صوت أفريقيا أمام «السبع الكبار».. السيسي يحدد لغة جديدة في التعامل مع القارة السمراء
الأحد، 25 أغسطس 2019 06:00 م
الرئيس السيسى خلال اجتماعه مع عدد من الرؤساء الأفارقة فى فرنسا
صوت الأمة
اختار الرئيس عبد الفتاح السيسى أن يتحدث أمام قمة السبع الكبار المنعقدة حالياً بمدينة "بياريتز" الفرنسية، بلغة جديدة كانت غائبة عن قاموس العلاقات بين القارة الأفريقية والدول الكبرى، ففى الماضى كان ينتظر قادة الدول الكبرى أن تأتى أفريقيا إليهم طالبة منح ومزايا اقتصادية ومساهمة فى تطوير بنيتها التحتية، لكن الرئيس السيسى الذى تحدث اليوم رئيساً للاتحاد الأفريقى خلال جلسة الشراكة مع أفريقيا ضمن فعاليات قمة السبع، كانت لغته مغايرة، خاصة حينما أكد أنه ينقل للقمة " طموحات شعوب قارتنا، في تحقيق السلام والتنمية المستدامة، وتطلعاتها لإرساء شراكة عادلة ومتواصلة بيننا، ترتكز على مبدأ المصلحة المشتركة، وتبنى على الجهود السابقة في ذلك الشأن".

هذه هى الآلية الجديدة التى يتحدث بها الأفارقة تحت الرئاسة المصرية مع قادة العالم، فالعلاقة يجب أن تكون قائمة على الندية والمشاركة، وليس التبعية، وهو ما فعله الرئيس السيسى الذى نقل التجربة المصرية إلى القارة السمراء خاصة فى التعامل بندية مع كل دول العالم، فالدولة المصرية بعد 30 يونيو لم تسير وفق سياسة المحاور والأحلاف، ورفضت أن تكون تابعة لدولة مهما كانت قوتها ونفوذها، بل أنها تتعامل بمنطق الندية وتشارك المصالح، وهو ما يظهر من كلمة الرئيس اليوم، الذى عرض خلالها التحديات التى تواجه القارة السمراء، لكن قبلها حدد الأطر العام الذى تبتغيه القارة فى تعاملها مع الكبار.
الرئيس بدأ بقوله " إننا نعلم جميعاً جسامة التحديات التى تواجه الدول النامية، ومن ضمنها الدول الأفريقية، في إطار سعيها للارتقاء بمستوى معيشة شعوبها، وتحقيق التنمية المستدامة، وكذلك المعوقات أمام تحقيق تلك الأهداف، والتي تتمثل في الأزمات الدولية والإقليمية القائمة، وتسارع أحداثها وتشابكها، فلا بديل عن تحاورنا المتواصل حولها، وإشراكنا بشكل أكثر في معالجتها، بما يتمشى مع المصالح المشتركة والمتبادلة، وكذا مع قواعد الديمقراطية التي يجب أن تسود وتترسخ في العلاقات الدولية".

الحوار المتوصل آلية جديدة للتعامل بين أفريقيا والدول الكبرى
الحوار المتواصل والمشاركة فى إيجاد الحلول لهذه المشاكل ومواجهة التحديات، هو الطريق الذى تراه الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقى هو الحل الأمثل للتعامل، خاصة أننا نعيش فى عالم تسوده لغة واحدة وهى لغة المصالح المشتركة والمتبادلة، وهى اللغة التى عمل الرئيس السيسى على ترسيخها حتى قبل أن يتولى رئاسة الاتحاد الافريقى هذا العام، وظهرت بقوة خلال حديثه باسم القارة فى قضية تغير المناخ، وكذلك فى التعامل مع الملفات السياسية والأمنية التى تؤرق الدول الأفريقية، فخلال مشاركة الرئيس فى العديد من المنتديات والاجتماعات الدولية كان الرئيس واضحاً فى طرح المشاركة والحوار كآلية للحل، لأن الحلول الفوقية لم ولن تأتى بنتيجة، طالما أن الأفارقة غير مشاركين فى إيجاد الحلول، لأنهم أدرى من غيرهم بمشاكل دولهم.
.jpg)
من هذا المنطلق أكد الرئيس السيسى فى كلمته أننا "لسنا في حاجة لاستعراض التحديات التي تواجه قارتنا الإفريقية تفصيلاً، وإنما نحتاج للعمل سوياً لإيجاد حلول لها، وفق أولويات دول القارة، واستناداً للعلاقة العضوية، بين تحقيق التنمية بكافة أبعادها من جهة، والحفاظ على الأمن والاستقرار من جهة أخرى".ولعل من المهم الإشارة إلى قول الرئيس أنه " مثلما توافقت القارة على وضع إطار عام يحقق تنميتها، أؤكد مجدداً على مبدأ الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية، وحيوية تعزيز بنية السلم والأمن القارية، مستثمراً هذه المناسبة للإشارة إلى الأهمية الكبيرة لمنطقة الساحل والصحراء، والثروات والفرص المتاحة لديها، وكذلك التحديات التي تواجهها، ومن ثم فإنني أدعو المجتمع الدولي، لدعم جميع الجهود التي تقوم بها دول الساحل والصحراء، سواء على المستوي الوطني أو من خلال الاتحاد الأفريقي، عبر مقاربة شاملة تتعامل مع مختلف التحديات السياسية والأمنية والتنموية للمنطقة، وتعالج مسبباتها بشكل جذري".
.jpg)
الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية
الرئيس تحدث أيضاً عن أهم الأزمات التى تواجه دول القارة، طارحاً الرؤية المصرية الأفريقية للحل، فتحدث عن الوضع في ليبيا الذى بلغ مرحلة من الجسامة والخطورة تستوجب التطرق إليه بشكل خاص، وقال "إن تفاقم الأوضاع في ليبيا وأثر ذلك على أمن واستقرار مواطنيها، بل وعلى دول الجوار، جراء التهديد الذي تشكله المنظمات الإرهابية، والسيولة الأمنية المتمثلة في انتشار الميليشيات المسلحة، يقتضي تضافر الجهود الدولية لوضع حد لهذه الأزمة وهذا التهديد، وبما يضمن سلامة الشعب الليبي الشقيق، ويحفظ له مقدراته وموارده".

الإرادة السياسية وإخلاص النوايا طريق الخروج من الأزمة فى ليبيا
ومع عرضه للأزمة الليبية عرض الرئيس السيسى الحلول، بقوله "إن الطريق للخروج من الأزمة في ليبيا معروف، ولا يحتاج سوى للإرادة السياسية وإخلاص النوايا، للبدء في عملية تسوية سياسية شاملة، تعالج كافة جوانب الأزمة ، وفي القلب منها قضية استعادة الاستقرار ، والقضاء على الإرهاب وفوضى الميليشيات، وإنهاء التدخلات الخارجية في ليبيا، وضمان عدالة توزيع موارد الدولة والشفافية في إنفاقها، واستكمال توحيد المؤسسات الليبية على النحو الوارد في الاتفاق السياسي الليبي".
الوضع فى ليبيا كان أحد الأمثلة التى وضعها الرئيس أمام قادة الدول السبع الكبار للتأكيد لهم على أن الأفارقة لديهم الحلول، لكنهم بحاجة لشئ واحد، أن يكون المجتمع الدولى شريكاً فى الحل وليس عائقاً أمام الحل، طارحاً كذلك قضية أخرى تحتاج إلى تكاتف الجهود الدولية لمواجهتها، وهى قضية الإرهاب التى لها تأثيرات مباشرة ومدمرة خاصة على جهود التنمية، مؤكداً فى الوقت نفسه أن مواجهة الإرهاب يحتاج إلى "مساءلة حقيقية لداعميه ومموليه ، جنبا إلى جنب مع الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها ، وكل ذلك من شأنه أن يسهم فى تحقيق الأمن والاستقرار ، وينأى بالشباب عن التطرف والهجرة غير الشرعية ، ليتسنى التركيز على وضع آليات فعالة ، للقضاء على الفقر وخفض البطالة ، ومكافحة الأمراض المتوطنة ، والتصدى لظاهرة تغير المناخ".
.jpg)
أفريقيا تمتلك سوقاً كبيراً وموارد بشرية غنية
وطرح الرئيس أمام قادة العالم ما تمتلكه القارة كم فرص واعدة وإمكانيات متنوعة، تؤهلها لتكون شريكاً موثوقاً للمجتمع الدولي، وقال " لدينا سوقاً كبيراً وموارد بشرية غنية، وغيرها من العناصر الجاذبة، لعل أهمها جهود تطوير البنية التحتية الأفريقية، من خلال تنفيذ المشروعات القارية ومشرعات الطاقة بكافة صورها، بهدف تحقيق التكامل الإقليمي والاندماج القاري، وتتلاقى معها مساعي تحرير التجارة البينية، عبر تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، وخطوات تعزيز الدور الاقتصادي للقطاع الخاص".

القراءة المتعمقة لكلمة الرئيس السيسى اليوم أمام قمة السبع الكبار تؤكد أن هناك متغير فى مسار العلاقات الأفريقية الدولية، فهناك طريق جديد أسمه "الحوار وتبادل المصالح"، هو الحاكم لهذه العلاقة، وللتدليل على فكرة الحوار وأنها ليست مجرد شعار وإنما واقع عملى، جاءت الجلسة التنسيقية التى استضافها بمقر إقامته فى القمة كل من رئيس رواندا "بول كاجامي"، ورئيس السنغال "ماكى سال"، ورئيس جنوب أفريقيا "سيريل رامافوزا"، ورئيس بوركينا فاسو "روك كابوري"، بالإضافة إلى رئيس المفوضية الأفريقية "موسى فقيه"، والتى أكد هدف من خلالها الرئيس التنسيق والتشاور قبل بدء أعمال القمة، والتوافق على الرسائل العامة التى سيتم طرحها، وبحيث تتحدث الدول الأفريقية المشاركة بصوت واحد متناغم خلال أعمالها، لإيصال رسالة قوية بشأن التحديات التى تواجه دول القارة وسبل معالجتها، والتعبير عن المواقف المشتركة للقارة الأفريقية خلال مختلف الفعاليات واللقاءات، والتى تم إثارة بعضها فى كلمة مصر الافتتاحية بالنيابة عن القارة.