المتحف الكبير يفتح ذراعيه أمام عشاق الحضارة الفرعونية والهوية المصرية

السبت، 08 نوفمبر 2025 09:45 م
المتحف الكبير يفتح ذراعيه أمام عشاق الحضارة الفرعونية والهوية المصرية
محمد فزاع

إقبال تاريخى على زيارة الهرم الرابع.. وقاعات الفرعون الذهبي توت عنخ آمون ومتحف مراكب الملك خوفو تبهر الزوار

مصر تستعيد زمام المبادرة في صياغة صورتها الحضارية أمام العالم.. وتوقعات باستقبال 15 ألف زائر يومياً و5 ملايين سنوياً

 

بافتتاحه العالمى والأسطورى، السبت الماضى، أصبح المتحف المصري الكبير يمثل نقلة حضارية غير مسبوقة، إذ ينتقل مركز الثقل الأثري من ميدان التحرير حيث يقف المتحف المصري بالتحرير الذي افتتح عام 1902، كأقدم متحف أثري في الشرق الأوسط، إلى موقع استراتيجي جديد على مشارف الهضبة التاريخية بجوار أهرامات الجيزة، حيث يمثل المتحف الكبير مشروعاً قومياً ضخماً يضيف لمصر واجهة ثقافية عالمية، تجمع بين عبق التاريخ المصري القديم وروح التطوير والحضارة الحديثة؛ ليكون صرحاً يليق بمكانة مصر وتاريخها الممتد عبر آلاف السنين.

المتحف الجديد يمتد على مساحة 500 ألف متر مربع، مما يتيح تجربة واسعة تجمع بين الحداثة وروعة الآثار المصرية، كما يتفوق في عدد القطع الأثرية بما يتجاوز 170 ألف قطعة، وأكثر من 100 قاعة عرض، بالإضافة إلى عرضه الكامل لأول مرة لمجموعة الملك توت عنخ آمون، التي تضم أكثر من 5000 قطعة أثرية تُعرض كاملة منذ اكتشاف المقبرة عام 1922، بعد أن كانت تُعرض جزئياً فقط في المتحف المصري بالتحرير، ويؤكد الدكتور الطيب عباس الرئيس التنفيذي لهيئة متحف الحضارة إن من أهم القطع الأثرية المعروضة في المتحف المصري الكبير بعد جناح "توت عنخ أمون "، مجموعة تماثيل "تل الفرخة" التي تمثل وتجسد أول فكرة حاكم لمصر، وتمثال الملكة "حتشبسوت"، مشيراً إلى أن لجان علمية متخصصة من الأثريين والمرممين وأساتذة الجامعات اختارت المجموعات الأثرية التي تضمنها المتحف المصري الكبير.

ومع فتحه الرسمي امام الجمهور، بداية من الثلاثاء الماضى، يتوقع أن يشهد المتحف المصري الكبير إقبالاً عالمياً واسعاً، مع استقبال ما يقرب من 15 ألف زائر يومياً، أي ما يتجاوز 5 ملايين زائر سنوياً، بينما تجاوز عدد زوّار متحف التحرير منذ افتتاحه حاجز 100 مليون زائر.

وشهد المتحف اقبالا كثيفا مع فتح الزيارة أمام الجمهور من المصريين والأجانب بعد الافتتاح الرسمي للمتحف، حيث بلغ عدد الزائرين في اليوم الأول للافتتاح أمام الجماهير، نحو 18 ألف زائر من المصريين والأجانب وفقًا لسجلات الحجز والتذاكر، وذكر بيان لوزارة السياحة والآثار، أن المتحف شهد أيضا حضورًا مكثفًا لوسائل الإعلام المحلية والدولية التي جاءت خصيصًا لتغطية هذا الحدث العالمي، وأعرب الزائرون عن انبهارهم بالتصميم المعماري المتميز للمتحف ومساحاته الواسعة وقاعاته الفريدة لاسيما تلك الخاصة بالملك الذهبي وسيناريو العرض المتميز الخاص به، وتجربة الزيارة المتكاملة، والتي تتضمن القاعات المتحفية والمرافق والخدمات الثقافية والترفيهية المصاحبة، مؤكدين أن المتحف يمثل إضافة حضارية غير مسبوقة لمكانة مصر السياحية والثقافية عالميًا.

وأكد المهندس أيمن هيكل، مدير مشروع المتحف المصري الكبير، أن افتتاح المتحف يمثل نصرًا كبيرًا لمصر ولجميع العاملين في هذا المشروع الضخم، مشيرًا إلى أن المتحف يعد خطوة كبيرة نحو الحفاظ على التراث المصري وتقديمه للعالم بطريقة تليق بقيمته الثقافية الفريدة، موضحاً أن جميع القطع الأثرية التي دخلت إلى المتحف المصري الكبير قد خضعت لعدة مراحل دقيقة من الترميم في مركز الترميم التابع للمتحف، حيث تم إجراء فحوصات شاملة لكل قطعة لتحديد نقاط الضعف فيها ومعالجة أي مشاكل موجودة، وأن كل قطعة تم التعامل معها بشكل منفرد، وبدأنا ندرس كل حالة على حدة ونحدد الطريقة الأنسب للتعامل معها.

فبعد انتظار دام نحو 20 عاما، يستطيع عشاق الحضارة الفرعونية اليوم أن يزوروا المتحف المصري الكبير، ليكتب فصلا جديدا في علاقة المصريين بحضارتهم الممتدة عبر سبعة آلاف عام، فعند سفح الأهرامات، حيث يقف الزمن مبهورا بعظمة المصري القديم، تتلألأ الواجهات الزجاجية العملاقة للمتحف، وتعكس إشراق شمس القاهرة على أكبر مشروع ثقافي في تاريخ مصر الحديث، وأحد أضخم المتاحف الأثرية في العالم.

منذ لحظة دخول الزائر إلى الساحة الأمامية، يجد نفسه في مواجهة تمثال رمسيس الثاني المهيب، الذي استقبل المارة لعقود في قلب القاهرة قبل أن ينتقل ليستقر في مكانه الجديد كحارس على بوابة التاريخ، ثم يأتي الدرج العظيم، قلب المتحف وروحه.. سلالم فسيحة تصعد بك وسط تماثيل ضخمة لملوك مصر، بينما الأهرامات تلوح أمامك من خلف الزجاج في مشهد لا ينسى. إنه طريق صاعد نحو الزمن الجميل، ممر بين الماضي والحاضر، بين الحجر والسماء.

 

دمج الفن بالتكنولوجيا

المتحف يقدم المعروضات داخله برؤية حديثة تدمج بين التكنولوجيا والفن، حيث تستعين قاعاته بالوسائط التفاعلية والعروض الرقمية ثلاثية الأبعاد التي تتيح للزائر أن يعيش تجربة غامرة لا تشبه أي زيارة متحفية تقليدية، كما يحتوي المتحف على مركز للترميم يعد من الأكبر في الشرق الأوسط، جهز بأحدث التقنيات العالمية التي تسمح بإجراء أبحاث علمية دقيقة في صيانة الآثار وحفظها.

ويقول الدكتور حسين كمال، مدير عام مركز ترميم الآثار بالمتحف المصري الكبير، إن المركز مبني على 32 ألف متر مربع، ويضم م 150 مرمما تم تدريبهم على أعلى مستوى داخل وخارج مصر، إلى جانب الخبرات التراكمية التي اكتسبوها من خلال تعاملهم مع 57 ألف قطعة أثرية داخل المركز، مؤكدا أن المركز لن يكون حكرا على الأثريين والمتخصصين فقط وسيتم افتتاحه للسياح والزائرين لمشاهدة عمليات الترميم كجزء من سياسة المتحف لنشر المعرفة العامة لدى الجمهور بالجهود الكبيرة المبذول لترميم القطع الأثرية.

كما أكد الدكتور عيسى زيدان المدير التنفيذي للترميم ونقل الآثار بالمتحف الكبير، أنه تم ترميم 57 ألف قطعة أثرية بالمتحف بسواعد مصرية خالصة، موضحاً أن "كل القطع الأثرية المعروضة في المتحف المصري الكبير تم ترميمها؛ حيث كان هناك عمل شاق وتحديات كبيرة جدا في بعض الآثار ذات الطبيعة الخاصة ومعقدة التركيب مثل مقاصير الملك توت عنخ آمون والتي تم ترميمها وعرضها في القاعتين الخاصتين بالملك بمساحة 7500 متر مربع وتضمان حوالي 5 آلاف قطعة أثرية، كما سيتم عرض قطع تخص الملك لأول مرة مثل الأجنة والتابوت الخارجي المذهب الذي كان داخل المقبرة ولم تكن معروضة في أي متحف.

وأكد زيدان أن مراكب الملك خوفو هي أقدم مراكب على الكون وأطول آثار عضوية موجودة حاليا، وتم الكشف عنها عام 1954 وتم ترميم المركب الأولى وعرضها في متحف خاص بها في منطقة الهرم ونقلها بسواعد مصرية لتكون أثرا نوعيا متخصصا بالمتحف المصري الكبير، مشيراً إلى أن عملية ترميم المركب الثانية اتسمت بصعوبة كبيرة نظرا لحالة المركب، وهي من أكبر مشاريع الترميم الآن في العالم؛ حيث سيتم تجميعها وترميمها لتقديم تجربة فريدة في مدة تصل حوالي 3 سنوات.. موضحا أن عملية الترميم ستكون في تجربة حية أمام الزائرين داخل المتحف المصري الكبير.

ويقول القائمون على المشروع، إن افتتاح المتحف أمام الجمهور يمثل ذروة جهد استمر لأكثر من عشرين عاما، شارك فيه آلاف الخبراء والمهندسين والعمال المصريين، بدعم دولي وشراكات علمية مع كبرى المؤسسات المتحفية في العالم، وبذلك يتحول المتحف إلى رمز ليس فقط للحضارة القديمة، بلا أيضا لقدرة المصريين على صنع معجزات معاصرة بحجم التاريخ نفسه.

 

افتتاح اسطورى بمشاركة عالمية

ومساء السبت الماضى، شهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، والسيدة انتصار السيسي، قرينة رئيس الجمهورية احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير، بمشاركة ما يقارب الثمانين وفداً مُمثلاً لمختلف دول العالم، بالإضافة لحضور واسع لمُمثلي عدد من المنظمات الإقليمية والدولية، وكبرى الشركات العالمية، واستقبل الرئيس رؤساء الوفود من أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسعادة المشاركين في الاحتفالية، التي بدأت بعرضٍ فني بعنوان "العالم يعزف لحناً واحداً"، أعقبه عرض "الليزر والدرونز"، والذي شرح نظرية "حزام اوريون"، وعلاقة بناء المتحف المصري الكبير بالأهرامات، ليأتي من بعده عرض فني بعنوان "رحلة سلام في أرض السلام"، تخلله مشهد فني عن إبداع المصريين في البناء بداية من بناء هرم زوسر حتى البناء في العصر الحديث، ليستمع الحضور لأغنية قبطية، وإنشاد صوفي، ثم عرض آخر بالدرونز يظهر عبارة "الحضارات تزدهر وقت السلام".

وخلال الاحتفالية القى الرئيس السيسى كلمة، بدأها مرحباً بالضيوف على "أرض مصر، أقدم دولة عرفها التاريخ، هنا؛ حيث خطت الحضارة أول حروفها، وشهدت الدنيا، ميلاد الفن والفكر والكتابة والعقيدة"، مشيراً إلى أن مصر القديمة ألهمت شعوب الأرض قاطبة، ومن ضفاف النيل، انطلقت أنوار الحكمة لتضىء طريق الحضارة والتقدم الإنسانى، معلنة أن صروح الحضارة، تبنى في أوقات السلام وتنتشر بروح التعاون بين الشعوب.

وأشار الرئيس السيسى إلى ان الاحتفال بافتتاح المتحف المصري الكبير، فإن مصر تكتب فصلاً جديداً، من تاريخ الحاضر والمستقبل، في قصة هذا الوطن العريق، فهو أكبر متحف في العالم، مخصص لحضارة واحدة، حضارة مصر التي لا ينقضى بهاؤها، لافتاً إلى أن "هذا الصرح العظيم، ليس مجرد مكان لحفظ الآثار النفيسة، بل هو شهادة حية، على عبقرية الإنسان المصري الذى شيد الأهرام، ونقش على الجدران سيرة الخلود.. شهادة؛ تروى للأجيال قصة وطن، ضربت جذوره فى عمق التاريخ الإنسانى، ولا تزال فروعه تظلل حاضره، ليستمر عطاؤه فى خدمة الإنسانية".

وأكد الرئيس السيسى، أن "المتحف المصرى الكبير صورة مجسمة تنم عن مسيرة شعب، سكن أرض النيل منذ فجر التاريخ، فكان ولايزال الإنسان المصرى؛ دءوباً، صبوراً، كريماً بناء للحضارات، صانعا للمجد، معتزا بوطنه، حاملا راية المعرفة، ورسولا دائما للسلام، وظلت مصر على امتداد الزمان واحة للاستقرار، وبوتقة للثقافات المتنوعة، وراعية للتراث الإنسانى".

ودعا الرئيس السيسى، الحضور إلى أن يجعلوا "من هذا المتحف منبرا للحوار، ومقصدا للمعرفة، وملتقى للإنسانية، ومنارة لكل من يحب الحياة، ويؤمن بقيمة الإنسان".

وبعد الكلمة الرئاسية، توجه الرئيس السيسى إلى مكان تواجد مجسم المتحف المصري الكبير، حيث تفضل بوضع القطعة الأخيرة باسم مصر لاكتمال المجسم إيذاناً بافتتاح المتحف، بالتزامن مع الإعلان على أن كل ملوك ورؤساء وأمراء الدول الشقيقة والصديقة قد تلقوا نموذجاً مصغراً للمتحف وقطعة تحمل اسم كل دولة، ليعقب ذلك سرداً لحكاية المتحف المصري الكبير، ثم فقرة استعراضية غنائية بعنوان "الملك رمسيس الثاني"، وعرض غنائي عن الآثار الغارقة بالإسكندرية، ثم عرض الدرج العظيم، واستعراض مقتنيات المتحف المصري الكبير، وعرض النيل، الذي أظهر مدى الترابط العميق بين النيل والشعب.

واختتمت الاحتفالية بعروض مركب خوفو "مراكب الشمس"، والملك "توت عنخ آمون"، والذي أبرز دور الفتى الصغير حسين عبد الرسول في اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، ثم عرض ختامي باستخدام الإضاءة والألعاب النارية وعروض الليزر، وجولة تفقدية للدرج العظيم وقاعة توت عنخ آمون.

 

إعادة الهوية المصرية لمكانتها المستحقة في وجدان العالم

وبافتتاح المتحف المصرى الكبير، تتجاوز القاهرة حدود الاحتفال الثقافي لتخطو إلى ما هو أبعد وهو "إعلان سيادة على الذاكرة الإنسانية"، فالمتحف في جوهره ليس مجرد صرح أثري أو مشروع سياحي بل يعد تتويجا للسيادة الرمزية للدولة المصرية وتجسيدا لرؤية الرئيس السيسي في بناء وعي جديد يعيد للهوية المصرية مكانتها المستحقة في وجدان العالم، فمنذ توليه المسؤولية، أكد الرئيس السيسي أن الوعي هو أساس بقاء الدولة، وأن معركة مصر الحقيقية هي معركة الوعي والهوية، لا تقل شأنا عن معركة التنمية والبناء.. ومن هنا جاءت فلسفة الجمهورية الجديدة التي لا تعيد بناء العمران فقط، بل تبعث روح الإنسان المصري بثقة وإيمان.

ويأتي المتحف المصري الكبير ليجسد تلك الفلسفة في أبهى صورها كمرقد للوعي القومي وبعثه الجديد ومركزاً لتجديد العلاقة بين المواطن وتاريخه، وبين الماضي والمستقبل، وبين مصر والعالم. فالمتحف الكبير لا يمثل إنجازاً أثرياً فقط، بل رسالة سياسية رمزية تؤكد أن مصر تمتلك سرديتها الحضارية، وتفرضها بثقة على الوعي الدولي في وقت تتنافس فيه الأمم على الهوية والمعنى والرمز، وجاءت مشاركة قادة ومسؤولي كبريات الدول في حفل الافتتاح لتعكس إدراكاً عالمياً بأن مصر تستعيد زمام المبادرة في صياغة صورتها الحضارية أمام العالم، بعد أن ظلت لعقود موضوعاً للقراءة من الخارج.

وأكد شريف فتحي، وزير السياحة والآثار أن افتتاح المتحف المصري الكبير لحظة تاريخية ستغير الخريطة الثقافية، موضحاً أن الافتتاح سينعكس ايجابا على أعداد السائحين، حيث تشير التوقعات إلى أن أعداد السائحين هذا العام ستصل إلى نحو 18 مليون سائح، موضحاً أن أعداد الزائرين للمتحف خلال فترة التشغيل التجريبي بلغت خمسة آلاف زائر يوميا، متوقعا زيادة هذا العدد بعد الافتتاح الكامل، ودعا المصريين إلى زيارة المتحف للتمتع بآثار الأجداد، منوها بأن أسعار التذاكر في متناول الجميع، ولفت إلى أنه سيتم تنظيم زيارة المتحف مع الإقبال الشديد المتوقع، خاصة في ظل الحجز الإلكتروني للتذاكر، موضحا أنه سيتم تنظيم زيارات الرحلات المدرسية، سواء المجانية او المدفوعة، نظرا لأن استيعاب المنطقة محدود.

وأشار إلى أن هناك مخططا عاما لتنمية المنطقة المحيطة، كاشفا عن أن هناك ترتيبا لخطط الدعاية العالمية للمتحف في الفترة القادمة استكمالا لما تم في الفترة الماضية، قائلا: "إن السائح سيكون هو خير سفير للمتحف عند عودته لبلاده".

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق