أيمن عبد التواب يكتب: «ميتة سوء» يا دكتور مبروك؟!

الخميس، 07 يناير 2021 11:32 ص
أيمن عبد التواب يكتب: «ميتة سوء» يا دكتور مبروك؟!

 
صُدِمتُ من حديثٍ للدكتور مبروك عطية، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر. سبب صدمتي هو ما صرح به العالم الأزهري بأن «الوفاة الناتجة عن الإصابة بوباء، ليست شهادة، وإنما أسوأ ميتة»! 
 
وجالك قلب تقولها يا دكتور مبروك! أسوأ ميتة يا رجل يا طيب! أسوأ ميتة يا ممثل المنهج الوسطي! أسوأ ميتة يا مَن يفرض عليك الدين الذي تتبعه، والظرف القهري الذي يتعرض له العالم، بسبب جائحة كورونا «كوفيد 19»، أن تُبشر ولا تنفر.. وأن تبث الأمل، لا أن تزرع اليأس في نفوسٍ أتعبها فيروس لا يملكون له حولًا ولا قوة! 
 
الدكتور مبروك قال، في لقاء متلفز، «إن الموت إذا جاء لشخص سليم أو أكثر، وعملوا حادث وتوفوا على أثر تلك الحادثة فهم شهداء، ما لم يكونوا هم السبب فى انتحارهم، ومخالفة قواعد المرور».. وهذا كلام طيب نتفق فيه مع أستاذ الشريعة، كما يتفق مع العقل والمنطق، وأحكام الدين الإسلامي.
 
لكن الدكتور عطية فاجأنا بقوله: «إنما الوفاة عن طريق كارثة أرضية، أو وباء يصيب البشرية في وقت واحد، لا تكون شهادة أبدًا، بقراءات القرآن الكريم كله، وإنما وباء وانتقام وأسوأ ميتة، فكأنهم قوم لوط، أو كأنهم قوم نوح الذين أغرقهم الله، ويجب أن نتوب إلى الله توبة نصوحًا»!
 
يا شيخ مبروك.. أي انتقام إلهي هذا من العباد؟ وهل يتساوى المؤمن المتوفى بـ«الوباء» بقوم لوطٍ، أو قوم نوحٍ، كما ذكرت؟ بئس التشبيه يا عالم يا متنور! ألا تعلم فضيلتك أن الله- عز وجل- حين أنزل العذاب على قوم لوط، كان ذلك استجابة لدعوة نبيه أن ينصره على قومه، ويهلك المفسدين؟ «رب انصرني على القوم المفسدين». 
 
ألا تعلم- وأنت أستاذنا- أن الله حين أراد هلاك قرية لوط، أرسل ملائكة لنبيه، وأمروه بالخروج من القرية؛ لأنّهم سينزلون أشدّ العقاب بهؤلاء الظالمين، بمن فيهم زوجته، و«لم يأخذ العاطل في الباطل»، وحاشاه أن يساوي بين مؤمن وكافر.. «قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ* قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ* لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ* فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ* وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ».
 
كذلك أهلك الله قوم نوح؛ استجابة لدعوة نبيه، الذي يئس من هدايتهم «قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا* وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا».. ثم كانت دعوته عليهم «رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا* إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا». ولاحظ هنا يا دكتور أن سيدنا نوح- عليه السلام- دعا على الكافرين فقط، وأن العذاب وقع على الكافرين دون المؤمنين. 
 
راجع يا دكتور قصة قوم لوط، وقصة قوم نوح، وقصة قوم عاد وثمود.. وكل قصص الأقوام الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم، وتعرضوا لعذاب الله وانتقامه؛ استجابة لدعوة أنبيائهم عليهم؛ بسبب كفرهم بالله، وإعراضهم عن دعوة الأنبياء إلى الله، والسخرية منهم، والاستهزاء بهم! 
 
حنانيك يا دكتور مبروك.. فالمساواة بين الوفاة بسبب وباء ٠او جائحة تحصد أرواح مؤمنين وكفار، وبين الموت بسبب انتقام إلهي من الذين كفروا برسله، وكذبوهم، وعذبوهم.. لا يصح ان يصدر من قيمة وقامة مثلك! فعقاب الله إذا حل بالعباد، فلن يبقي ولن يذر! أليس كذلك يا دكتور؟! فهل من العدل الإلهي مساواة البار بالفاجر، الأمين بالخائن، المطيع بالعاصي؟ المؤمن بالكافر؟ ثم إذا حصد الوباء أرواح الناس، هل، ولو من باب «الكلمة الطيبة»، أن نقول للمكلومين ان هؤلاء ماتوا «أسوأ ميتة»؟
 
لنفترض- يا شيخنا- أن رأيك معتبر، واجتهادك مأجور، واستدلالك صحيح، وما قلته هو ما اطمن إليه قلبك وعقلك.. فماذا تقول في «طاعون عَمْواس» الذي وقع في عهد الخلافة الراشدة، أيام حكم، الفاروق، عمر بن الخطاب سنة 18هـ؟ ماذا تقول في هذا الطاعون الذي أودى بحياة أكثر من خمسة وعشرين ألفًا من المسلمين، بينهم جماعة من كبار الصحابة، أمثال معاذ بن جبل وابنه عبد الرحمن، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، والفضل بن العباس بن عبد المطلب، وأبو جندل بن سهيل؟ فهل مات صحابة رسول- الله صلى الله عليه وسلم- وحفظة كتاب الله «أسوأ ميتة»؟ 
 
ثم ماذا عن الصحابي الجليل، أبي عبيدة بن الجراح، الذي مات هو الآخر في طاعون عمواس؟ هل مات أسوأ ميتة وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة؟ هل مات أسوأ ميتة وهو من «المهاجرين الأولين»، و«أمين الأمة»؟ هل عاقبه الله- يا دكتور- بالطاعون، وأماته «ميتة سوء»؟ لا يا مولانا.. فلا الأوبئة عقاب إلهي، ولا هي ميتة سوء لمؤمن.. إنما هي شؤون لله في خلقه، يجريها لحكمةٍ ما. 
 
يا أستاذ الشريعة.. أفتنا بأيهما نأخذ.. برأيك، أم بالفتوى التي أصدرتها «دار الإفتاء»، عن سؤال ورد إليه يقول: «هل الموت بسبب فيروس كورونا يعد ميتة سوء؟» فأجابت: «موت المسلم بسبب فيروس كورونا لا يعد دليلًا -كما يدعي البعض- على سوء الخاتمة والميتة السوء، بل الصحيح والراجح أَنَّ الوفاة بسبب هذا الفيروس الذي يعد من الأوبئة التي يُحكم بالشهادة على مَن مات من المسلمين بسببها، فمَنْ مات بسببه من المسلمين فهو شهيد؛ وله أجر الشهادة في الآخرة؛ رحمةً من الله تعالى به، غير أنَّه تجري عليه أحكام الميت؛ من التغسيلٍ، والتكفينٍ، والصلاة عليه، ودفنه»!
 
«ميتة السوء»- يا مولانا- ليست، بكورونا والأوبئة، ولا بالزلازل، ولا بالأعاصير.. إنما ان يموت المرء على الكفر، وعدم الإيمان بالله.. فإن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.. والموت لا ينتظر وباءً، ولا جائحة.. ولا نملك إلا الدعاء بالرحمة ورفع الوباء والبلاء عنا.. اللهم آمين.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق