عندما تبرعت مصر لإنقاذ إثيوبيا من العطش

السبت، 09 نوفمبر 2019 12:34 م
عندما تبرعت مصر لإنقاذ إثيوبيا من العطش
حمدي عبدالرحيم يكتب:

وقعت على قصة مثيرة فى كتاب «رسائل لها تاريخ.. العوالم الخفية للمشاهير»، الذى كتبه الكاتب الصحفى أيمن الحكيم، ونشرته الهيئة العامة لقصور الثقافة.
القصة عن مصرى، نادرًا ما يلتفت إليه أحد رغم عظيم عطائه، ذلكم هو مريت بك نجيب بطرس غالى، ابن الأسرة البطرسية الشهيرة.
 
«مريت» لعب دورًا حاسمًا فى تاريخ دولة إثيوبيا التى تتجاهل الآن كل ما سبق لمصر من معروف وإحسان وتعاون أخوى صادق، يكشف أيمن الحكيم أن دور «مريت» بدأ عندما قامت إيطاليا فى العام 1935باحتلال إثيوبيا أو الحبشة وفق التسمية القديمة، فقد أبدى المصريون تعاطفًا حقيقيًا مع الشعب الإثيوبى ونضاله لصد الغزاة، وهو تعاطف اتخذ شكلًا عمليًا، إذ تأسست لجنة لدعم الحبشة برعاية الأمير عمر طوسون، وكان نشاطها من شقين، الأول سياسى ويتمثل فى الدفاع عن استقلال إثيوبيا وإصدار تقارير عن الأحداث هناك والانتهاكات التى تقوم بها القوات الإيطالية وإرسالها إلى دول العالم الحر ومنظماته الدولية، والشق الثانى طبى متمثلا فى لجنة طبية تقرر إرسالها إلى إثيوبيا لتقديم الخدمات الطبية العاجلة للشعب الإثيوبى، وكانت مكونة من 12 طبيبا و60 ممرضا و3 كيميائيين، وكان مريت بك غالى على رأس تلك اللجنة الطبية التى قدمت خدمات جليلة وساهمت فى تخفيف آلام الإثيوبيين طيلة سنوات المقاومة، وحظيت بشعبية واسعة بين الأحباش.
 
ثم بعد التحرر من الاحتلال الإيطالى واصل «مريت» تقديم دعمه ودعم الكنيسة المصرية للإثيوبيين، حتى كانت اللحظة الفارقة وهى تلك السنوات العصيبة التى ضرب فيها الجفاف كل أرض الدولة الإثيوبية وكان ذلك بداية من العام 1974.
 
يقول الحكيم: «حينها كان مريت غالى موجودًا فى إثيوبيا على رأس لجنة المساعدة المصرية، وقام بدور بطولى فى مواجهة الكارثة التى ضربت الشعب الإثيوبى وفى إنقاذ الجوعى والمشردين، وهو ما يظهر من مراسلاته المتبادلة مع الكنيسة القبطية والبطريرك الجديد البابا شنودة الثالث».
 
من أديس أبابا كتب مريت غالى فى 26 يونيو 1974 تلك الرسالة: «إلى قداسة البابا البطريرك.. أتقدم لقداستكم بالإجلال والاحترام الزائدين، راجيًا أن تكونوا فى أتم صحة، وبعد.. فأتشرف بأن أعرض أنى أعتقد أن ثمة ما يدعو لاتصال من قداستكم بجلالة الإمبراطور، لإشعاره بأن قداستكم والكنيسة القبطية جمعاء إنما تفكرون فيه دائمًا كما تفكرون فى شعبه وكنيسته وبلاده فى هذا الامتحان الذى تمر به إثيوبيا، وإنى على يقين أن لفتة كهذه من قداستكم تكون مقبولة وذات وقع حسن جدًا، بل تكون شبه منتظرة فى الوقت الحاضر، وأقترح إعداد كتاب كريم من قداستكم يتضمن العبارات الرعوية التى تناسب المقام، على أن يحمل هذه الرسالة الكريمة أحد الآباء المطارنة يأتى إلى إثيوبيا خصيصًا لهذا الغرض، وحبذا لو سمحت الظروف أن يكون نيافة الأنبا صموئيل أسقف الخدمات بالكنيسة القبطية هو الذى يحمل رسالة قداستكم، ويحسن أن يحمل رسولكم الكريم هبة متواضعة من الكنيسة ليقدمها للإمبراطور كمساهمة صغيرة - غير منتظر من الكنيسة القبطية أن تساهم بالملايين مثل ما تفعل حكومات أوروبا وبعض كنائسها، لكن المهم اللفتة-، لمساعدة منكوبى القحط والمجاعة، وليكن المبلغ ما يوازى خمسمائة جنيه مصرى على الأقل بالعملة الأجنبية الإثيوبية أو الأمريكية، وحبذا لو صعد المبلغ لألف جنيه، وأعتقد أن مراقبة النقد توافق على التصريح بالنقد الأجنبى لهذا الغرض الكريم، وإنى مستعد للمساهمة شخصيًا فى تنفيذ اقتراحى هذا، إذا ما حاز قبول قداستكم كما أرجو بمبلغ ألف جنيه، وأتشرف بأن أرفق بهذا شيكًا بهذا المبلغ باسم قداستكم على بنك مصر 45 شارع قصر النيل بالقاهرة، لتتفضلوا قداستكم باستخدامه لهذا الغرض.. وختامًا أقدم لقداستكم أسمى احترامى، وأطلب أن تذكرونى فى صلواتكم.. المخلص الأمين مريت نجيب غالى».
 
وتعددت رسائل مريت إلى البابا، ورد عليه بخطابات وبرقيات، وفى النهاية استجاب البابا شنودة لطلب مريت، وقرر أن يتبرع بثلاثة آلاف دولار للإثيوبيين المتضررين من الجفاف، وحمل الأنبا باخميوس رسالة البابا وتبرع الكنيسة المصرية إلى إثيوبيا، وكان مريت غالى فى استقباله، ولم ينم إلا بعد أن وصل المبلغ إلى مستحقيه.
 
لم ينكر الإثيوبيون - فى الزمن القديم - الخير الذى قدمه إليهم مريت وبلده مصر، وعاشوا دهرًا يعترفون بأن مريت تكفل بتعليم أولادهم على نفقته الخاصة فى القاهرة، ولذا كانت دموعهم يوم رحيله فى العام 1991 حارة وصادقة، لكن من الواضح أن الإثيوبيين المعاصرين قد نسوا ما كان.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق