تزييف الوعي.. سلاح تستخدمه أجهزة المخابرات فى تدمير الأوطان

الأحد، 22 سبتمبر 2019 09:00 ص
تزييف الوعي.. سلاح تستخدمه أجهزة المخابرات فى تدمير الأوطان
شائعات السوشيال
هشام السروجى

المستهدف من الهجمة الحالية ضرب الوعى الجمعى للشعب المصرى تجاه القوات المسلحة
 
كيف دمرت الشائعات دولا كبرى؟.. الاتحاد السوفيتى نموذجا، هذا التساؤل الأهم، والإجابة عنه أن أجهزة المخابرات تستدعى كل طاقتها وتسخر كل أدواتها فى تحقيق أهدافها الاستراتيجية، ولأن العمل السرى هو الطابع الرئيسى فى عمل تلك الأجهزة، فإنها تتقن العمل من وراء حجاب أو من خلال وكلاء يحققون لها مآربها.
 
لا يخفى على أحد حالة التوتر التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والصراع الدائر على أراضى دولها، كما لا ينكر عاقل مدى الدور الذى تلعبه مصر كدولة ذات ثقل إقليمى، جعلها على مدار التاريخ مستهدفا للدول ذات الأطماع التوسعية، وأيضا للتيارات صاحبة الأجندات الأيديولوجية، وقبل ثورة 25 يناير، كانت هناك مشاريع سياسية عالمية تستهدف المنطقة وكانت ترى فى مصر حجر عثرة، ما جعلها تستغل الزخم الشعبى فى خلق حالة تدافع تؤدى فى نهاية المطاف إلى تحقيق أهدافها.
 
ولأن أجهزة المخابرات لا تترك فرصة إلا وتستخدمها فى صالح مشروعها، فإن أهداف بعضها تقاطعت ووجدت من حالة المقاول الهارب «محمد على» فرصة سانحة وبذرة خصبة فى استخدامه كأداة هدم، وبداية إعصار يأملون أن يتحول إلى إعصار كالذى مر على وادينا منذ 9 سنوات.
 
المعلومات هى السلاح والغاية اللذان تقتات عليهما أجهزة المخابرات، وتتقن فن اللعب على أوتارها، وتعزف عليها نغمات تطرب السامعين، فنجد أن المعلومات يتم تصنيفها إلى مسميات وأنواع مختلفة، منها المعلومات الإيهامية، وهى نوعان، الكاذبة التى تسربها وتسوقها حتى تبدو حقيقية، ويتعامل معها المتلقى على أنها كنز من الحقائق، والصادقة التى يتم صياغتها ويستنتج منها محللو معلومات العدو نتائج زائفة .
 
مع التطور التكنولوجى تطورت سرعة تداول المعلومات، وتنوعت مصادرها وأصبح الوصول إليها أسهل بكثير من العقود الماضية، ومن ثم تطور أداء الأجهزة الاستخباراتية فى التعاطى معها واستخدامها بما يتناسب مع تطورها.
 
ظهور السوشيال ميديا أو منصات التواصل الاجتماعى والتى تصنف كأهم «المصادر المفتوحة» كان بمثابة نقلة نوعية فى حروب المعلومات، وبالإسقاط على الوضع الحالى الذى تشهده مصر من هجمة معلوماتية مزيفة وممنهجة، نجد أن رائحة الأجهزة الأجنبية المعادية تفوح منها.
 
المستهدف من الهجمة الحالية هو تزييف الوعى الجمعى للشعب المصرى، فى محاولة واضحة لإعادة إنتاج الأجواء التى مهدت لثورة 25 يناير، من حشد وتعبئة، والأهم تشويه مؤسسات الدولة، لكن هذه المرة التركيز الكامل على مؤسسة القوات المسلحة، بعد أن أدركت كل القوى الإقليمية أهمية الدور المتوازن الذى لعبته فى الحفاظ على ما تبقى - حينها - من الدولة المصرية، والعمل على إعادة ضخ الدماء فى شرايينها.
 
ليس من المهم أن تكون عميلا مباشرا كى تنفذ مهام تخدم دولا أخرى، لكن من الممكن استخدامك إذا كنت تمارس عملا ما يحقق أهداف هذه الدول، والحالة التى خلقها المقاول الهارب محمد على، جعلت منه «قطعة سكر» يلتف حولها الذباب، فخروجه فى المرة الأولى جعل كل من يبحث عن طريقة تمكنه من اختراق جدار الثقة بين القوات المسلحة والشعب المصرى، يراه مطرقة تستطيع تصديع الجدار، وكعادة الأجهزة الاستخباراتية، لها شبكة «مندوبون وعملاء» منتشرة فى كل الأوساط والقطاعات، يعملون على اكتشاف الأدوات الفاعلة وتطويعها وتحويلها لسلاح يخدمها، فتحول المقاول الهارب من فرد يبحث عن المال أو عن مبرر لما نهبه من أموال الشركات وأهله، إلى رصاصة فى صدر الوطن.
 
مخاطبة الوعى الشعبى تتطلب أدوات معينة، فى مقدمتها أن يكون المخاطِب يتحدث بنفس اللغة الدارجة، وأن يكون على دراية كافية بالأوضاع المجتمعية والمستوى المعيشى والحالة الاقتصادية للأفراد، ليجد خطابه تأثيرا فى المجتمع المستهدف. وقبل أن تظهر وسائل التواصل الاجتماعى، كانت الدول الكبرى تعتمد على الأفراد فى نقل الشائعات والترويج لها، لأنهم توصلوا إلى قناعة بأن الشائعات هى السلاح الفتاك الذى يمكن من خلاله تدمير الدول دون طلقة رصاص واحدة.
 
هذا ما حدث بالفعل مع دولة كبرى، وهى الاتحاد السوفيتى، التى انهارت فى 1991 دون استخدام طلقة رصاص واحدة، انهارت الدولة الكبرى فى عملية أطلقت عليها «الحرب الباردة» بدأتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد السوفيت نهاية السبعينيات، حينما عمدت إلى تفكيك الاتحاد السوفيتى من الداخل، إما بإطلاق الشائعات، أو إدخال الروس فى حرب «عصابات» فى أفغانستان، وإثارة الفتن داخل الجمهوريات السوفيتية.
 
 28عاما مرت على سقوط الاتحاد السوفيتى.. شهدت هذه السنوات تطورا مذهلا فى الحروب غير التقليدية، ووصلنا إلى أن خطة تفتيت الاتحاد السوفيتى التى استغرقت أكثر من عشر سنوات، يمكن تكرارها فى دول أخرى الآن، لكن بمدة زمنية أقل، ربما لا تزيد على عدة شهور، أخذا فى الاعتبار التطور فى وسائل التواصل الاجتماعى، التى أصبحت «أفيونة» الشعوب، وفى نفس الوقت الوسيط الهدام الذى يتم استخدامه لتدمير الدول من الداخل.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق