خبراء: الإعلام «شريك أساسي» في انتشار التطرف.. يمدح ويمجد ويدعم.. وأصبح عبئا على الدولة
الأربعاء، 14 ديسمبر 2016 04:42 م
بعد حادث الكنيسة البطرسية ومشاهد الدم الصادمة، تساءل الكثيرون عن أسباب ذلك العنف، والمسؤول عن زرع بذور التعصب في نفوس الشباب، وكان الإعلام أبرز من أُلقي عليه بسهام النقد، ووُجهت إليه اتهامات كثيرة بعدم القيام بدوره في مواجهة الفكر المتطرف، حتى إن بعض الخبراء والمتخصصين اعتبروا أن الإعلام شريك في الأحداث الإرهابية؛ لتقاعسه عن القيام بدوره من جهة، ومن جهة أخرى، إتاحته الفرصة لشيوخ السلفية والمتشددين لتقديم الفتاوى التي تدفع بالشباب المغيب لاعتناق الفكر المتطرف.
الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة، قال إن دور الإعلام في محاربة الأفكار تراكمي وليس مباشرا، على اعتبار أن مواجهة أفكار التمييز والعنصرية تحتاج إلى فترة زمنية، ولا تأتي بطرق أحادية، ولكن يجب أن تتضافر كل الجهود لعملية إزالة الفكر العنصري والعنيف وإحلال أفكار تدعم الحوار وقبول الآخر واحترام كل اختلاف.
وأضاف "العالم" أن الإعلام يقدم نماذج تؤثر بشكل مباشر على الأفراد، لذلك فهو أمانة ومسؤلية، معتبرًا أن الإعلام المصري لا يستحق هذه الأمانة وليس على قدر المسؤلية، لكونه يقدم وجهة نظر أحادية، مثل القرارات الاقتصادية الجديدة التي تناولها من خلال طرف واحد يمدح ويمجد ويدعم، وليس من خلال جميع وجهات النظر، ما يُعد فشلا مهنيا، على حد تعبيره.
ويشير "العالم" إلى أن أحد مظاهر هذا الإخفاق حينما يطل علينا أحد الإعلاميين ويقول "أنا مبحبش الناس دي، ولا أحب اتعامل معاهم" والسؤال المطروح هنا: "حضرتك مين أداك السلطة دي يا حبيبي؟ هل أنت الوحيد الذي تنتمي للوطن وتحبه، كما أن هذه اللغة تعتبر نوع من بث روح الكراهية. لذلك فأنا أفضل آراء بعض المعارضين المستنيرين والموضوعيين أكثر من المؤيدين علي طول الخط لأن هؤلاء المؤيدين بدون فكر يربحون ماديًا والنظام يخسر بفعل ما يقدمونه، كما أن آراءهم دفعت المواطنين المؤيدين للتحول عن تأييد الحكومة والنظام الحالي بسبب استخفافهم بعقول المشاهدين"، وتابع: "الأفضل والأكثر واقعية هو إعلاء ثقافة الاختلاف والتنوع في كل قضية ومشكلة".
ويقول الدكتور أحمد مجدي الساعاتي، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة، إن مواجهة الفكر المتطرف والمتشدد يحتاج إلى مصادر متعددة لنقل السلوكيات التي تعلي قيم حقوق الإنسان وتنمي الوعي العام، والإعلام أحد أهم هذه المصادر التي تعرض وتقدم معلومات واتجاهات تشكل فكر المتلقي وتؤثر فيه بصفة كبيرة.
ويشير "الساعاتي" إلى بعض نماذج الأعمال التي تقدم عبر شاشات التلفزيون من أفلام أجنبية أو محلية تتناول أشكال العنف التي تقدم محاكاة لدى الجمهور، قد ترسم ذوقه العام وتجعله يميل ويدمن هذه المشاهد ويعتاد عليها وتؤثر على مزاجه وميوله، ليس فقط من خلال الأفلام بل من خلال الأخبار وبرامج التوك شو، التي أصبحت، وبشكل غير مفهوم، تعرض بعض النماذج من الضيوف المختلفين الذين يصل الأمر بينهم إلى حد الاشتباك والتراشق بالألفاظ والاتهامات أو حتى الاعتداء بالأيدي لمجرد الاختلاف في الرأي ووجهات النظر، مستدركا: "حتى من يتفقون في الآراء نجد أن مستوى الصوت يعلو فيما بينهم وكأنهم في مشاجرة برغم الاتفاق، ولكن كلًا منهم يتسارع ليعرض رؤيته".
ونوه "الساعاتي" إلى أن الإعلام نظرًا لخطورة دوره يحتاج إلى خطة محددة ومرسومة تستهدف توعية المواطنين، بالتزامن مع تجديد الخطاب الثقافي والديني، كما أن عليه طرح موضوعات وأفلام هادفة تعلي القيم الإنسانية واحترام الآخر. وتابع: "ألوم على مقدمي أفلام الأكشن وحتى الأخبار اليومية التي تعرض طرق ارتكاب الجرائم من المتهمين والجماعات المسلحة في سوريا وليبيا وحتى داعش؛ لأن هذا من شأنه ترسيخ صور الدم والعنف والقتل لدى الإنسان وتجعله يعتاد عليه وتغير من سلوكه".
وقال الساعاتي إن اختفاء الآخر، خاصة من الأقباط، يجعله مجهولا لدى المواطن، مستدركا: "كنا نشاهد في الأعمال الدرامية في السابق الجار والصديق القبطي، فأصبح ذلك مهمشا تمامًا اليوم".
وقال الإعلامي حمدي الكنيسي، رئيس هيئة الإذاعة الإسبق، إن الإعلام يقع عليه دور كبير في توعية الناس، ومسؤول بشكل كبير عن أحداث العنف الآن، مضيفا: "بعض القنوات، خاصة التي ظهرت خلال حكم الجماعة الإرهابية، خلقت مناخًا من التضليل والتعصب الفكري والديني لدى الشباب، والتي أفردت مساحة من البث لفتاوى شيوخ متشددين من السلفيين وغيرهم شجعت مثل هذا الشاب المغيب ليفجر نفسه داخل الكنيسة البطرسية".
ونوه "الكنيسي" إلى أن الأمر يحتاج إلى قرارات سيادية حاسمة ضد أي قناة تعرض فتاوى هؤلاء، كما أن الإعلام منوط به أن يتابع قرار الرئيس الذي أوصى بتصويب الخطاب الديني وإلقاء الضوء على آليات التنفيذ بكل شفافية، وليس هذا من خلال الأزهر ودور العبادة فحسب، بل حتى من خلال أساتذة الاجتماع والفن والثقافة والتعليم.