جريمة «خيانة الأمانة».. متى يبدأ تقادم الدعوى الجنائية؟

الإثنين، 20 أبريل 2020 05:00 ص
جريمة «خيانة الأمانة».. متى يبدأ تقادم الدعوى الجنائية؟
محكمه النقض

بوفاة المتهم أو بمضي عشر سنوات من يوم وقوع الجريمة، تنقضي الدعوى الجنائية في مواد الجنايات والجنح والمخالفات  في مواد الجنايات وثلاث سنوات في مواد الجنح وسنة في مواد المخالفات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وبالعفو الشامل وبتنازل مقدم الشكوى أو الطلب المنصوص عليهما في المواد (3 و8 و9) من قانون الإجراءات وبالحكم نهائيًا فيها وبالصلح في مواد المخالفات.

وحددت المادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية، بدء سريان تقادم الدعوي الجنائية من تاريخ وقوع الجريمة، ولكن هذا التاريخ في جريمة - خيانة الأمانة - قد يثير بعض المشاكل لدى الكثيرين، لأجل ذلك وضعت محكمة النقض في هذا الشأن قرينة بسيطة تعين القاضي في استجلاء هذا التاريخ.

وذلك أن ميعاد انقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة فى جريمة خيانة الأمانة يبدأ من تاريخ «الامتناع عن رد الشئ موضوع الجريمة أو ظهور عجز المتهم عن ذلك»، ما لم يقم الدليل على خلافه، وبالتالي لم تر باسا إن اعتبرت محكمة الموضوع تاريخ إعلان الجنحة المباشرة من جانب المدعى بالحقوق المدنية مبدأ لسريان المدة المقررة قانوناً لانقضاء الحق فى إقامة الدعوى الجنائية مادام لم يثبت المتهم العكس. 

ولكن، متي يبدأ تقادم الدعوي الجنائية عن جريمة خيانة الأمانة؟، وبحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض ياسر سيد أحمد. فإن المادة 341 من قانون العقوبات مرتكب جريمة خيانة الأمانة بأنه: كل من اختلس أو استعمل أو بدد مبالغ أو أمتعة أو بضائع أو نقود أو تذاكر أو كتابات أخرى مشتملة على تمسك أو مخالصة أو غير ذلك أضرارا بمالكيها أو أصحابها أو واضعي اليد عليها وكانت الأشياء المذكورة لم تسلم له إلا على وجه الوديعة أو الإجارة أو على سبيل عارية الاستعمال أو الرهن أو كانت سلمت له بصفه كونه وكيلا بأجره أو مجانا بقصد عرضها للبيع أو استعمالها في أمر معين لمنفعة المالك لها أو غيره يحكم عليه بالحبس ويجوز أن يزداد عليه غرامه لا تتجاوز مائه جنية مصري.
 
جريمة خيانة الأمانة من جرائم الاعتداء على الأموال المنقولة ويمكن تعريفها بأنها: «استيلاء الجاني على مال منقول مملوك للغير في حوزته بمقتضى عقد من العقود الواردة بالنص وذلك بخيانة ثقة المجني عليه في الجاني الذي سلمه هذا المال على سبيل الوديعة فخان ثقته فيه واستولى عليه بنيه تملكه»، وجريمة خيانة الأمانة وقتية تقع وتنتهي بمجرد اختلاس المال المسلم أو تبديده، فمدة سقوط الدعوى العمومية فيها يجب أن يكون مبدؤها من هذا الوقت، ولئن ساغ القول بأن امتناع الأمين عن رد الأمانة بعد مطالبته بذلك يعد مبدأ لمدة سقوط الدعوى العمومية فإن هذا لا يكون إلا إذا كان حصول التبديد قبل ذلك لم يقم عليه دليل – وفقا لـ «أحمد». 
 
أما إذا ثبت لدى القاضي من ظروف الدعوى و قرائنها أن الاختلاس قد وقع بالفعل فى تاريخ معين فإن الجريمة تكون قد وقعت فى هذا التاريخ، و يجب اعتباره مبدأ لمدة السقوط بغض النظر عن المطالبة، وإذن فإذا اعتبر الحكم تاريخ تقديم الوصي كشف الحساب إلى المجلس الحسبى مبدأ لمدة سقوط الدعوى العمومية فى جريمة تبديد أموال القصر المسندة إليه على أساس أن إسقاطه بعض المبالغ التى فى ذمته للقصر من هذا الكشف يعد دليلاً على أنه اختلسها لنفسه فإن هذا يكون صحيحاً و لا غبار عليه، لأن جريمة خيانة الأمانة تتم كلما أظهر الأمين نيته فى تملك الشىء المودع لديه.  
 
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الإشكالية فى الطعن المقيد برقم الطعن رقم 16065 لسنة 64 – حيث قالت في حيثيات الحكم أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أسس رفضه دفع الطاعن بانقضاء الدعوى الجنائية بمضى المدة على قوله: «وحيث إنه عن الدفع المبدى من المتهم انقضاء الدعوى الجنائية بمضى المدة لمضى أكثر من ثلاث سنوات من تاريخ طلاق المدعية بالحق المدنى الحاصل في عام 1983 وتاريخ رفع الدعوى في عام 1993 فإنه من المقرر في قضاء النقض أن بدء ميعاد سقوط جريمة خيانة الأمانة لا يبدأ من تاريخ إيداع الشىء المختلس بل من تاريخ طلبه والامتناع عن رده أو ظهور عجز المتهم عن رده إلا إذا قام الدليل على خلاف ذلك». 
 
وهديا بما تقدم وكان الثابت أن المدعية بالحق المدنى طالبت المتهم قانوناً بأعيان جهازها بموجب صحيفة الجنحة المباشرة والمعلنة إليه في 1993/5/23وهو التاريخ المعتد به قانوناً للمطالبة وفى الوقت ذاته تاريخ وقوع جريمة التبديد ويبدأ منه احتساب مدة سقوط الدعوى الجنائية وليس من تاريخ الطلاق ومن ثم فإنه لم يمضى به أكثر من ثلاث سنوات من تاريخ وقوع الجريمة في 1993/5/23 وتاريخ رفع الدعوى الجنائية الأمر الذى يكون معه الدفع على غير سند صحيح من القانون والواقع متعيناً رفضه.  
 
لما كان ذلك، وكان تعيين تاريخ وقوع الجرائم عموما ومنها جريمة خيانة الأمانة، مما يستقل به قاضى الموضوع ولا رقابة عليه في ذلك لمحكمة النقض، وكان ميعاد انقضاء الدعوى الجنائية بجريمة خيانة الأمانة لا يبدأ من تاريخ إيداع الشىء المختلس لدى من أؤتمن عليه بل من تاريخ طلبه والامتناع عن رده أو ظهور عجز المتهم عنه إلا إذا قام الدليل على خلافه، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هى اعتبرت تاريخ إعلان الدعوى من جانب المدعية بالحق المدنى مبدأ لسريان المدة المقررة في القانون لانقضاء الحق في إقامة الدعوى الجنائية طالما أن الطاعن لم يثبت أسبقية الحادث عن ذلك التاريخ كما لم يتبين القاضى من تلقاء نفسه هذه الأسبقية، فإن الحكم إذ رفض الدفع سالف الذكر يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً. 
 
وعلى الرغم من أن هذا القضاء يلقي قبول لدي جمهور الفقه إلا أن الأمر يحتاج إلى مزيد من المناقشات للخروج من دائرة التحوير والإبهام في قواعد عبء الإثبات من خلال القرائن، إذ الأصل في المتهم البراءة ومقتض هذا الأصل إلقاء عبء إثبات وقوع الجريمة ونسبتها إلي المتهم واستحقاقه العقاب علي عاتق النيابة العامة والمدعي المدني، ولما كان تقادم الدعوي يعني سقوط حق الدولة في عقاب المتهم لذا وجب إثبات أن هذا الحق لم ينقض ولا يكلف المتهم بإثبات تقادم الحق وإنما يكفيه أن يدفع بذلك وعلي النيابة العامة والمدعي المدني إثبات العكس- الحديث لـ «أحمد».  
 
ومقتض قضاء النقض تكليف المتهم بإثبات أن الجريمة قد وقعت في تاريخ سابق علي تاريخ امتناعه عن الرد أو عجزه عن ذلك من واقع ثبوت امتناعه أو عجزة حال أن هذا العجز أو الامتناع قد يكون في الواقع والحقيقة لاحقا عن وقوع الجريمة، وهو ما يعني إقامة قرينة ضده أن عجز عن دحضتها أمكن ملاحقته.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق