رحلة في حياة القديسة الشقراء.. وداعا نادية لطفي

السبت، 08 فبراير 2020 08:00 م
رحلة في حياة القديسة الشقراء.. وداعا نادية لطفي
نادية لطفى
مصطفى الجمل

فى «السبع بنات» بدأت نادية لطفى مرحلة جديدة من مراحل ربط الجمهور بها

«الخطايا» كان علامة فارقة فى مسيرة الفنانة الراحلة والسينما المصرية

الساعة الثانية عشرة، شمس أغسطس ما زالت تملأ البقعة المحيطة، القيالة حارقة لمن تسول له نفسه أن يلمس الحائط أو سور المنزل، كل ذلك لا يهم، يوسوس شيطان كل منا للآخر «هيا بنا».. كرة مهترئة وأرض غير مستوية تنتظر أحذية وملابس جديدة، كل ذلك أيضا لا يهم، نتسلل كالفئران، حتى نصل لمسرح العمليات، نلعب نكسب ونخسر، نجرح ونكسر تقطع الملابس والأحذية، تمر مرات بردا وسلاما، ونضبط فى واحدة فنأخذ النصيب من «العُلَق» الفائتة كاملا، فى المساء نتقابل أسفل المنازل، وتتولى شياطيننا تهدئة الروع، فما فات من «العُلَق» مات، حتى نستطيع الترتيب للمرات المقبلة.لا يخلو المساء من مشاكسات تتعلق بما جرى فى الصباح، كل فريق يتشبث بما حققه من انتصار وما أحرزه من أهداف، ويحاول الآخر المقاومة قدر الإمكان بالتقليل والتحقير والاستخفاف، ولا مانع من بعض عبارات التى كنا نعدها تجاوزا وانحطاطا ونستحى من ذكرها أمام أى من أولياء أمورنا، والتى كان أولها وأهمها وأشهرها: «عند أم لطفى اللى بتنور وتطفى»، والتى جرى تحريفها من أصل كان منتشرا فى الأجيال التى كبرتنا: «عند نادية لطفى.. اللى بتنور وتطفى». 

نادية لطفى 4

 
من هنا بدأت علاقة جيلى بواحدة من رموز الفن والسينما المصرية والعربية، من هنا بدأنا نبحث عن تلك الفتاة التى يجرى اسمها على ألسنتنا صباح مساء.
 
بالتدرج السّنى وتطور الاهتمامات، ومع بشائر مرحلة البلوغ، وتسرب الرومانسية شيئا فشيئا إلى أنفسنا، تلقينا أعنف صدماتنا الحضارية، فالسيدة التى لا يخلو مجلس لنا من ذكرها كسبة، ونتخيلها امرأة ضربتها السمنة من كل جانب فباتت لا تختلف كثيرا عن الصورة الخيالية لأمنا الغولة، ها هى امرأة فاتنة، قادرة على هزيمة الشيطان إن نازلها بنظرة واحدة من عينيها.. لسنوات طويلة ربطنا بين كل كلمات الأغانى التى تتغزل فى جمال العيون وبين عينى نادية لطفى، ما من أغنية ولا أنشودة أو قصيدة سمعناها أو قرأناها فى هذه الفترة إلا وذهبنا بمقصد الشاعر إلى عينى نادية لطفى. 
 
عينان عند النظر إليهما ستفهم مباشرة ماذا كان يقصد العندليب فى رائعته قارئة الفنجان: «عيناها سبحان المعبود»، لفترات طويلة فى مراحلنا العمرية، كان يبحث الشباب أول ما يبحث فى أى فتاة عن عينين كتلك التى تمتلكهما نادية لطفى، التى وثقت بجمال عينيها مرحلة مهمة من سنوات توهج السينما المصرية، أو كما يطلق عليها الفترة الذهبية للسينما فى مصر. 
 
نادية لطفى3
 
ومن شدة تعلق المصريين بهاتين العينين، اختارهما القائمون على مهرجان القاهرة السينمائى الدولى شعارا له فى نسخته الـ36. 
 
ظلت تلك العيون مصدر تشكك كثيرين فى أصل نادية لطفى، فيصعب أن يأتى بهذا الجمال أبوان مصريان خالصان، وظل المصريون ينقبون عن أصل نسبها حتى توصلوا إلى أنها من أب صعيدى وأم بولندية وهنا زال الالتباس، وفهم مصدر تسميتها باسمها الحقيقى «بولا»، قبل أن يكتشفها الأستاذ الكبير رمسيس نجيب ويمنحها اسم شخصية الفنانة الكبيرة فاتن حمامة فى رواية «لا أنام». 
 
ظهورها الأول بجوار عملاق الفن المصرى فريد شوقى فى رائعة رمسيس نجيب «سلطان»، فتح أمامها أبوابا ما كانت لتتخيلها وهى تحبو فى بلاط الفن.. الأجيال بتعاقبها والأذواق باختلافها كلها كانت تتفق على الانبهار المتجدد والدائم بما يقدمه فتوة الشاشة المصرية فريد شوقى، ما إن ظهر على الشاشة حتى فرغ الجميع من مشاغله وتربعوا أمام الشاشة، حتى ولو كان العمل قديما ومكررا، ومعادا خلال الأسبوع الواحد خمس مرات. 
 
نادية لطفى 2
 
تألقت القديسة لويزا فى فيلم «سلطان» بجوار فريد شوقى، ورشدى أباظة، والفنانة برلنتى عبدالحميد، والفنان القدير توفيق الدقن، والفنانة سميحة توفيق.
 
فى «السبع بنات» بدأت نادية لطفى مرحلة جديدة من مراحل ربط الجمهور بها، فهى أول قائمة 7 بنات لأب يستيقظ فى الفجر ليعمل محاسبا فى طابونة، ثم يذهب لشركة النجاح للاستيراد والتصدير، حيث يعمل موظفا بالأرشيف، وبعد انتهاء عمله يذهب لمحل دراجات ليواصل العمل عنده، ويعود لمنزله منهكا، وذلك لأن الله وهبه ٧ بنات جميعن فى المدارس والجامعات و٣ منهن على وش جواز، وقد ماتت والدتهن، ويتولى منصور أفندى رعايتهن. 
 
نادية لطفى، فى هذا الفيلم لعبت دور طالبة كلية الطب، التى تحب زميلها بطل سلاح الشيش، الذى جسّد شخصيته أبو الأهلاوية صالح سليم، الذى سافر مع الفريق القومى لإحدى البطولات، وأوصاها على شقيقه الصغير المصاب بشلل الأطفال، لكن سقطت طائرة نبيل ولقى الفريق القومى حتفه، وقررت أحلام التفرغ لدراستها والعناية بممدوح وعزفت عن الزواج، وأختها الثانية متطلعة ومتمردة على فقرها، وتكذب دائما بشأن مستواها الاجتماعى، وقد تعرفت على شاب  ثرى، ورطها فى النصب على محل مجوهرات، لتكتشف أنه نصاب، وانتهى بها الأمر فى السجن،  قبل أن يتمكن ضابط المباحث من القبض على فتحى النصاب. 
 
نادية لطفى
 
تعلق كثير من الفتيات والشباب على حد سواء بنادية لطفى فى هذا الفيلم، للجرعة الرومانسية التى قدمتها مغلفة بالنبل والوفاء للحبيب حتى بعد مماته، وترسيخ حياتها لرعاية كل من يحبهم وإخوتها ووالدها. 
 
«الخطايا» عام 1962، ليس علامة فارقة فى مسيرة نادية لطفى وحدها، بل علامة فارقة فى مسيرة السينما المصرية كلها، قالت عنه الفنانة الراحلة إنه أرسى معانى بناءة ومهمة للمواطن، إذ عظم علاقة الابن بوالديه، كما أكد على ضرورة أن يتم اختيار الإنسان من خلال أعماله ونجاحه وليس بأمه وأبيه، مشيرة إلى أن حسن يوسف أبكاها فى بعض الأدوار.
 
أغنية «الحلوة» الشهيرة بالفيلم، لم تكن مكتوبة فى وصف نادية لطفى، بينما كانت مكتوبة للراحلة سعاد حسنى، وكانت تصف سعاد، ومشاعر حليم للسندريلا، وهى كانت المرشحة لبطولة الفيلم وهى التى اقترحت على حليم إدخال الوجه الجديد حسن يوسف والذى مثلت معه بالفعل أغلب أفلامها لاحقا، لكن سبق تصوير الفيلم سفر حليم وسعاد للمغرب، وهناك حدثت مشكلة بينهما والسبب الدائم فكرة زواجهما واعتراض حليم على استمرار سعاد فى التمثيل، وبعد العودة إلى مصر بدأ تصوير الفيلم ودارت الكاميرات تصور الخطايا بدون سعاد وظهرت فى دور «سهير» الفنانة نادية لطفى، التى اعتاد المخرجون إسناد الأدوار التى ترفضها سعاد لنادية، حتى أن نادية كتبت مقالا مرة تشكر سعاد لرفضها بعض الأفلام حتى تمثلها هى. 
 
القديسة لويزا.. محركات البحث ما إن تكتب عليها نادية لطفى حتى ستجد الإجابات الأولى مقترن باسمها لقب القديسة لويزا، لتميز دورها فى الفيلم التاريخى صلاح الدين، فقد لعبت «نادية» دور رئيسة وحدة الممرضات بين صفوف الصليبيين، أثناء قيادة ملك إنجلترا ريتشارد قلب الأسد، والأمير كونراد، حملة صليبية ضد الشرق بإيعاز من فريجينيا، والتى جسّدت دورها مريم فخر الدين، بعد هزيمة الصليبيين على يد الناصر صلاح الدين، انتقاما للحجاج الذين جرى ذبحهم على يد الصليبيين أثناء ذهابهم إلى مكة.
 
وخلال الفيلم وقعت «لويزا» فى حب «عيسى العوام» والذى لعب دوره الفنان صلاح ذو الفقار، وعلى الرغم من أنها فى صفوف الصليبيين إلا أنها تعاطفت مع القدس ورفضت أفعال «فيرجينيا»، وفى النهاية تزوجت «العوام».
 
برحيل لويزا، ظهر الثلاثاء الماضى، أغلقت صفحة واحدة من أوضح الفنانات فى اتخاذ المواقف السياسية تجاه وطنها، وكذلك القضية الفلسطينية، لم تتخل يوما عن دورها فى إثراء السينما بالموضوعات الشيقة المثيرة والتى لا يدخلها الإسفاف من أى جوانبها.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق