الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019، 

في الوقت الحالي، تصر بنوك تركيا ومنظموها على عدم وجود مشكلة، فيما تشير "فورين بوليسي" إلى أن تجربة الأسواق الناشئة الأخرى التي تواجه أزمات مالية بطيئة توضح أنه قد يكون لديها بعض الوقت قبل أن تصبح المشكلات أكبر من أن يتم تجاهلها. 

تقرير "فورين بوليسي" قال إنه حال استمرار انخفاض الليرة، فإن الحساب سيكون صعبا على حكومة العدالة والتنمية، فبسبب سياستها الرامية للحفاظ على صورة نمو خادعة غرقت العملة المحلية.
 
كما أوضحت أن كل جرعة من الحوافز التي حاولت بها حكومة إردوغان إنعاش الاقتصاد جلبت تأثيرات جانبية أكثر شرا، بما في ذلك ارتفاع التضخم وانخفاض الليرة، ورغم أن البديل والمتمثل في ارتفاع أسعار الفائدة سيكون مؤلمًا، إلا أنه سيحد من الأضرار طويلة المدى.

"فورين بوليسي" أبدت تشاؤمًا من سلك إردوغان طريق الإصلاحات الاقتصادية الجادة، نظرًا لتكلفتها السياسية الضخمة وتوقعت استمرارها في ضخ مزيد من الحوافز الخادعة، خاصة مع تشبثه بإعادة الانتخابات في إسطنبول.

المجلة قالت إن "كل جولة إضافية من التحفيز تقدم أيضًا التاريخ الذي يجب فيه سداد الفاتورة، لكن لدى الحكومة مشكلات أكثر إلحاحًا، وأبرزها قرار بشأن إعادة انتخابات إسطنبول، وطالما أن الانتخابات المقبلة أقرب من تاريخ استحقاق فواتيره، فإن أردوغان سيختار دائمًا دفعة أخرى من الحوافز التي تغذيها الائتمان".

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة