روسيا والسعودية وإيران.. محور التناقضات

السبت، 01 يونيو 2019 02:56 م
روسيا والسعودية وإيران.. محور التناقضات
د. مغازي البدراوي

 
تشكل إيران محور رئيسي في العلاقات بين موسكو والرياض، ومن المؤكد أنها تشغل حيزاً كبيراً في المباحثات واللقاءات الرسمية بين البلدين على جميع المستويات، وتذهب آراء إلى أنه بغض النظر عن الأهداف الاقتصادية وغيرها بين روسيا والسعودية، فإن لدى الطرفين أهدافاً أخرى مختلفة ومتباينة تماماً، وتدور هذه الأهداف حول إيران، ففي الوقت الذي تسعى فيه السعودية للضغط على روسيا وعقد صفقات معها تجعلها تتوقف عن دعم ومساعدة إيران، فإن موسكو من جانبها تسعى لتحسين العلاقات بين الرياض وطهران وإنهاء الخلافات بينهما وتصفية الأجواء.
 
 
إذا تحدثنا عن مصالح السعودية، فهي تسعى في المقام الأول لتحجيم العلاقات بين روسيا وإيران إلى أقل مما هي عليه حاليا، وذلك لأن إيران – هي العدو الاستراتيجي للسعودية في منطقة الشرق الأوسط، بيد أن الرياض في نهجها مع موسكو، اختارت تكتيكا واقعيا، حيث تسعى لتوسيع التعاون الاقتصادي مع روسيا، وتحويل هذا التعاون إلى قاعدة متينة تترك أثرها في التقليل من التناقضات السياسية، وتخفيف حدتها والسعي للتقارب والتفاهم، وإحالة نقاط الاختلاف بين البلدين إلى المشهد الخلفى.
 
وقد جربت السعودية استراتيجية مماثلة إلى حد ما مع الصين، وعلى الرغم من الخلافات في وجهات النظر السياسية بين البلدين، فإن هذا لم يحل دون التعاون الاقتصادي الذي بلغ درجات عالية بين البلدين، ويكفي الإشارة إلى مشاركة المملكة السعودية في المشروع الصيني "طريق واحد، حزام واحد" للاستنتاج بأن هناك فرصة واقعية للتخفيف من حدة التناقضات السياسية.
 
وفي الوقت الراهن، يتحدث السعوديون عن إمكانات عديدة لتطوير العلاقات مع روسيا، بما في ذلك الاستثمار المالي في قطاعات مختلفة من الاقتصاد الروسي، في مجالات النفط وبناء الطرق، وحتى شراء الأسلحة العسكرية الروسية وغير ذلك، والسؤال المحوري هنا هو، مقابل ماذا كل هذه العروض المغرية لروسيا؟.. ربما تكون لدفع عجلة العلاقات بين البلدين وإعطائها زخما حقيقيا، فقد تم توقيع مذكرة تفاهم في مجال بناء محطات الطاقة النووية، ويجري التفاوض على التعاون المشترك في مجال بناء خطوط سكك الحديد، وكذلك إطلاق الأقمار الصناعية السعودية بواسطة الصواريخ الروسية. 
 
كل هذا يتم بشكل رئيس بهدف توطيد العلاقات بين البلدين من جانب، وأيضاً للتخفيف من التناقضات والخلافات بين البلدين، سواء في سوريا أو اليمن أو في الأزمة القطرية، وقبل كل شيء من أجل أن تكون روسيا قادرة على انتهاج سلوك إقليمي لا تترك فيه علاقتها مع طهران آثارا سلبية على علاقتها مع الرياض.
 
هناك مؤشرات تؤكد أن للسعودية طموحات أخرى لدى روسيا بخلاف التعاون الاقتصادي وتحسين العلاقات الثنائية وتطويرها، فمثلا تدور مفاوضات بين الجانبين منذ فترة طويلة حول توريد الأسلحة الروسية إلى السعودية، ومن المعروف أن الجيش السعودي يوجد لديه ما يكفي من الأسلحة الأمريكية والبريطانية والفرنسية، وليس من داع لإعادة تسليحه، خاصة من روسيا، وشاءت روسيا أم لم تشأ، فإن علاقة السعودية مع الولايات المتحدة تبقى حجر الزاوية في السياسة السعودية–الخارجية. إذن، لماذا يطلب السعوديون الأسلحة الروسية؟، السعوديون يقولون إن "أهم شيء هو ألا تورد روسيا الأسلحة إلى إيران، ونحن سوف نشتري كل ما تورده إلى هناك، وسوف نستخدمه"، كما يقولون!.
 
روسيا من جانبها تحتاج العلاقات مع السعودية التي تمثل القوة الرائدة في العالمين العربي والإسلامي، ومن المستحيل تطوير العلاقات مع هذين العالمين دون بناء علاقات سليمة مع السعودية، ويدرك الرئيس فلاديمير بوتين هذه المسألة جيدا ، لذا، بذل مساعي نشيطة من أجل أن تنضم روسيا إلى منظمة التعاون الإسلامي " انضمت روسيا في عام 2005 إلى هذه المنظمة بصفة عضو مراقب، وكان اسمها منظمة المؤتمر الإسلامي"، كما يشجع بوتين على الاتصالات بين قادة الكيانات الروسية الإسلامية والمملكة السعودية، حيث تستطيع الرياض توظيف الاستثمارات في هذه المناطق.
 
لكن برغم أهداف الرياض، فإن الرأي الراجح في هذه القضية هو أن روسيا تطمح لتحسين العلاقات بين السعودية وإيران، كما تطمح للتقارب بين البلدين بالشكل الذي يمكن معه تكوين محور ثلاثي في المنطقة يضم  روسيا والسعودية وإيران، ورغم أن البعض يتصور هذا أمراً مستحيلا، نظرا للمنافسة الشديدة بين السعودية وإيران، إلا أن روسيا بوتين تؤمن بأنه لا مستحيل في السياسة، وقد استطاعت موسكو التقريب بين الصين والهند رغم العداء التاريخي بينهما، لكن هل تسمح واشنطن بالتقارب السعودي الإيراني.
 
بالطبع توجد تناقضات سياسية بين المملكة العربية السعودية وروسيا، وقد جرت محاولات من قبل روسيا للتدخل في الشأن اليمني الداخلي، كما نادى البعضٌ في روسيا بضرورة الوقوف إلى جانب قطر في أزمة الخليج الحالية، بحجة أن العلاقات الاقتصادية مع قطر أقوى من باقي البلدان العربية مجتمعة، ولكن هذا لم يحصل وبقي موقف روسيا محايدا.
 
وتبقى الأيام أمامنا لتثبت لنا مدى نجاح مساعي كلا الطرفين، السعودية التي تسعى للتفريق بين روسيا وإيران، أم روسيا التي تسعى للتقريب بين السعودية وإيران؟.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق