لماذا جاءت العائلة المقدسة إلي مصر؟

الأربعاء، 26 يونيو 2019 08:32 م
لماذا جاءت العائلة المقدسة إلي مصر؟
جمال رشدي

 
ربما إن ذلك الوفد المكون من عدة أفراد والقادم من اوراشليم بقيادة الطفل يسوع المسيح ومعه أمه ويوسف النجار إلي مصر هو أهم الوفود التي جاءت وستأتي عبر تاريخها، والسبب يكمن في قيمة الطفل الذي اصبح أهم شخصية عبر التاريخ البشري منذ بداية الخليقة إلي نهايتها.
 
كانت رسالة المسيح هي الخلاص من عتق الإنسان الأول الذي شوهته الخطية والمعصية، والمجيء بخليقة جديدة عبر التحرر من تراكمات الماضي التي جعلت البشرية تئن وتتوجع تحت نير الخطية، ولما لعظمة دورة السماوي ورسالته الفريدة كان لابد إن تتوافر فيه سمات وصفات نوعية، في تنشئته ليكون تكوينه الثقافي والأخلاقي والنفسي والروحي والصحي ملائم لرسالته.
 
كانت اليهودية تعيش حالة عراك روحي وسياسي وثقافي، بعد أن ذهبت بها الحياة الروحية بعيداً عن شريعة سيدنا موسي، وأصبح الحرف القاتل يحكم مؤسساتهم الروحية، ومع هذا اصبح مجمع السنهدريم بقيادة رئيس الكهنة هو الحاكم الفعلي لأمور اليهودية، وبين تجاذب الفريسيين والصديقين وحرفية الكتبة انتشر الفساد، وعمت الفوضى وأصبح هذا المجمع الحاكم نير ثقيل علي الشخصية اليهودية، وعندها اختلطت الحياة الروحية بالثقافة السياسية وانحدر المجتمع اليهودي، وسيطرت عليه طبقة فاسدة باسم الدين، ومن هنا أصبحت البيئة اليهودية بكل مكوناتها غير ملائمة للتكوين الشخصي للطفل يسوع ورسالته.
 
وعلي الجانب الأخر في مصر كانت أسطورة الثالوث المقدس من أقدم الأساطير الفرعونية القديمة التي نشأت مع عقيدة الخلق والتكوين عند قدماء المصريين، هي قصة صراع البشرية بين الخير والشر، طرفا النزاع فيها هما "ست" الذي كان رمزاً لأخطاء البشرية وشرورها، فعبروا به عن الشر والخيانة والحقد والحسد، و"أوزوريس" الذي كان رمزاً للحياة المتجددة، وتروي أساطيرهم المتعددة عنه أنه كان رمزاً للنيل العائد بالفيضان والخضرة والخير والثمرات، وتروي بعضها أنه كان ملكاً صالحاً أرسله الإله الأكبر (رع) لإقامة العدل وشرع القوانين وحمل تعاليم السماء إلى الأرض.
 
ومع هذا هناك قوانين الماعت الـ 42 كتبت على لسان أرواح الموتى الذين انتقلوا إلى العالم الآخر، وهم يقفون في قاعة الماعت (العدل) يوم الحساب، أي أن تلك القوانين لم تفرض على الإنسان من الخارج، زإنما هي نابعة من داخله .
 
لا يحتاج الإنسان إلى قواعد أخلاقيه تفرض عليه من الخارج لأن بداخله الضمير، جوهر الفضيلة  وما عليه سوى تفعيل الضمير وهذا ما فعله قدماء المصريين أمة فجر الضمير .
 
المبادئ الـ 42 للنظام تمت كتابتها قبل كتابة الملك حامورابى لقوانينه الحاكمة على الرغم من معرفه الحكمة عنه.
 
المبادئ الـ 42 لماعت هي " أنا لم أرتكب خطيئة، أنا لم أسلب الآخرين ممتلكاتهم بالإكراه، أنا لم أسرق، أنا لم أقتل، أنا لم أسرق الطعام،  أنا لم اختلس القرابين،  أنا لم أسرق ممتلكات المعبد،  أنا لم أكذب ، أنا لم أخطف الطعام ، أنا لم ألعن أشت، أنا لم أغلق أذناي عن سماع كلمات الحق،  أنا لم أزنى،  أنا لم أتسبب في بكاء الآخرين وإيذاء مشاعر الآخرين، أنا لم أنتحب (أحزن) بدون سبب،  أنا لم أعتدي على أحد، أنا لم أغش (أخدع) أحد، أنا لم أغتصب أرض أحد،  أنا لم أتنصت (أتجسس) على أحد، أنا لم ألفق تهمة لأحد، أنا لم أغضب بدون سبب ، أنا لم أغوى زوجة أحد،  أنا لم أدنس (ألوث) جسدي، أنا لم أقم بإرهاب أحد،  أنا لم أخالف القانون، أنا لم أتمادى في الغضب، أنا لم ألعن (أشتم) ، أنا لم أستخدم العنف ضد أحد، أنا لم أهدد السلام، أنا لم أتصرف بغوغائية (بدون تفكير ( أنا لم أتدخل فيما لا يعنيني، أنا لم أتحدث بالمبالغة النميمة،  أنا لم أفعل الشر، أنا لم يصدر منى أفكار( كلمات )أفعال شريرة، أنا لم ألوث ماء النيل، أنا لم أتحدث بغضب أو استعلاء، أنا لم ألعن أحد بكلمة أو فعل، أنا لم أضع نفسي موضع شبهات، أنا لم أسرق ما يخص الغير،أنا لم أنبش القبور و لم أسئ الى الموتى، أنا لم أخطف لقمة من فم طفل، أنا لم أتصرف بكبر و غطرسة أنا لم أخرب المباني الدينية (المعابد).".
 
تلك كانت قوانين حياة الفضيلة التي تحكم المصريين منذ فجر التاريخ، والمتمعن جيداً في تلك القوانين يجدها متماشية مع تعاليم المسيح الإنسانية التي تسمو بالإنسان إلي أفاق الروح بعيداً عن جاذبية شهوات ورغبات الجسد.
 
هنا الغذاء الثقافي والفكري والنفسي والاخلاقي الذي كانت تحتاجه شخصية الطفل يسوع في بداية تكوينه مع التكوين الصحي والجسدي الذي كان يحتاجه ليكون قادراً علي تحمل مجهود الرسالة، عبر جولانه المستمر ليصنع خيراً مع الجميع ويوصل رسالة خلاصة إلي أقصي مدي في محيطة الجغرافي، فكانت أرض مصر تعج بالخيرات المجانية التي ذكرها بني إسرائيل عند خروجهم من مصر في صحراء سيناء، وقالوا لسيدنا موسي "كنا نأكل الكرات والجرجير والبصل والثوم وقدور اللحم مجانا في مصر"، وبجانب ذلك هناك القوة العسكرية والمركبات الفرعونية التي تستطيع إن تردع ملك اليهود هيرودس عند تفكيره في ملاحقة الطفل يسوع في أرض مصر.
 
نعم هنا إجابة السؤال الذي يسأل لماذا جاءت العائلة المقدسة إلي مصر ولم تذهب إلي مكان اخر، ومع ذلك هناك تنبأت العهد القديم في الكتاب المقدس، التي تقول من مصر دعوت أبني، وأخيرا أقول كما قال الكتاب المقدس "مبارك شعبي مصر".
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق