القضاء الشامخ والقضاة الشوامخ

الإثنين، 15 فبراير 2021 01:25 م
القضاء الشامخ والقضاة الشوامخ
مختار محمود يكتب

  
أحسن مجلس القضاء الأعلى صُنعًا في ثلاث وقائع متتاليات أثارت غضبًا اجتماعيًا واسعًا، وأثبت حضورًا طاغيًا وفاعلًا ومؤثرًا ومشهودًا. أمّا الأولى فكانت في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"طفل المرسيدس"، والثانية فيما عُرف بقضية "قاضي الاغتصاب"، والثالثة فيما يتم تداوله حاليًا عن واقعة "قاضي المخدرات". القضايا الثلاثة - التي حظيت باهتمام إعلامي جارف وطاغٍ- أبطالُها الرئيسيون من القضاة، ما أضفى عليها حالة من الإثارة اللافتة والدهشة المفرطة. 
جاء تدخُل مجلس القضاء الأعلى فى الوقت المناسب والحاسم قاطعًا الطريقَ على المُزايدين والمُغرضين والانتهازيين ومَن يصطادون فى الماء العَكر، وكأنَّ القضاة ليسوا بشرًا أمثالكم يُخطئون، أو ملائكة أبرارًا لا يذنبون، ومَن كان منكم بلا خطيئة فليرمهم بحجر!
 
لقد تعارف الناسُ فيما بينهم على أنه لا تخلو فئة أو طائفة من مُذنبين أو مُخطئين، فالنفسُ البشرية –بطبعها- أمَّارة بالسوء إلا مَن رَحم الله، ومن ثمَّ فإنَّ ضبطَ قضايا أطرافُها أو أبطالُها من القُضاة لا ينبغي أن يكون سبيلاً لإهالة التراب على جميع القضاة واستسهال الإساءة إليهم واصطناع بطولة زائفة على حسابهم. 
يعلمُ القاصي والداني أنَّ قضاء مصر شامخ، وقُضاتها شوامخ، وتورُط بعض عناصره فى قضايا أخلاقية أو جنائية لا ينال بالضرورة من صورتهم المثالية وصفحتهم الناصعة وسيرتهم المثلى التي يجب أن تبقى كذلك دائمًا وأبدًا.
 
لقد جُبل المصريون - منذ عقودة بعيدة- على احترام القضاء وتوقير القضاة، لا سيما أكابرهم وفقاءهم ونوابغهم، وهو ما كان ولا يزال دافعًا لهم –أي عموم المصريين- إلى البحث عن موضع قدم في السلك القضائى. ولا تزال وظيفة القاضي في ريف مصر وحضرها، وعند فقرائهم وأغنيائهم حُلمًا عظيم المنال، يبذلون من أجله وفى سبيله كل غالٍ ونفيس وثمين. والقاضي يفوق فى السُّلم الاجتماعي الضابط والطبيب والمهندس وحَسُن أولئك رفيقًا، وإذا تقدم كل هؤلاء لخطبة عروس فإنَّ القاضي يظل الأوفر حظوظًا بالموافقة؛ للأسباب سالفة الذكر، وأسباب أخرى لا تعلمونها، الله يعلمها. 
 
القاضي فى مصر ليس مُجرد وظيفة مرموقة ولا مكانة اجتماعية رفيعة فحسب، ولكنه -بعد كل ذلك وقبله- شخصٌ يحظى بامتيازات مادية ومعنوية لا يحظى بها رفقاء الدرب من أصحاب الوظائف الأخرى مع بداية حياتهم العملية وبعد نهايتها.
 
يبقى تدخل مجلس القضاء الأعلى في الوقت المناسب، والانحياز للحق دون الباطل، أمرًا يُحسب له، ومبررًا لتقديره وتوقيره، فهو الحصن الذي تتحطم على جدرانه جميع التجاوزات التي يتوهم البعض أنهم قادرون على اقترافها مُستترين بحصانة قضائية حديدية أو مُستغلين علاقات متشابكة متجذرة أو نفوذًا مركبًا متراكمًا.. عاش قضاء مصر عظيمًا طاهرًا شامخًا على مر العصور، وبقي قضاتها شوامخ.. ولو كره الكارهون، وحسد الحاسدون، ومكر المكرون، ولا يحيق المكر السييء إلا بأهله..

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق