الاقتصاد الموازي في مصر والمليارات المهدرة على الدولة

السبت، 02 ديسمبر 2017 10:00 ص
الاقتصاد الموازي في مصر والمليارات المهدرة على الدولة
عادل السنهورى يكتب:

فى الشوارع الخلفية تنتشر عربات الفول ويتحلق حولها المئات يويما لتناول فطورهم.. على طول الشوارع فى القاهرة والجيزة والمدن الكبرى ينتشر منادى السيارات أو "السياس".. مصانع بير السلم تنتشر فى كل أنحاء مصر.

الباعة الجائلون وغيرهم.. هذه نماذج من الاقتصاد العشوائى أو الأسود -كما يطلق عليه بعض الخبراء- والذى اعترف به المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، قبل سفره للعلاج وقدره بحوالى 1.8 تريليون جنيه تقديرات حجم الاقتصاد غير الرسمى الآن، ونسعى لدمجه بالاقتصاد الرسمى.

منذ سنوات ونحن نسمع عن قوانين وتشريعات سوف تصدرها الحكومة لدمج الاقتصاد الموازى فى الاقتصاد الرسمى وتوفير مليارات الجنيهات المهدرة لميزانية الدولة وتشجيع أصحاب هذا النوع من الاقتصاد للاندماج من خلال مجموعة من القوانين والامتيازات التى يحصل عليها أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة من العاملين فى القطاع غير الرسمى، بهدف الدخول فى دائرة الاقتصاد الرسمى.

والحقيقة ليس هناك دولة ترى مواردها مهدرة وتقف صامتة دون السعى لتوفيرها وتوظيفها وليس هناك دولة تسعى للنمو يمثل حجم الاقتصاد غير الرسمى فيها 60% من اقتصادها الكلى، ويقصد به الاقتصاد الذى يديره ملايين العاملين فى قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات من غير الملتزمين بالنظم والقوانين ولا يدفعون الضرائب عن أعمالهم ولا يخضعون للأجهزة الرقابية المختلفة. 

ربما تبدو الأرقام متضاربة بين ما ذكره رئيس الوزراء، واتحاد الصناعات المصرى، الذى قدر فى دراسة له أرسلها الى مكتب رئيس الحكومة الاقتصاد غير الرسمى بحوالى 2.2 تريليون جنيه، يمثل حجم الضرائب المقرر عليها 330 مليار جنيه قيمة الضرائب ومهدرة على خزينة الدولة، وتذكر الدراسة أن هناك 47 ألف مصنع «بير سلم» تعمل خارج مظلة الاقتصاد الرسمى و1200 سوق عشوائية منتشرة بمحافظات الجمهورية.

للأسف الدراسة تم إعدادها وإرسالها إلى المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء السابق، وحتى الآن لم تنتبه إليها الحكومة رغم تضمنها لحلول لمشكلة الاقتصاد الموازى وتنقذ الحكومة من أزمة الاقتراض الخارجى والداخلى لتدبير موارد لتمويل متطلبات زيادة الأجور وزيادة الإنفاق على الخدمات وسد عجز الموازنة أو فرض ضرائب جديدة.

من بين الموارد الأخرى المهدرة على الدولة هى العقارات..  فهناك ما يقرب من 25 مليون عقار غير مسجل منها سوى 8% فقط، وتبلغ القيمة السوقية لتلك العقارات 295 مليار دولار، أى ما يعادل 5 تريليون جنيه مصرى، بالإضافة لمخالفات المبانى سواء التوسع الأفقى أو الرأسى على المبانى القائمة أو البناء على الأراضى الزراعية.

الاقتراحات والحلول كثيرة وتحتاج إلى إرادة حقيقية لاستيعاب هذا النشاط وهذه الأموال فى اقتصاد الدولة الرسمى منها أنه يجب ألا ينظر إلى إصلاح الاقتصاد غير الرسمي من منطق الجباية وتحسين الحصيلة الضريبة للبلاد فقط، ولكن لا بد من الأخذ في الاعتبار أن هذا القطاع يعد المشغل الأكبر في سوق العمل المصري.

فحسب دراسات أجريت منذ سنتين، تبين أن الاقتصاد غير الرسمي يوظف نحو 73% من الداخلين الجدد إلى سوق العمل المصري، وبالتالي لا بد من إشراك العاملين في هذا القطاع والاستماع إليهم في الإجراءات التي يقترح أن يتم التعامل بها معهم لضمهم إلى الاقتصاد الرسمي.

تيسير إجراءات الترخيص، وخفض الرسوم الخاصة بمنشآت الاقتصاد غير الرسمي، حتى يتسنى لهذه المنشآت أن تنضم إلى الاقتصاد الرسمي، وتقديم بعض الحوافز من قبل الحكومة، مثل تخفيض التأمينات الاجتماعية للعاملين بنسبة 30 إلى 50%، على أن تتحمل الحكومة من موازنتها هذه التخفيضات، وعلى أن تكون لفترات محددة، حتى يتم تشجيع هذه المؤسسات على توفير حماية للعاملين لديها على الجانب الصحي والاجتماعي.

تخفيض هوامش الضرائب على أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل غالب نشاط الاقتصاد غير الرسمي، حتى يتمكن أصحاب هذه المنشآت من الانتقال إلى الاقتصاد الرسمي، وأن تتوفر خدمات مصلحة الضرائب ومأموريها بالأسواق التي تنتشر فيها أنشطة الاقتصاد غير الرسمي، وتتبع أطراف التعامل فيها حتى يمكن ضمهم إلى المجتمع الضريبي.

وهناك عامل نفسى مهم وهو إيصال رسالة إلى العاملين بالاقتصاد غير الرسمي، بأن الدولة ليست ضدهم وأنها لا تطاردهم، ولكنها تسعى لتقنين وضعهم وإدخالهم إلى منظومة الاقتصاد القومي، وأنها ستكون في خدمتهم عبر أجهزتها ومؤسساتها المتعددة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق