أحمد سالم أستاذ الفلسفة الإسلامية: التيارات الدينية السبب في زيادة الإلحاد (حوار)

السبت، 25 مايو 2019 12:16 م
أحمد سالم أستاذ الفلسفة الإسلامية: التيارات الدينية السبب في زيادة الإلحاد (حوار)
الإلحاد
رباب الحكيم

الخطاب الدينى الحالى أخضع الأحياء لسيطرة الأموات.. ويفقد القيم الإنسانية كالتسامح وحق الاختلاف وقبوله للآخر


التجديد ضرورة لا غنى عنها.. ونحتاج لتفسير عصرى للقرآن يعيد ربطه بحركة المجتمع وتطوره

إعداد دعاة بشكل جيد وعدم ترك منابر الإعلام بشكل مفتوح لأصحاب الخطابات العنيفة

المؤكد أن مصطلح «الإلحاد» الذى جرى تداوله خلال الفترة الأخيرة من قبل الجماعات المتطرفة والأصولية هو انكار للألوهية، واستندت إليه تلك الجماعات الأصولية المتشددة، باعتبارها خارجة عن التأويل الصحيح للنصوص المقدسة، كما قامت بتوظيف تأويل الآيات والأحاديث فى خدمتها، وتسببت فى وجود شريحة من الشباب تمرق من الدين وتؤمن بعدم وجود إله.

فيما أشار الدكتور أحمد سالم أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة طنطا،  فى حوار مع «صوت الأمة» إلى ضرورة الحاجة إلى خطاب دينى لإعادة تقديم الإسلام بوجه جديد بعيدا عن ممارسات جماعات التطرف والعنف التى تظهر على الساحة.
وإلى نص الحوار: 
 
■ إلى أى مدى يحتاج الخطاب الدينى فى العالم العربى إلى التجديد والتطوير؟
 
نحن فى حاجة إلى خطاب دينى جديد يقرأ أصول الإسلام بروح العصر، ويرسخ لقيم التعايش والإختلاف وقبول الآخر، ويحث على العمل والتنمية والعدالة والتقدم، كما يحث على الارتقاء بالإنسان، وليس الخطاب الحالى الذى يركز على الموت والحساب للآخر المخالف، لأن صورة الإسلام فى العالم مشوهة بهذا الخطاب السائد؛ فالخطاب السائد يفقد قيم الإنسانية كالتسامح، وحق الاختلاف وقبول الآخر، كما أنه يروج للإسلام الجهادى، ومن أخطر ما فى هذا الخطاب العجز عن مواكبة التطور الحادث فى حركة الاجتماع الإنسانى، حيث يبدو هذا الفكر جامدا يحكم على الحاضر بأفكار الماضى، ويحكم السلف فى رقاب الخلف، أى يمكن الأموات من السيطرة على الأحياء، فالسلف اجتهدوا فى قراءة الإسلام فى ظل ظروفهم التاريخية والاجتماعية والحضارية، لذا يحق الآن أن نقرأ النصوص المقدسة فى ظل الشرط التاريخى والاجتماعى الذى نعيش فيه.
 
■ ماهى المحاور التى يمكن أن يتخذها كمنهج للتجديد على الساحة؟
 
يمكن إرساء مجموعة من القواعد المهمة فى تجديد الخطاب الدينى المتمثل فى، ضرورة تقديم تفسير عصرى للقرآن يعيد ربطه بحركة المجتمع وتطوره، خاصة أن التفسير لم يجدد منذ التفسير القرآنى الذى قدمه الإمام محمد عبده و رشيد رضا، وكذلك ضرورة النظر إلى الفقه القديم على أنه فقه تاريخى ابن عصره، لذا لابد من الاجتهاد المعاصر فى تجديد الفقه حتى يراعى تطور حركة الاجتماع، ومراعاة المشاكل الحديثة.
كما أنه من المهم أيضا، أن يقدم الخطاب الدينى الجديد، قيم المحبة والتسامح والخير والتعايش مع الآخر وقبوله، وأن يركز على مصالح العباد فى الأرض باعتبار أن تلك المصلحة قيمة كبرى قد أرساها الفقه الإسلامى، ومن المهم البحث فى الجذور المشتركة بين المذاهب الإسلامية والتقريب بينهما باعتبار أن الأصل فيهما واحد وهو الإسلام، لذا لا ينبغى أن يقصى كل مذهب الآخر، بل علينا أن نبحث عما يوحد المسلمين، وليس ما يفرقهم ويجعلهم شيعة وأحزاب تنفى بعضها البعض الآخر، وقد كان للشيخ محمود شلتوت محاولاته المستمرة للتقريب بين المذاهب الإسلامية.
 
■ ما مدى وصول الخطاب بأنواعه إلى رجل الشارع البسيط؟ 
 
وصوله بهذا الشكل يستلزم إعداد دعاة بشكل جيد داخل أروقة التعليم الأزهري، كونهم المنوط بهم إظهار صورة رجال الدين من على المنابر، لذا لابد ألا تترك منابر الإعلام والإذاعة بشكل مفتوح لأصحاب الخطابات العنيفة لبثها فى المجتمع، بل لا بد أن يكون هناك خطاب ديني يبث الأمل والتفاؤل والخير باسم الدين فى أوساط الناس.
 
■ هل هناك مفكرون جدد فى العالم العربى؟
 
للأسف المنتج العربى والمصرى فى حالة تراجع مستمرة، ويعتبر موت العديد من الرموز فى الفترة الأخيرة أمثال فؤاد زكريا، وجورج طرابيشي، ومحمد أركون، ومحمد عابد الجابري، ونصر أبوزيد، وعلى مبروك وغيرهم تسبب فى زيادة الكراسى الشاغرة فى الفكر العربى الحديث، إلا أن هناك اجتهادات محدودة فى الفكر العربى من المحيط للخليج، لكن الغالب على الفكر العربى الآن هو حالة التراجع الواضحة على كل المستويات، ويتمثل السبب الرئيسى فى ذلك الانهيار والتدنى فى أنظمتنا السياسية والتعليمية والتربوية.
 
■ ولماذا لم تُنتج الثقافة العربية فلاسفة جُدد؟ 
 
قاومت الثقافة العربية وجود فلاسفة فى عصور ازدهارها، وسيطرة الفقهاء على فضاءات الثقافة، فكانوا يكفرون الفلاسفة ويحاصرونهم، لهذا فالفلسفة لم تزدهر فى عصور الازدهار القديمة لأن تيارات النقل كانت هى السائدة والحاكمة فى ثقافتنا قديما، ومن المعروف أن الفلسفة لا تنمو ولا تزدهر إلا فى أرض الحرية والتسامح.
 
■ هل هناك فرق بين التدين والدين؟
 
هناك فرق واضح بين الدين والتدين؛ الدين هو الصورة المطلقة لاعتقاد الله كقيمة مطلقة، كذلك الكتب السماوية المقدسة كخطاب مطلق، لذا يتسم الدين باعتقاداته بالاطلاق، أما التدين يُعد نتاجا للفكر البشرى حول النصوص المؤسسة للأديان، كما يتسم هذا الفكر البشرى بالنسبية والتعدد والاختلاف؛ فأنماط التدين تتطور بتطور حركة الزمن والتاريخ، وتغير ظروف الاجتماع البشرى.
 
■ هل انتهت الأيديولوجيات الدينية الحاكمة للإسلام السياسى بسقوط الإخوان فى مصر؟ 
 
 لا يمكن القول بأن سقوط الإخوان وحصارهم يؤدى لنهاية الأيديولوجيات الدينية، لأن حركات الإسلام السياسى ما هى الا تعبير عما هو سائد فى الثقافة الدينية، فالتشدد الدينى ممتد من فكر أحمد بن حنبل إلى ابن تيمية إلى ابن عبدالوهاب إلى سيد قطب وأبو الأعلى المودودي، لذا علينا أن نواجه كل ما يخلق التشدد والفكر الإرهابى من ثقافتنا والتعليم والتربية، لأنه بدون تنقية الثقافة الدينية سوف تستمر حركات العنف فى ممارسة عنفها.
 
■ ما الأثر الذى تركته الأصولية على التدين الشعبى؟
 
لا شك، أن الاتجاهات الأصولية القائمة على نزعة التشدد فى الدين جعلت العديد من الناس يتجهون لأنماط من التدين الشعبى الملتصق بالطرق الصوفية والموالد المرتبط بأشكال الفرح لبسطاء الناس والعوام القائمة على التبرك بالأولياء والاعتزاز بهم؛ فانتشر فى ربوع مصر الاحتفال بموالدهم؛ حيث اختلطت مصر تاريخيا بالتشيع فى العصر الفاطمي.
 
■ ما طبيعة الحقيقة المطلقة التى يدعى قيادات الجماعات المتطرفة امتلاكها؟ 
 
أزمة التدين المتمثلة فى اعتقاد أصحاب كل دين أنهم يملكون الحق المطلق، وأن الأديان الاخرى على باطل مطلق، كما أن الخلاف بين المذاهب الإسلامية أدت لاعتقاد كل من السنة والشيعة والخوارج أنهم يملكون الحق المطلق، وتكفير الآخرين، كذلك الحال عند أصحاب المذاهب، يعتقد كل مذهب أنه على صواب مطلق والآخر على كذب مطلق؛ فيُعد هذا أحدى المحن الكبرى فى الأديان الإبراهيمية.
 
■ ما مدى تأثير الحركات الدينية العنيفة على صورة الإسلام فى العالم؟ 
 
بالتأكيد أسهمت حركات العنف بتقديم صورة سلبية عن الدين الإسلامى فى الإعلام الغربي؛ فأصبحت صورة المسلم فى العالم ملتحقة بالمتفجرات والعنف والدماء، وهو ما يفرض علينا إعادة إنتاج صورة الإسلام فى العالم على أنه دين يدعو إلى التعايش والسلام وقبول الآخر والتسامح، خاصة أن الحقيقة تؤكد أن الشريحة التى تمارس العنف باسم الإسلام فئة محدودة تلقت تعليما مغلوطا عن الإسلام.
 
■ كيف يمكن محاصرة العنف؟ 
 
تجفيف منابع العنف ينبغى أن يبدأ أولا من الثقافة من خلال مواجهة الأفكار المحرضة على الإرهاب والدماء ومحاصرة الآراء التى تدعو إلى ذلك مثل فتاوى ابن تيمية وغيره فى الفقه القديم، كذلك ينبغى ضبط المنصات الإعلامية المختلفة التى يتخذها مشايخ الفتنة منبرا لتكريس العنف فى المجتمع.
 
■ إلى أى مدى تؤدى أصولية المركز وتأثير مشايخها على محيط الجماهير بالإلحاد؟ 
 
انتشار الجماعات الإسلامية فى العالم العربى الإسلامى وذيوع  التشدد الديني، وممارسة العنف معها من قبل هذه الجماعات؛ أثر على بعض الشباب وجعلهم يتشككون فى حقيقة الدين، ووصل بعضهم إلى درجة المروق عن الدين، وأؤكد على أن هذا السبب يرجع لنمط العنف المنتشر بين الحركات الدينية.
 
■ ما أسباب تشكيل ظاهرة الإلحاد فى مجتمعاتنا؟
 
لا شك أن لظاهرة الإلحاد فى المجتمعات العربية العديد من الأسباب؛ فهى تشكل أحد وجوه الاحتجاج الاجتماعى من قبل الشباب تجاه السلطة الدينية، وقد ينبع من غضب الشباب لصورة الخطاب الدينى السائد فى المجتمع القائم على الترهيب، كما يحاول رجال الدين ضبط حركة الاجتماع بالتخويف لصالح السلطة السياسية، كذلك ينبع نتيجة فضاء المعلومات الحر عبر الإنترنت، واطلاع الشباب على الثقافات العالمية والتأثر بها، وقد يكون الإلحاد لدى بعض الشباب معبرا عن حالة فكرية وذهنية، إلا أن هناك بعض الشباب يعيش حالة ارتياب وشك؛ لذا يقول الملحد فى تلك الحالة : إنه « لا يدرى إن كان الله موجودا، أو غير موجود»، وهذا النوع من الشباب يمكن توجيههم بسهولة إلى طريق الدين.
 
■ ما الآليات التى من الممكن أن نواجه بها ظاهرة الإلحاد؟ 
 
ضرورة تجديد الخطاب الدينى؛ بحيث يقوم على الترغيب، وزرع قيم المحبة والتسامح والتعايش بين الأفراد، كما يقدم صورة للإله تقوم على المغفرة والتوبة والرحمة؛ لذا يستلزم خطاب دينى جديد.
 
كما من الضرورى إعداد رجال الدعوة من خريجى جامعة الأزهر بشكل يليق بروح العصر وثقافته؛ ليستطيع الشباب المواجهة من الناحية الروحية؛ لذا يستلتزم تنوير المؤسسات الدينية الأزهرية بما يتوافق مع الأشكاليات المطروحة من الناحية الاجتماعية بالعالم العربي، وضرورة العناية بتشكيل وعى الشباب عبر التعليم الجامعى بشكل يؤكد على أهمية الدين فى الحياة الإنسانية، كذلك أهميته فى حياة الفرد.
 
■ هل يمكن فصل الدينى عن السياسى؟ 
 
نعم.. من الممكن فصل ممارسات رجال الدين عن الدور السياسى وذلك بإرساء دعائم دولة مدنية حديثة، لا يكون الدين فيها أساس للتمييز بين الأفراد.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق