سباق سرعة في التسليح.. كيف تحول القطب الشمالي إلى ساحة جديدة للحرب الباردة؟

الإثنين، 28 أكتوبر 2019 02:00 م
سباق سرعة في التسليح.. كيف تحول القطب الشمالي إلى ساحة جديدة للحرب الباردة؟
كاسحة جليد نووية

لم تعد منطقة القطب الشمالى، منطقة مهجورة ولا موقعا مجهولا بعد، خاصة بعد موجهة التغير المناخى الذى أدى لانكماش نسبة كبيرة من الجليد، لذا باتت المنطقة مسرحا للمنافسة العالمية ليس على حركة المرور والموارد الطبيعية فقط، بل باتت في بؤرة المخططات والمواجهات العسكرية بين القوى الدولية، وخاصة روسيا والولايات المتحدة، وكندا ، بينما تدخل الصين على خط المواجهة من باب الحفاظ على مكاسبها الاقتصادية وتمرير تجارتها البحرية.
 
المواجهة العسكرية في القطب الشمالي سيخلق واقعا جديدا، خاصة وأن نوعية الأسلحة التي تعمل عليها بعض الدول الداخلة في هذا الصراع يعد متطورا جدا مقارنة بنظيرتها التقليدية المستخدمة حاليا ، في ظل ارتفاع درجات الحرارة التي تساهم في فتح طرق الشحن وجعل الموارد المعدنية التي يتعذر الوصول إليها بالعادة سهلة الاستغلا، وبعد تأكيد البحرية الروسية اكتشاف خمس جزر جديدة قرب نهر فيلكي الجليدي قبالة ساحل نوفايا زيملايا.
 
وكذا أسلحة الردع والرد التي تدرسها هذه الدول أيضا أقصى ما وصلت إليه التكنولوجيا العسكرية حتى الآن ، بجانب أنه تم مؤخرا المزج بين الأسلحة العسكرية باستخدام إمكانيات الأبحاث والوكالات الفضائية، كالصواريخ متعددة المهام والسرعة التي تفوق سرعة الصوت في أغلب المعدات الهجومية الجوية.
 
وهذا النوع من الحرب بدأ يتوسع في أكثر من اتجاه ، رغم أنه نشأ فعليا منذ 2007، وقت رفع روسيا علمها في إحدى مناطق الدائرة القطبية، واشتعال الجدل حول نطاق سيادة كل بلد من البلدان المطلّة على البحر، إلا أن ما شهدته الشهور الأخيرة والفترة الماضية يؤكد أن الدول الثمانى اللاتي  تطل أو لها حدود مع القطب الشمالى، وهي: «روسيا وكندا وجرينلاند والولايات المتحدة وإيسلندا والنرويج والسويد وفنلند»، ليست على ذات المستوى من التعامل العسكري، ولكن هناك دول مهتمة بالجانب التجارى ،وأخرى مهتمة بالموارد الطبيعية ، ولكن روسيا والولايات المتحدة تحديدا مهتمتان بالبحث والتطوير واتخاذ خطوات متقدمة في الجانب العسكري.

 

ولعل ما أعلنته وزارة الدفاع الروسية مؤخرا، وهو نشر مجمع الرادار «ريزونانس-إن»، القادر على اكتشاف أهداف خفية ، وأسرع من الصوت، في أرخبيل نوفايا زيماليا، والذي ينتظر أن يتولى هذا المجمع مهمة قتالية في نوفمبر  2019.

00000

هذا الرادار، وهو الثالث من هذا النوع في القطب الشمالي، ويعتبر محطة متصلة مبنية وجاهزة للاستخدام القتالي، حسبما قال إيفان نازارينكو، المدير العام لمركز أبحاث «ريزونانس»، والذي كشف أن لجنة مشتركة بين الإدارات تقوم حاليا بالعمل لاستقبال ونقل الرادار إلى الدفاع الجوي لأسطول الشمال، وبالفعل نقل أربع محطات إلى الجيش، الخامسة في المرحلة النهائية من الإنتاج.

وما يؤكد أن الحرب على أشدها ، فقد تم تصميم جميع رادارات «ريزونانس» للسيطرة على المجال الجوي فوق القطب الشمالي، يمكن للمدى الذي يعمل فيه الرادار أن يتم اكتشاف أهداف الشبح بفاعلية، والصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وتحلق بسرعة تصل إلى 20 ماخ.

وفنيا هذا الرادار يستخدم مبدأ انعكاس الرنين للموجات الراديوية من جسم ما، مما يؤدي إلى زيادة حادة في سطحه العاكس الفعال، ويتراوح مدى الكشف وتحديد الأهداف للأهداف الديناميكية الهوائية على بعد 600 كيلومتر وعلى ارتفاع يصل إلى 100 كيلومتر وللأهداف البالستية - 1200 كيلومتر.

والإعلان عن هذه الوحدات وإنشاء محطات الرادار ونقاط التوجيه العسكري الروسي في الشمال بجانب مطار في أرخبيل فرانز يوسف، ما هو إلا استكمال نهج طالب به الرئيس الروسي بلادمير بوتين في 2014 ، والذي بالفعل أنتج على مدار السنوات الخمس الأخيرة ، ببناء ثلاث قواعد عسكرية منها، قاعدة Temp العسكرية «جزيرةKotelny، أرخبيل جزر نوفوسيبيرسك»، وقاعدة Nagurskoe فى «جزيرة Alexandra Land ، أرخبيل فرانز يوسف».

ويبدو أن اختيار روسيا إجراء مثل هذه التجارب ما هو إلا رد على التجارب الكندية العسكرية لـ«الشبح الثلجي»،الذى بدأه الجيش الكندي قبل 4 سنوات لتحقيق الهيمنة على القطب الشماليّ والذي تكلّف نحو 600 مليون دولار، ليأتي الرادار الروسي لكشف أهداف «الشبح» الكندي، بل والقدرة على رصد الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وتحلق بسرعة تصل إلى 20 ماخ.

فبعض دول أعضاء اتحاد القطب الشمالي ليس أمامهم مفر من المشاركة في السباق أو ترك الأمور ليكونوا أداء في يد أحد المتحاربين، أما كندا فأعلنت إنشاء قاعدتين عسكريتين كبيرتين فيها، وقد وضعت خطة للحشد العسكري طويل الأمد لمنطقة القطب الشماليّ، وكلفت كندا مشروع أخر 3.4 مليار دولار ، لتسيير خمس سفنٍ كدوريّة بحريّة فى القطب الشماليّ، مع المضيّ قدمًا في عددٍ كبير من المشاريع لتحسين القدرات العسكريّة الكندية في هذه المنطقة.

وخلال المفاوضات الصينية الروسية في المنتدى الاقتصادي الشرقي- 2019، الذي عقد في سبتمبر، اقترح ممثلو بكين على شركائهم الموسكوفيين مفهوما للتعاون بعنوان شاعري هو «اقتصاد الجليد والثلج»، ويرجع اهتمام بكين في تطوير التعاون مع موسكو في القطب الشمالي إلى زيادة المنافسة العالمية على النفوذ في منطقة الشمال.

ويبدو أن روسيا تصر على فرض الهيمنة والسيطرة على هذه المنطقة الجديدة ، فأعلنت دستورها الجديد لمن يريد أن يتعامل مع القطب الشمالي وأخطرت جميع الجهات والدول المطلة عليه ومنها : ضرورة إخطار السفن الحربية الأجنبية السلطات الروسية بوجهات سيرها قبل 45 يوما من عبورها الدائرة القطبية الشمالية، بل أصبح هناك ملاحين من الجانب الروسي ملاحيه ليشرفوا على وجهة السفن وتوجيهها بما لا ينتهك حرمة المياه الروسية.

وردا على هذا التطور ، فالولايات المتحدة لم تقف مكتوفة الأيدي ، وشدد زير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، على أن الولايات المتحدة ستعزز وجودها العسكري في المنطقة القطبية.

وعمليا أعدت وزارة الدفاع الأمريكية استراتيجية العمل في «أركتيكا» القطب الشمالي، وأحالتها إلى الكونجرس، وتوعدت وزارة الدفاع الأمريكية في هذه الوثيقة «مبدأ أركتيكا» بقطع Jالطريق البحري الشمالي».

وأعلن قائد القوات البحرية الأمريكية في أوروبا وإفريقيا، الأميرال جيمس فوغو لمجلة Washington Examiner، أن الولايات المتحدة لن تسمح بهيمنة روسيا والصين في منطقة القطب الشمالي والطريق البحري الشمالي، وهذه المنطقة يجب أن يتم استخدامها بالتساوي .

وعليه كان الرد سريعا من ممثل روسيا لدى مجلس القطب الشمالي نيكولاي كورشونوف: أن الولايات المتحدة تخطط لجعل منطقة القطب الشمالي، أرض معارك ومسرحاً للعمليات العسكرية ، قائلا : ليس من قبيل الصدفة إن تركز الولايات المتحدة على الأساليب العسكرية وزيادة الانفاق العسكري في القطب الشمالي، وتواصل محاولاتها لتقويض الثقة وجو التعاون متعدد الأطراف في هذه المنطقة.

ولكن ضمن الإجراءات الروسية الجديدة فيتعين على طواقم السفن الحربية الأجنبية ، التعريف بهويتهم وسفنهم وغرض رحلتهم وخطها ومدتها، والإبلاغ عن مواصفات السفينة بما يشمل طولها وعرضها وحجم غاطسها المائي، وخصائص محركاتها وغير ذلك من المواصفات الفني.

ونقلت صحيفة «الإزفيستيا» الروسية أن فرض هذه القواعد، جاء بعد تسجيل روسيا «تكثيف بعض الدول نشاط سفنها الحربية في منطقة القطب الشمالي».

ولم تقتصر المواجهات الأمريكية الروسية على حد المواجهات الكلامية بين وزراء الخارجية والمسئولين في اتحاد القطب الشمالي ، إلا أنه وصل اشرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشهر الجارى على مناورات عسكرية «جروم-2019».

شملت 12 ألف جندي واطلاق 16 صاروخا بالستيا وعابرا من نوعي «يارس، وسينيفا»، عبر الغواصات في بحر بارنتس في القطب الشمالي واوخوتسك في أقصى الشرق، والهدف الأساسي حسب وزارة الدفاع الروسية «تدريب القوات على تطبيق اجراءات تهدف الى ردع عدو محتمل».

بوتين يجتمع مع وزير الدفاع سيرغي شويجو  ورئيس الاركان دوسكوي اثناء مراقبة تدريبات عسكرية

هذه التدريبات تأتى بعد أكثر من شهرين من انسحاب روسيا من معاهدة نزع الاسلحة الموقعة بين واشنطن وموسكو في حقبة الحرب الباردة، والتي كانت تحظر الصواريخ التي يراوح مداها بين 500 و5500 كلم.

ولكن لماذا هذا الصراع العسكري المحتدم والاستعدادات الدفاعية بين روسيا والولايات المتحدة بهذا الشكل؟، هناك تأكيدات بحثية أن الاكتشافات النفطية في القطب الشمالي قد تصل إلى ربع موارد النفط والغاز المحتملة في العالم، وهذه ليست أوهام بل أن ما تم اكتشافه حتى الآن أكثر من 20 حقلا كبيرا للنفط والغاز، من بينها 50% مؤكد انتاجيتها فعليا.

ولا يمكن أن تترك الدول التي لديها القدرة على المشاركة أو الاستفادة من كل هذه الطاقة والثروة الجبارة من أن تتركها ، خاصة الصين أوّل دولة مستهلكة للطاقة في العالم، التى تخطط بكل الطرق للحصول على نسبة من هذه الثروة ، والبحث عن طرق مشاركة شركات صينية في عمليات التنقيب عن الموارد الطبيعيّة في المنطقة القطبية لروسيا.

هذا خلافا لمخطط البحث عن تسيير القوافل التجارية عبر بحر الشمال ، والاستفادة من بين 5- 6أيام فارق في الرحلات ، لذا تبني  الصين «حزام جليدي لطريق الحرير» هدفه الوصول إلى الممرات البحرية ذات الأهمية الاستراتيجية والموارد الطبيعية في القطب الشمالي.

وبدأ أن الجانب الصيني يعمل على هذا المخطط ووظفوا كثيرا من امكانياتهم في كسح الجليد ، وفي بناء سفن تستطيع الإبحار عبر القطب الشمالي ، وتوقعات أن يكون في 2025 ما بين 5 إلى 7 % من حجم التجارة الدولية للصين يمرعبر القطب الشماليّ.   

ووفقا للخبراء، بحلول العام 2030، سيكون المحيط المتجمد الشمالي خاليا تماما من الجليد في أشهر الصيف، ما سيسهل بشكل كبير الحركة التجارية ولموسكو مصلحة في استثمارات كبيرة في القطب الشمالي؛ ومن ناحية أخرى، هي تخشى فقدان موقعها المهيمن على طريق بحر الشمال.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة