محمود طه.. فدائي أسر جنود إسرائيلين في حرب الاستنزاف وأحد أبطال معركة الأربعين

الإثنين، 24 يونيو 2019 12:00 م
محمود طه.. فدائي أسر جنود إسرائيلين في حرب الاستنزاف وأحد أبطال معركة الأربعين
محمد أبو ليلة

توفي الفدائي محمود طه، عضو منظمة سيناء العربية، السبت الماضي، وهو واحد من أبطال المقاومة الشعبية بالسويس، بأحد المستشفيات، عن عمر يناهز 74 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض.

محمود طه شارك مع الفدائيين في مدينة السويس بعد ساعات من نكسة يونيو عام 1967 في تدريبات قاسية استعداداً لشن هجوم علي العدو الإسرائيلي فيما عُرف بعد ذلك بمعارك الاستنزاف.

ونُشرت قصة البطل الفدائي محمود عواد في كتابي كل رجال السويس الذي يسرد دور الفدائيين، ففي مكتب المؤرخ السويسي «حسين العشي» رئيس تحرير جريدة «الوعي السويسية»، وفي تلك المنطقة القريبة من مبنى مباحث أمن الدولة بالسويس، كان لقاء استمر لساعتين، وبيني وبين أحد أبطال المقاومة الشعبية في السويس بعد نكسة يونيو، وأحد أفراد منظمة «سيناء العربية»، حينما علم البطل الفدائي «محمود طه»، أنني في انتظاره لإجراء حوار صحفي حول بطولاته وذكرياته، لم يستهلك وقت طويل في الحضور إلينا حيث كان في منطقة قريبة منا.

2019_6_22_17_44_44_502
 

كان اللقاء قبل أيام من مرور الذكرى الواحدة والأربعون على حرب أكتوبر 1973، وكانت الحكايات والذكريات التي تلاها «طه» كثيرة وشيقة، منذ أن بدأ العمل مع الفدائيين وقت العدوان  الثلاثي، وبعدها في نكسة يونيو، وحرب الاستنزاف، وحكاياته عن عملية وضح النهار، التي شارك فيها وانتهت برفع العلم المصري على أرض سيناء لأول مرة قبل عبور قناة السويس في أكتوبر عام 1973.

فدائي مثل خاله
بدأ الفدائي «محمود طه» يسرد ذكرياته والتحاقه بالمقاومة الشعبية منذ صغره، حيث كان شقيق والدته الأصغر يعمل في «هيئة السكة الحديدية» عام 1951، وحينما طلب منه الفدائيون أن يتعاون معهم، لتدمير وحرق قطارات الاحتلال الإنجليزي، وافق بسهولة، وساعدهم، على إحراق المنطقة التي كان يعمل بها، والتي كانت مليئة بقوات الاحتلال الإنجليزي، وكان شقيق والدته الأخر جندي في الحرس الوطني وقت العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وقتها كان  الشاب الصغير «محمود طه» الذي لم يتجاوز الـ 16 عامًا، يذهب من حين لآخر إلى «خاله» ليعطيه بعض الطعام و لزملائه، وانتهز «طه» فرصة الذهاب إلى خاله كل فترة حتى يتعلم كيفية استخدام البندقية، وإطلاق الرصاص.

ومرت الأيام وجاءت نكسة 5 يونيو، كان «طه» وعائلته يسكنون في منطقة « كفر أحمد عبده»، في إحدى ضواحي السويس، وكان أحد أقارب «طه» «ابن خالته» جندي في الجيش المصري، وجدوه عائدًا إليهم يوم 8 يونيو من سيناء، وحالته النفسية يرثى لها، فقد رأى أحد زملاءه من الجنود المصريين وهو يحترق أمامه من غارات العدو الإسرائيلي على سيناء في ذلك الوقت، ولم يستطع أن يقدم له أي شيء، تلك الواقعة أثرت عليه نفسيًا وعصبيًا جعلته مغيب عن الوعي لفترات طويلة.


تأثر بابن خالته
إلا أن «محمود طه» حينما رأى ابن خالته الجندي العائد مهزوم من سيناء بهذه الحالة الهستيرية ، أخذ سلاحه،  بعد أن سيطرت عليه فكرة الثأر لقريبه ولكل شهداءنا من الجنود المصريين، وذهب مع الأهالي ينظمون لجان شعبية لحماية منازلهم خوفًا من وصول العدو الإسرائيلي إلى السويس، «طه» كان يمّني نفسه وقتها أن يلتحق بالجيش المصري حتى يثأر لابن خالته ويطرد العدو الإسرائيلي من سيناء، غير أنه  كان الابن الوحيد ووالده متوفى، فلم يجد سبيل للثأر من جيش الدفاع الإسرائيلي سوى المقاومة مع الفدائيين.

((وقتها كل شباب البلد كانوا بينزلوا في اللجان الشعبية بالليل، أنا معايا بندقية غيري معاه أي سلاح، لغاية ما جاء السلاح وأتوزع على المدارس وقيادات من الجيش جاءت وقالت لنا : «اللي عايز سلاح يجيب بطاقته» وبدءوا يوزعوا علينا السلاح ويعملوا مقاومة شعبية، وكانت البداية بتدريبنا، كنا نجتمع أحيانا في نادي السويس الرياضي، لنتعلم كيفية ضرب النار،  بجانب التدريبات البدنية.

 

12783549_1325307744153482_7737084397484854343_o

 

بداية تدريبه
يتذكر «طه» أثناء لقاءنا عدد من القيادات التي قامت بتدريبه في بداية انضمامه للمقاومة الشعبية ويقول: «كان فيه واحد اسمه إبراهيم وهدان، الراجل ده طلع واخد تربية رياضية، كان بيدربنا على رياضة الجري، وأناس آخرون كانوا مكلفين بتدريبنا على السلاح ،بعد ما انتهينا من التدريب قاموا بتوزيعنا على المدارس والهيئات الحكومية في السويس من أجل تأمينها.

 

وأثناء وجود «محمود طه» في نادي السويس الرياضي، تعرف على أحد أعظم الفدائيين وقتها، الفدائي «مصطفى أبو هاشم» - والذي استشهد في عام 1970، في إحدى عمليات الفدائيين بسيناء الذي كان مدرب كمال أجسام في نادي السويس الرياضي وقتها. وحينما شاهد «طه» في نادي السويس طلب منه أن يتدرب معه كمال أجسام.

ظل «محمود طه» يتدرب كمال أجسام في الصباح وفي الليل يحرس الهيئات الحكومية القريبة من منزله في «كفر أحمد عبده»، إلى أن تقابل صدفة في يوم آخر مع مدربه «مصطفى أبو هاشم»، والذي طلب منه الانضمام إلى مجموعة الفدائيين في السويس.

«الشهيد «مصطفى» طلب مني أقابله في قهوة تسمى «طلال» في السويس، ذهبت إليه وقتها ووجدته يجلس مع البطل الشهيد «سعيد البشتلي» وقتها كان بطل عالم في الملاكمة، واكتشفت بعدها أنه عضو معانا في مجموعة الفدائيين».


انضمامهم للمخابرات
بعدما تقابل «محمود طه» مع «مصطفى أبو هاشم» و«سعيد البشتلي»، طلب البطل «مصطفى أبو هاشم» من «محمود طه»، أن يأتي معه لمكتب المخابرات الحربية في السويس، وقال له «أنا هاخدك معايا دلوقتي لمكتب المخابرات الحربية كي تنضم معنا للفدائيين، وهناك هيسألوك مجموعة أسئلة، بس ما تخافش».

لم يتردد طه وبنبرة حماس رد على مدربه «موافق يا كابتن»، وذهب سويًا لمكتب المخابرات الحربية بالسويس.

قابل «طه»هناك أحد ضباط المخابرات، يقول «طه» في شهادته على التاريخ، أن الضابط سأله مجموعة من الأسئلة العامة والسياسية وتم وضعه تحت الاختبار لفترة قصيرة، ثم جاء إليه مدربه «مصطفى أبو هاشم» وأخبره بنبأ موافقة المخابرات على انضمامه لمجموعة الفدائيين.

641
محمود طه أثناء تلقيه العلاج

 

بعد قبول طه في مجموعة فدائيي السويس التابعة للمخابرات الحربية، كانوا يذهبون إلى منطقة «بير عبيد» القريبة من «العين السخنة» للتدريب، وأصبح «طه» ضمن أفراد مجموعة الفدائيين التي ذاع صيتها في ذلك الوقت والتي كان الانضمام إليها حلم يراود شباب الفدائيين وقتها، وتكونت تلك المجموعة من «إبراهيم سليمان» «مصطفى أبو هاشم»، «محمود عواد»، «سعيد البشتلي»، «أشرف عبد الدايم» ، «حلمي شحاتة»، «عبد المنعم قناوي»، «محمود طه»، «محمد سرحان»، «أحمد عطيفي»، «فايز حافظ أمين»، «أشرف عبد الدايم»، «أحمد أبو هاشم» وغيرهم من أبطال الفدائيين.

قهوة نيو سوريا
لكن حينما كان يجلس «محمود طه» مع زملاءه الفدائيين في قهوة «نيو سوريا» التي اعتادوا الجلوس عليها دومًا، في بداية انضمامهم للمقاومة الشعبية، كان يعترض على وجوده معهم البطل «إبراهيم سليمان»، إذ أعتقد أن «طه» غير جدير بتحمل المسئولية، وأنه من السهل أن يعترف على زملاءه أمام العدو الإسرائيلي، فكان دائما يقول لمصطفى أبو هاشم «محمود ده أنا مش حاطه في دماغي، ومش عامل حسابه معانا في أي عملية»، إلا أن «مصطفى أبو هاشم» كان يرد بابتسامة خفيفة، تعني أنه يثق في «طه» ثقة بلا حدود.

بعدما انتهى «طه» مع زملاءه الفدائيين من التدريبات في منطقة «بير عبيد»، كان يذهب كل يوم في خدمة ليلية بقناة السويس، «كنا نشاغب العدو الإسرائيلي دائما، حينها كان معانا أبطال كمال أجسام، وكنا نضع على اللنش رشاش خفيف وحينما نرى من بعيد لنش إسرائيلي يقترب علينا كي يراقبنا نقوم فورًا بإطلاق النار عليه ومن فيه من جنود إسرائيليين، كما رافقنا وقتها مجموعة من الصيادين كانت وظيفتهم نقل مجموعات من قوات الصاعقة التي تذهب لعمليات عسكرية في سيناء » هكذا يحكي لي الفدائي «محمود طه» شهادته.

«طه» يؤكد أنه ظل وزملاءه الفدائيون يقومون بعمل دوريات استطلاع في القناة حتى أكتمل عددهم وقام اللواء «فؤاد نصار» مدير المخابرات الحربية وقتها بإنشاء منظمة «سيناء العربية»، وتم اعتماد المنظمة من كل الدول العربية، وبدأ يطلب منهم تشكيل مجموعات من بدو سيناء ومن فدائيي السويس، جزء  منهم يستطلع من عمق سيناء والجزء الآخر يقوموا بضرباته الفدائية الموجعة للعدو الإسرائيلي.


ناموس يقرص إسرائيل

«إحنا كفدائيين كنا عاملين زي الناموس اللي بيقرص في الإسرائيليين، إحنا ضربناهم ضربات موجعة، في مرحلة إعادة بناء الجيش المصري اشتغلنا من 67 حتى نصر أكتوبر، كل يوم خسائر في إسرائيل ضربنا مواقع وكمائن ودوريات لقوات العدو وأسرنا جنود)).

يتذكر «طه» عملية «وضح النهار» في صباح 4 نوفمبر من عام 1969، قال دومًا أن العملية تم التخطيط لها بشكل جيد من قبل المخابرات الحربية، وأن قيادته في المخابرات الحربية لم تكن تنام أو تهدأ إلا بعد أن تطمئن على أفرادها، وكانت تلك العملية مكسب كبير للجيش المصري ورفع لروحه المعنوية.


عملية وضح النهار

حينما حكى «طه» عن عملية «وضح النهار» تذكر دور بدو سيناء زملاءه في منظمة سيناء العربية، والذين ظل يشكرهم على ما قدموه من مساعدات لكل الفدائيين والجيش المصري، يتذكر طه أنه في أحدى عملياته مع الفدائيين في عمق سيناء تم اكتشافهم من العدو، وقام أحد البدو  بإخفائهم من عين العدو، مدللًا على أن  بدو سيناء، وتحديدًا أهالي العريش، كانوا يمتازون برؤية خارقة من مسافات طويلة، حيث كانوا يقومون بعمليات استطلاعات خلف خطوط العدو، ويبلغوا بها القيادة المصرية فورًا، سواء من نوع السلاح والذخيرة والإمدادات التي كان يتمتع بها العدو يوميًا .

كان «محمود طه» ضمن مجموعة من الفدائيين الذين قاموا بإنقاذ لنشات وزوارق بحرية للأسطول المصري في منطقة البحر الأحمر، حينما قام الطيران الإسرائيلي بإغارة على تلك المنطقة في أواخر عام 1969، فقد رأى «طه» وزملاءه طائرة من طائرات العدو الإسرائيلي متجهة إلى تلك المنطقة، حدث ذلك أثناء قيام «طه» بدورية استطلاع في قناة السويس، وأبلغ قيادته فورًا بتحرك طائرا ت العدو، وتم إنقاذ اللنشات والزوارق البحرية المصرية.

وحينما قامت حرب السويس يوم 24 أكتوبر كان «طه» مع زملاءه الفدائيين ينصبون الكمائن للعدو الإسرائيلي فور دخوله السويس،  وطلب «طه» من العميد «يوسف عفيفي» قائد الفرقة 19 مشاة - التي كانت متواجدة غرب القناة - قوات ودبابات لتتواجد من ناحية «كفر أحمد عبده» لسد ثغرة على العدو الإسرائيلي حتى يدخل السويس من أمام الكمائن التي نصبها لهم الفدائيون.

في يوم 24 أكتوبر وبعد دخول أول فوج من القوات الإسرائيلية السويس من شارع «الجيش» وبدأت المعركة بينهم وبين الفدائيين، كان هناك نقص في سلاح الآر بي جي لدى الفدائيين، فيما كان السلاح متواجدًا بمستشفى السويس العام، طلب «إبراهيم سليمان» من «محمود طه»، الذهاب إلى هناك ليحضر الأسلحة المتواجدة، وفي تلك المنطقة كانت قوة إسرائيلية دخلت بالقرب من المستشفى وأخذت تطلق النار على «طه»، لكنه لم يستسلم وذهب وأحضر سلاح الآر بي جي، وأثناء ذهابه لأحد الكمائن التي نصبها الفدائيين للقوات الإسرائيلية، وجد عدد من الأهالي ألقوا القبض على ستة أفراد اشتبهوا في كونهم إسرائيليين، وحينا ذهب إليهم «طه» ، وتحدث معهم وعرف منهم كلمة السر، اتضح أنهم فلسطينيون من منظمة التحرير الفلسطينية كانوا في السويس يقاومون الجيش الإسرائيلي،إلا أن  الأهالي اشتبهت في كونهم إسرائيليين بسبب لهجتهم، وبعدها اتخذ «طه» مكانه في كمائن الفدائيين.

«بعد معركة 24 أكتوبر، إحنا خدنا سلاح كتير من اليهود، رشاشات كثيرة، وبالذات سلاح الآر بي جي، كان نوع اسمه «لوز»، كانت طلقاتها شديدة لو ضربت الدبابة تسيحها، ما ضربوش بيها ولا طلقة، إحنا أخدنا السلاح ده ضربنا بيه دباباتهم، لم نترك شبر فيكي يا سويس إلا وضربنا اليهود فيها، اليهود خسروا أكثر من 150 جندي و500 جندي جريح، ضربناهم بالآر بي جي، كنا دايمًا بنشاغب اليهود حتى بعد وقف إطلاق النار» هكذا يتذكر الفدائي محمود طه..

 

_15392299254288018_L
عدد من قيادات حزب مستقبل وطن يزورون محمود طه قبل وفاته


تهميش الفدائيين
ويستكمل «طه» أنه بعد حرب أكتوبر وحصار السويس صدر أمر للفدائيين  بعدم التعامل مع أحد، لكن هناك أناس كثيرون استغلوا صمتهم لفترة طويلة، وأخذوا يسرقون إنجازاتهم وبطولاتهم الفدائية، وظلوا على ذلك طوال فترة حكم، مبارك، مؤكدًا أنه زار أكثر من خمسين مدرسة طوال الأربعين عامًا الماضية، و كان يصرف على ذلك من جيبه الخاص، حتى ينشر الوعي والوطنية لدى الشباب المصري في تلك المدارس.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق