حرب المعلومات (5).. قصة «كتائب الردع» أول مجموعة مسلحة أسسها الإخوان

الجمعة، 26 أكتوبر 2018 07:00 م
حرب المعلومات (5).. قصة «كتائب الردع» أول مجموعة مسلحة أسسها الإخوان
عناصر كتائب حلوان الإخوانية - أرشيفية
كتب – أحمد متولي

يمثل ميراث العنف واحد من أبرز السرديات المرتبطة بتاريخ جماعة الإخوان، ويتجلى أثر الإرهاب الإخواني اليوم في حروب أهلية عاشتها وتعيشها العديد من الدول العربية، في أعقاب ما عرف بثوارت الربيع العربي التي سرعان ما تكشف أنها لم تكن إلا مرحلة تمهيدية من الفوضى لاستيلاء التنظيم الدولي على السلطة بدعم دولي.

الأثر الأكبر لأفكار الإخوان العدائية بعد عزل محمد مرسي موجود في صورة تنظيمات وحركات مسلحة إما تتبع الجماعة بشكل مباشر كان أولها كتائب الردع، أو خرجت من عباءتها متأثرة بأدبيات مفكريها، وأخطرها تنظيمات القاعدة وداعش وأنصار بيت المقدس وأجناد مصر.

وتظل الفترة اللاحقة على أحداث فض اعتصامي رابعة والنهضة، هي المرحلة الأهم والأخطر في تحول مسار الجماعة تدريجيا لتبني الإرهاب كمنهج معلن لإسقاط مؤسسات الدولة المصرية انتقاما من عزل محمد مرسي في ثورة 30 يونيو.

◄انفراد.. كواليس اتفاق الإخوان ونائب أبو بكر البغدادي لتأسيس «ولاية الجيزة»

 

الإرهاب في مصر

اللواء مجدي عبد الغفار، وزير الداخلية السابق، كشف خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لمقر الوزارة الجديد بالتجمع الخامس في مارس الماضي، أن الأجهزة الأمنية تمكنت من تفكيك 992 بؤرة إرهابية تكونت بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة على مدار الخمس سنوات، وبلغ عدد من انخرطوا في العمل المسلح ضد الجيش والشرطة أكثر من 19 ألف عنصر إخواني.

خلال هذه المدة مر الإرهاب الإخواني بعدة مراحل وثقتها تقارير أمنية، رصدت مرحلة ما بعد فض اعتصام رابعة، وإعادة تشكيل الجناح المسلح، ومسارات العنف التي اتخذها التنظيم حتى كتب نهايته بتأسيس حركتي حسم ولواء الثورة، آخر محاولات الجماعة الفاشلة لفرض العنف على المجتمع وخلخلة مؤسسات الدولة.

◄حرب المعلومات (1): أسرار الخطة الفاشلة لإنقاذ فلول داعش في سيناء

 

ما بعد فض رابعة

بدأت جماعة الإخوان موجة العنف الأخطر في تاريخها مع فشل آخر محاولاتهم الهادفة إلى جر الشعب للاقتتال الأهلي، وبرهنت عليه عمليات نشر الفوضى التي بدت واضحة ومعلنة عقب فض رابعة، وبالأخص في يوم 16 أغسطس 2013 الذي احتشدوا فيه بميدان رمسيس، وظهرت المجموعات المسلحة بشكل علني لأول مرة أمام كاميرات القنوات الفضائية أثناء الاعتداء على أهالي حي بولاق أبو العلا ومحاولة اقتحام قسم شرطة الأزبكية.

تولى تحالف دعم الإخوان مهمة قيادة الحراك في تلك المرحلة، وحقيقة كانت العمليات العدائية ليست إلا اشتباكات مع قوات الأمن خلال تنظيم مسيرات ذات طابع سلمي، بيد أن عناصر مسلحة تتبع التنظيم كانت تتخذ منها غطاء لاستهداف الشرطة وإثارة عناصرها، وافتعال أعمال عنف بهدف الترويج الإعلامي بأن الأضاع مضطربة.

◄حرب المعلومات (2).. كيف سحق الأمن المصري أخطر شبكات تهريب «داعش»؟

 

كتائب الردع

بين عنف هنا واشتباكات هناك نشطت مجموعة مسلحة تسمى "كتائب الردع"، كلفها التنظيم بالخروج في المسيرات والمظاهرت بهدف الاعتداء على قوات الشرطة والمواطنين الرافضين لتحركاتهم وأنشطتهم العدائية، وهى مجموعة ضمت شباب الجماعة ممن شاركوا من قبل في الأنشطة الرياضية، والذين تم انتقاؤهم في منتصف أبريل 2013 قبل ثورة 30 يونيو من قبل مكتب الإرشاد، بهدف تشكيل جناح عسكري يتولى حماية مقراتهم، واستخدامهم ورقة ضغط على الأجهزة الأمنية.

◄حرب المعلومات (3).. طريق «داعش» المسدود لاستهداف كنائس مصر

 

التكوين

يمثل التقرير الذي أعده النقيب "عاصم.ع.ز.س"، ضابط قطاع الأمن الوطني، في القضية رقم 14950 لسنة 2013 جنايات قسم أول المنصورة، أول وثيقة رسمية تدلل على بداية النشاط المسلح الذي مارسته عناصر جماعة الإخوان، في أعقاب عزل الدكتور محمد مرسي من منصب رئيس الجمهورية.

يروي ضابط الأمن الوطني في تقريره الموثق في أرشيف النيابة العامة، خلال التحقيقات في تورط 13 إخوانيا بافتعال أعمال شغب وعنف بمدينتي طلخا والمنصورة بمحافظة الدقهلية، التي وقعت بتاريخ 7 أغسطس 2013 بالتزامن مع اعتصام الجماعة برابعة والنهضة، وشرعوا خلالها بقتل المواطن السيد العيسوي، لسابقة تعرضه لإحدى مظاهرات الجماعة حسبما قال الضابط في محضر رسمي.

رصد قطاع الأمن الوطني بداية تشكيل الجناح المسلح تحت مسمى "كتائب الردع"، وهو تنظيماً سرياً أسسته الجماعة يتكون من مجموعات شبابية تلقت تدريبات عسكرية أثناء حكم محمد مرسى، لاستخدامهم فى قمع المعارضين لسياسة مكتب الإرشاد، إلا أنه في أعقاب ثورة 30 يونيو تم استغلالهم في تنفيذ مخطط نشر الفوضى واسترداد السلطة بالقوة.

◄حرب المعلومات (4).. الأمن الوطني فكك 20 تنظيما مسلحا أسسهم الإخوان

 

مرحلة الإعداد

تشكلت كتائب الردع من شباب الإخوان المدربين بدنيا ممن سبق تلقيهم تدريبات عسكرية إبان حكم محمد مرسي، وثبت أن بعضهم تلقى دورات عسكرية داخل قطاع غزة على يد عناصر من كتائب الشهيد عز الدين القسام بمنطقة جبل الكاشف، بعلم مباشر من إسماعيل هنية، ووزير داخلية حماس فتحي حماد.

وتأكيدا لذلك وثقت النيابة العامة اعترافات المتهم عامر مسعد عبده عبد الحميد، وهو شاب انضم لجماعة الإخوان في 2001 وتولى قيادة كتائب الردع في محافظة الدقهلية، حيث أقر بسفره إلى قطاع غزة بمساعدة شخص فلسطيني الجنسية مرتبط بالجماعة يدعى "وسام عويضة" عن طريق التسلل عبر الأنفاق الحدودية.

عناصر كتائب القسام داخل أحد الأنفاق
عناصر كتائب القسام داخل أحد الأنفاق

 

وهي الرواية التي أكدها أيضا عضو كتائب الردع "هانى السيد فيصل ياسين"، الذي اعترف بأنه رافق شقيقه "أحمد السيد فيصل ياسين"، والمدعو "عامر مسعد"، إلى مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء ثم وصلوا إلى رفح المصرية، ومن هنا تسللوا جميعا إلى قطاع غزة عبر أحد الأنفاق الحدودية.

ويوضح في اعترافاته: بعد شهرين من وصول محمد مرسي للسلطة في مصر، توجهت في رحلة ثانية برفقة 5 أعضاء بكتائب الردع إلى مدينة العريشة، واستقبلنا عضو المجموعة الفلسطيني الجنسية "وسام عويضة" بمسكنه الذي قضينا فيه ليلتنا قبل التسلل عبر أحد الأنفاق نحو قطاع غزة، وهناك تقابلوا مع أعضاء كتائب القسام الذين أشرفوا على تدريبهم في منطقة جبل الكاشف، بغرض تأهيلهم للعمل المسلح كقوة تنفيذية تضاهي أساليب جهاز الشرطة.

تدريب عسكري في قطاع غزة
تدريب عسكري في قطاع غزة

 

شهادة ثالثة تكشف الجزء المتبقي من نشاط كتائب الردع كأول جناح مسلح للإخوان، يدلي بها العضو "عبد الرحمن عطية هلال بيومي"، حيث أقر بانضمامه للمجموعة المسلحة ذات الطابع السري بهدف تأمين مظاهرات الجماعة، وأن أعضاء التنظيم لا يعلمون بهذه التشكيلات العسكرية التي بدء ظهورها علنا في أعقاب 30 يونيو 2013 وبالأخص بميدان رابعة العدوية.

شارك "عبد الرحمن عطية" في اعتصام رابعة العدوية باعتباره عضو في كتائب الردع، وتولى مع أعضائها مهمة تأمين الاعتصام ومداخله، ومارست المجموعة دورها كقوة تنفيذية كما هو معد لها سلفا باستجواب المعارضين للإخوان داخل غرف التعذيب بمبنى طيبة مول.

عن طبيعة عمل كتائب الردع كشف أنهم يرتدون زياً خاصا لهم، وظهروا في عروض شبه عسكرية بميدان رابعة والنهضة يحملون أسلحة دفاعية كالدرع والعصا في محاكاة لقوات الأمن المركزي، وأنه علم بقيام أعضائها بالمشاركة في أحداث الهجوم على دار الحرس الجمهوري واشتباكات النصب التذكاري بالمعروفة إعلاميا بـ"أحداث المنصة".

عناصر تأمين اعتصام رابعة
عناصر تأمين اعتصام رابعة

 

العمل المسلح

وسجلت واقعة الاعتداء على "السيد العيسوي" في مدينة المنصورة في 7 أغسطس 2013، بداية نشاط "كتائب الردع" كأول عملية إرهابية موثقة نفذتها مجموعة مسلحة تتبع الإخوان وصفتها الأجهزة الأمنية بهذا المسمى.

إذن بدأت كتائب الردع العمل المسلح خارج نطاق اعتصام رابعة، في شهر أغسطس 2013 بإطلاق النار على المؤيدين لعزل مرسي خلال تجمعهم أمام مبنى محافظة الدقهلية بشهر أغسطس 2013 ونتج عنها إصابة ثلاثة أشخاص، واغتيال شخص يدعى محمد ربيع السيد فرج.

وفقا لتحريات قطاع الأمن الوطني، واصلت كتائب الردع الإخوانية نشاطها العدائي، حتى يوم 5 فبراير 2014 وهو التاريخ المرتبط بتطور العمل المسلح داخل جماعة الإخوان، وخلال الفترة بين التأسيس والاندماج في التنظيمات التي استحدثها التنظيم بعد التاريخ المذكور، ارتكب أعضائها عدة عمليات إرهابية على مستوى الجمهورية كانت الوقائع في مدينة المنصورة إحداها.

مسلحون يتبعون الإخوان
مسلحون يتبعون الإخوان

 

التوثيق الأمني لنشاط كتائب الردع يذكر تسلسلا أنهم في 7 أغسطس 2013 اعتدوا على "السيد العيسوي" بسلاح ناري أدى لإصابته بشلل نصفي، وفي 13 أغسطس استهدفوا مجموعة من المواطنين في ميدان الثورة بالمنصورة عن طريق إطلاق النيران عليهم من سيارة.

عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة بيومين في 16 أغسطس، اعتدت كتائب الردع على المواطنين في حي بولاق أبو العلا التابع لمحافظة القاهرة، وظهر أعضائها يحملون الأسلحة الآلية أعلى كوبري 15 مايو، ثم توجهوا نحو قسم شرطة الأزبكية لاقتحامه بالقوة، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل بعد تدخل قوات الجيش.

 وفي 20 أكتوبر نفذوا عملية اغتيال بحق محمد ربيع السيد فرج، الذي اتهموه بتمويل وتحريض السيد العيسوي على قتل فتيات الإخوان اللاتي كان أبرزهن هالة أبو شعيشع.

وفي ديسمبر 2013 نفذت استهدفت كتائب الردع المدعو محمد جمال محمد العيسوي، حيث ذكر في روايته بتحقيقات النيابة العامة أنه أثناء سيره بالطريق الذى اعتاده مستقلا دراجته البخارية، باغته خمسة أشخاص ملثمين يحرزون أسلحة آلية ويستقلون سيارة صدموا دراجته بها، ثم ترجل نحوه اثنين انهالوا عليه بالضرب بواسطة "سوط" بعد سقوطه أرضا، وعند محاولته الهرب بالهرولة نحو حي شرق المنصورة تتبعه قائد المجموعة الإخواني " عامر مسعد عبده عبد الحميد" وطعنه بسكين في ظهره ورأسه، إلا أنه تم ضبطه من قبل الأهالي.

◄خريطة انتشار أعضاء حركة حسم الإرهابية في المحافظات

 

نهاية كتائب الردع

مع بداية شهر فبراير 2014 دخل الصدام بين جماعة الإخوان ومؤسسات الدولة مرحلة أكثر تطورا، إذ اتخذ قيادات التنظيم قرارا بحل مجموعات الردع التي انكشفت للأجهزة الأمنية بعد سقوط أعضائها في المحافظات، لتأسيس جناح مسلح يحمل اسم "لجان العمليات النوعية" التي نتناولها في الحلقة القادمة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق