سيناء جبهة الحرب الباردة

الأحد، 24 ديسمبر 2017 02:51 م
سيناء جبهة الحرب الباردة
هشام السروجي يكتب:

لا أنكر أن مشاهدتي للمشروعات التي تلامس رمال سيناء لها واقع خاص في وجداني، لما تمثله أرض التين والزيتون من رمزية وطنية وعقائدية في ضميري، وبالأمس حين شاهدت هذه الحفارات العملاقة تشق طريقها إلى من شرق القناة إلى غربها، تيقنت أن عقيدة الدولة تجاه سيناء أصبحت أكثر نضوجًا ووضوحًا وصارمة، بعد أن امتلأت آذاننا وعودًا براقة بتعمير سيناء والاستثمار في عنصرها البشري.

النضوج تجاه سيناء أصبح ضرورة حتمية في ظل مرحلة من أصعب المراحل في تاريخ الوطن، مرحلة نخوض فيها حرب مسلحة على الجبهتين الشرقية والغربية، فضلًا عن حرب باردة أشد وطأة وخطورة، الأمر الذي فرض على مؤسسات الدولة المصرية معالجة قضايا الأمن القومي بطريقة مباشرة لا تتحمل التأويلات، وكان من الضروري أن تتبلور المواجهة في خطوات واضحة تبدأ بخلق عمق استراتيجي على الحدود الشرقية، متمثلًا في زيادة الكتلة السكانية والمشاريع التنموية والاستثمارية، وتحويل سيناء إلى مركز تجاري وصناعي عالمي، يستقطب رأس مال متعدد الجنسيات، يفرض واقعًا مصريًا جديدًا تحميه المصالح الدولية التي تحمي مصالحها داخل وخارج حدودها.

المشهد في الشرق الأوسط أصبح من البساطة لأن يراه كل ذي وعي، ومن التعقيد أن يحلله أكثر المحللين احترافية ويخرج منه بنتائج وتوصيات، لكن المؤسسات المصرية أثبتت على مدار الـ7 سنوات الماضية، أنها كانت ذات رؤية ثاقبة لمستقبل المشهد الشرق أوسطي، ولنعود إلى موقفها من الأزمة السورية الذي لم يتزحزح منذ اندلاع موجة الربيع العربي، وأثبت أنه مبني على حسابات دقيقة أجبر المجتمع الدولي لطرحه كحل وحيد للخروج بدمشق من المجهول، وهي الرؤية التي استطاعت باقتدار حل شفرة الخلاف "الفلسطيني-الفلسطيني" والجلوس على طاولة المصالحة وإنجاحها رغم كل العقبات التي واجهة هذا الملف، الرؤية امتدت إلى خوارزمية ليبيا لتحصد تأييد دولي على صحة التحركات وجدواها في استعادة التوازن الليبي وتمكين المؤسسات الشرعية من إدارة شؤون البلاد والقضاء على الصراعات المسلحة والتواجد الأصولي المتطرف.

 قراءة شديدة العمق في المشهد الأفريقي مكنت الدولة المصرية من أن تكون الضامن لمصالحة تاريخية للجنوب السوداني الذي عانى من ويلات الصراع، لتستعيد مصر تأثيرها في العمق الإفريقي، وفي العراق ولبنان وغيرهم، أثبتت المؤسسات المصرية أنها الوحيدة القادرة على استشراف المستقبل تحليله والخروج بتوصيات الحلول الوحيدة الواقعية، في ظل فشل القوى العالمية في طرح حلول حقيقة.

هذه الرؤية التي أيقنت أن التنمية في سيناء هي المستقبل الآمن الذي يحمي الأمن القومي المصري من مخاطر قاب قوسين أو أدنى من التحقيق، وليست تنمية آتيه من رفاهية رغد العيش، سيناء هي المستقبل والآمان لو أرادنا مستقبلًا قادرًا على التصدي أمام التحديات المكبلة للمنطقة، في وقت فرضت فيه معادلات القوة إعادة رسم خريطة العالم بحدود تتحكم فيها أدوات القوة وليست خطوط الطول ودوائر العرض.

يجب التعامل مع سيناء على أنها ترمومتر نجاح النظام السياسي الحاكم، فإن كل حجر يُبني في سيناء هو درع صاروخي رادع لأي عدوان مستقبلي، وأن تعليم طفل سيناوي هو ضم جندي فدائي إلى صفوف الجيش المصري، وأن كل مدرسة ومستشفي ووحدة سكنية هم عمق استراتيجي يربك أي مخطط هدام يستهدف تراب الوطن.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق