ماذا تحمّلت مصر في حرب غزة؟

الأربعاء، 19 نوفمبر 2025 04:54 م
ماذا تحمّلت مصر في حرب غزة؟
عبد الحليم محمود

شهدت المنطقة خلال حرب غزة الممتدة بين عامي 2023 و2025 مرحلة شديدة الحساسية في معادلة الأمن الإقليمي. فقد وجدت مصر نفسها في قلب مشهد مضطرب، تتحرك فيه القوى الدولية والإقليمية على نحو متسارع، بينما تتغير خرائط الصراع بشكل يومي. ومن منظور العلاقات الدولية، لم تكن تلك المرحلة مجرد إدارة أزمة عابرة، بل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة على الحفاظ على توازناتها الاستراتيجية وسط ضغوط متشابكة.
 
كانت الحدود الشرقية دائمًا نقطة ارتكاز في الأمن القومي المصري. ومع اشتداد الحرب، تحولت سيناء إلى ساحة احتمالات مفتوحة: تسلل جماعات مسلحة، ضغوط سكانية هائلة، ومحاولات لفرض واقع ديمغرافي جديد عبر دفع الفلسطينيين للنزوح نحو الأراضي المصرية. أمام هذه السيناريوهات، تمسكت القاهرة بموقف ثابت يرفض أي مشروع يمس سيادتها أو يغيّر تركيبها السكاني. لم يكن هذا الرفض فعلًا انفعاليًا، بل قاعدة راسخة من قواعد الأمن الوطني، تهدف إلى حماية المجال الإقليمي من أي تحولات قد تترك آثارًا طويلة المدى.
 
وبدا معبر رفح أحد أكثر ملفات المرحلة تعقيدًا. فبينما طالبت قوى دولية بفتحه دون قيود، أدارت مصر هذا الملف بميزان دقيق يجمع بين متطلبات الواجب الإنساني والحسابات الأمنية. واعتمدت مقاربة "التدخل المحسوب": تمرير المساعدات ضمن ضوابط واضحة، ومنع استخدام المعبر كأداة لفرض حلول سياسية أو ديمغرافية تتجاوز الإرادة المصرية. وهكذا تحول المعبر من مجرد نقطة عبور إلى أداة استراتيجية لضبط حدود الصراع ومنع تمدده نحو الداخل في لحظة كانت فيها أي خطوة غير مدروسة كفيلة بتغيير المشهد بأكمله.
 
وفي الوقت نفسه، تحركت القاهرة على خريطة تفاوض واسعة جمعت أطرافًا دولية وإقليمية وميدانية متصارعة. أدت دور الوسيط الضروري في ملفات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، مستندة إلى شبكة علاقات متشعبة وقدرة على التواصل مع جميع الفاعلين. لم يكن هذا النشاط عملاً دبلوماسيًا روتينيًا، بل أحد عناصر القوة الناعمة الصلبة للدولة، هدفه حماية الحدود، ومنع توسع الحرب، وتثبيت موقع مصر بوصفها فاعلًا محوريًا لا يمكن تجاوزه في توازنات المنطقة.
 
لكن العبء الأكبر لم يكن في الأحداث القائمة فقط، بل في السيناريوهات المحتملة. فقد تابعت مصر بدقة احتمالات امتداد الصراع، أو انهيار السلطة المدنية في غزة، أو انتقال المواجهات إلى تخوم سيناء، أو تغيّر موازين السيطرة داخل القطاع. التعامل مع هذه الاحتمالات تطلّب يقظة دائمة وقرارات دقيقة، لأن أي خطأ في تقديرها كان قد يفتح أبوابًا يصعب إغلاقها لاحقًا. فإدارة الأزمات في دولة ذات ثقل إقليمي ليست عملاً مكتبيًا، بل عملية مستمرة تتقاطع فيها حسابات الأمن والسياسة والقانون والإنسان.
 
وهكذا يتضح أن ما تحمّلته الدولة المصرية في تلك السنوات ارتبط بطبيعة موقعها وتركيب أدوارها، لا بمجرد ضغوط لحظية. فقد وجدت نفسها في نقطة التقاء بين ضرورات إنسانية، وضغوط دولية، وتهديدات أمنية، وتوازنات إقليمية حساسة. وكانت مطالبة بالتحرك في مساحة ضيقة تضمن فيها حماية أمنها القومي، وحفظ مكانتها، ومنع الحرب من التحول إلى انفجار أوسع. ومن هذا المنظور، تبدو المرحلة واحدة من أكثر الفترات ثقلًا وتعقيدًا، بكل ما حملته من ملفات متشابكة وتشابك خيوطها بين الضوء والظلال.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق