ولكنكم تبحثون عن منة فضالى!

الخميس، 24 ديسمبر 2020 04:16 م
ولكنكم تبحثون عن منة فضالى!
مختار محمود يكتب

 
 
فى زمن صحافة وإعلام الترندات، لا تسأل عن القيمة، ولا تبحث عن المحتوى. هذا ما يمكن رصده بسهولة فى قصة نجاح الباحثة المصرية إلهام فضالى التى حققت مؤخرًا إعجازًا علميًا فريدًا، وسط صمت إعلامى مريب، وتجاهل صحفى معيب.
 
الباحثة المصرية وطالبة الدكتوراه في الفيزياء التطبيقية بجامعة أيندهوڤن، إلهام فضالي، التى لم تبلغ الثلاثين عامًا بعد، استطاعت أن تنال تقديرًا عالميًا كبيرًا، كان آخره حصولها -إلى جانب زملائها- على جائزة إنجاز العام (2020) في الفيزياء من مجلة "physics world" المرموقة.
 
في أبريل الماضى، نشرت "دورية نيتشر" رفيعة المستوى بحثًا علميًا لـ"فضالي" مع فريق من الباحثين من الجامعة الهولندية،  اعتمدت فلسفة البحث على أن مادة السيليكون -المُصنعة من الرمال- لها خصائص إلكترونية جيدة إلا أنها غير قادرة على إشعاع الضوء بشكل كبير.
 
ومن هذه النقطة.. انطلقت "فضالي" وفريقها العلمي نحو العمل على تغيير خصائص مادة السيليكون؛ حتى تكون قادرة على انبعاث الضوء، ومن ثمَّ.. نقل البيانات عبر الضوء، سواء على الهواتف أو الأجهزة الإلكترونية، وهو إنجاز علمي هائل يفتح الطريق نحو مفاهيم الأجهزة المتكاملة وتقنيات معالجة المعلومات، بحسب الدورية المذكورة سلفًا.
 
المسيرة العلمية للعالمة المصرية الشابة انطلقت من شمال صعيد مصر، وتحديدًا من محافظة بنى سويف، عندما حصلت علي منحة تنمية وإعداد القادة لدراسة البكالوريوس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة العام 2008، وتخرجت فى قسم هندسة الإلكترونيات العام 2013 بامتياز مع مرتبة الشرف الممتازة، وأثناء دراسة البكالوريوس حصلت على منحة من الجامعة لدراسة فصل دراسي بجامعة دريكسل في ولاية بنسلڤانيا الأمريكية.
 
لم تكتفِ "فضالي" بما حققته فى ريعان شبابها، فقادها شغفها لتحصل على منحة من المفوضية الأوروبية لدراسة درجة الماجستير المزدوجة في علوم النانوتكنولوچي "تخصص الإلكترونيات الدقيقة" من جامعتي "لوڤن" الكاثوليكية و"تشالمرز" للتكنولوجيا بالسويد في الفترة من سبتمبر 2013 حتى سبتمبر 2015.
 
وبعد حصولها على درجة الماجستير، عملت "فضالى" باحثة في قسم العلوم التطبيقية في المجموعة البحثية الخاصة بأبحاث الحوسبة الكمية، بجامعة "دلفت التقنية" بهولندا لمدة عام ونصف في الفترة من سبتمبر 2015 حتى يناير 2017، ثم بدأت رحلة الدكتوراه في فبراير 2017 في جامعة "أيندهوڤن التقنية" الهولندية في قسم الفيزياء التطبيقية، وما زالت تعمل كباحثة وطالبة دكتوراه؛ فى عامها الأخير في رحلة الدكتوراه.
 
 أما بالنسبة للبحث الفائز، فإن الفوائد التي ستعود على البشرية منه كثيرة، إذ يمكن استخدام نتائجه في المستقبل لنقل البيانات عن طريق الضوء ما بين الشرائح الإلكترونية في الحواسيب الآلية، وما بين الأجهزة وبعضها في مراكز البيانات والتي تتطلب سرعة فائقة في نقل البيانات وليس هناك سرعة فائقة في الكون أسرع من الضوء، كما يمكن استخدام التقنية الجديدة في تطبيقات مثل: السيارات ذاتية القيادة، والتي تعتمد على الإشارات الضوئية في مجال الأشعة تحت الحمراء غير الضارة بعين الإنسان، التي تستخدم في مسح الأشياء والأشخاص حول السيارات لمسافات طويلة أثناء القيادة. يمكن أيضًا استخدام هذه التقنية في تطبيقات المستشعرات أو المجسات البيولوجية للكشف عن المركبات التي لها بصمة في مجال الأشعة تحت الحمراء.
 
يُذكر أن هناك شروطًا وضوابط حاكمة للأبحاث التى تحظى بتكريم مجلة "physics world"، التى تتبع أعرق المجامع الفيزيائية فى بريطانيا، أهمها على الإطلاق: أن يُحدث البحث نقلة معرفية في مجال الفيزياء، ويمكن استخدامه في تطبيقات تكنولوجية على أرض الواقع.
 
وبلغة العلماء الذين يزيدهم النجاح تواضعًا وثقة وتهذيبًا.. أعربت "فضالى" فى تصريحات إعلامية عن شعورها بمزيج من الفخر والمسؤولية، بعد تحقيق هذا الإنجاز الذي كان يتطلع له العلماء منذ  خمسة عقود، كما أعربت عن سعادتها بتوفيق الله، حتى تُعطي مثالًا ونموذجًا طيبًا للعرب والمصريين، وخاصة في مجال صعب مثل مجال الفيزياء.
 
والعبارة الأخيرة، تعكس رومانسية الباحثة المصرية التى تعتقد أن المصريين والعرب سوف يلتفتون إليها ويهتمون بها ويتداولون صورها ونتائج بحثها. ويبدو أن اعتكافها فى معامل البحث جعلها لا تدرك أن المصريين والعرب لا يهتمون بقصص نجاح العلماء والعالمات، فى الوقت الذى لا يتوقف فيه شغفهم بأخبار وقصص الفنانات والعوالم.
 
ولا يغيب عن أحد كيف تشتعل منصات السوشيال ميديا وكيف ينشغل الفضاء الألكترونى بصور وحواديث ولقطات ومشاهد ممثلة متوسطة الموهبة ومثيرة للجدل مثل: "منة فضالى"، وكيف تتهافت الصحف والمنصَّات الألكترونية والفضائيات على التواصل معها وإبراز أخبارها وأسرارها وكواليس أعياد ميلادها وزواجها وطلاقها وخلافاتها التى لا تنتهى مع خطبائها. هذه "فضالى"، وتلك "فضالى"، ولكن ليس كل ما يلمع ذهبًا..

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة