الأذان وغوغائية التدين

الثلاثاء، 26 ديسمبر 2017 09:51 م
الأذان وغوغائية التدين
أحمد نجيب كشك يكتب:

حينما نتكلم عن الأذان في مصر لابد أن نقر حقيقة لا جدال فيها ألا وهي سوء صوت وأداء معظم القائمين على الأذان في معظم مساجدنا اللهم إلا المساجد الكبيرة والمعروفة فقط في كل مدينة أو قرية فهي فقط من تنال الحظ من مقيمي الشعائر أصحاب الأصوات الندية والأداء المنضبط، وليس هذه المشكلة فقط التي ترتبط بالأذان بل يقترن بذلك ارتفاع أصوات الميكروفونات بدرجة عالية جدا تكاد تصم الآذان للقريب منها وخاصة في الشوارع الضيقة، وهذه الحالة قد وصفها الشيخ الشعراوي رحمه الله في لقاء له سئل فيه عن ذلك فقال: (غوغائية تدين)، ومن هذا المنطلق فأنا لا أختلف مع من يشكوا من ازعاج هؤلاء بأصواتهم وميكروفوناتهم الصاخبة خمس مرات يوميا وخاصة أننا أمام عبادة وشعيرة من شعائر الإسلام عظيمة يجب أن تمارس وتخرج للناس في أبهى وأحلى صورة لتؤلف قلوبهم وتكون دعوة لهم إلى الخير.
 
إن الأذان عبارة عن كلمات مخصوصة تعلن عن دخول وقت الصلاة في نداء يتكرر  خمس مرات في اليوم والليلة يبعث الأمل والطمأنينة ويجدد النشاط والقوة في قلوبنا وتعانق كلماته آذاننا وتشبع عقولنا بتوحيد ربنا تبارك وتعالي ، وقصة الأذان معروفة كما في ورد في كتب السنة والسيرة فقد كان المسلمون قبل الهجرة يصلون خفية في شعاب مكة نظرا لضعفهم واضطهادهم ، وحينما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة واستقر بها وبنى المسجد النبوي المبارك وأصبح المسلمون يجتمعون للصلاة فيه ، ولكن المشكلة كانت في كيفية اجتماعهم بدون أذان ينبههم لدخول وقت الصلاة مما قد يتسبب في تخلف بعضهم عنها، فتشاور النبي صلى الله عليه وسلم  مع أصحابه لإيجاد طريقة ينبه بها المسلمون لدخول وقت الصلاة ،فأشار بعضهم أن يرفعوا راية عند دخول وقت الصلاة فيراها الناس،وقال بعضهم نشعل ناراً على جبل أو منطقة عالية، وأشار آخرون باتخاذ بوق مثل الذي كانت اليهود تستعمله لصلواتهم أو استعمال الناقوس مثل النصارى ولكنه رفض صلى الله عليه وسلم ذلك حيث كان يحب مخالفة أهل الكتاب في عباداتهم، إلى أن أذن الله تبارك وتعالى وجاء عبد الله بن زيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره برؤية الأذان في المنام وصيغته وتوافقت رؤياه مع رؤيا عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعا، فأقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وأصبح للمسلمين نداءا خاصا بهم يجمعهم وقت صلاتهم ويعلمهم بدول وقت كل صلاة.
 
وقد وضع الإسلام شروطا وضوابطا للأذان والمؤذنين ، وما يهمنا هنا ما يخص المؤذن الذي يقوم على الأذان حيث لم يكن الشرط أن يكون المؤذن من كبار السن في المسجد أو قدامى رواده أو غير ذلك مما كنا وما زلنا نعاني منه في مساجدنا ، وإنما وضع الإسلام آدابا ينبغي أن يتصف بها المؤذن ،منها أن يكون على طهارة، وأن يؤذّن قائماً، وأن يستقبل القبلة، وأن يضع إصبعيه في أذنيه، وأن يلتفت يميناً وشمالاً بعنقه ولا يحول صدره عن القبلة عند قوله: (حي على الصلاة، حي على الفلاح)، وأن يرفع صوته بالأذان، وأن يتمهل في أذانه ويترسل ، وأهم من ذلك أن يكون المؤذن جهورياً حسن الصوت والأداء فقد روى أبو داود في سننه من حديث عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:" قُمْ مَعَ بِلَالٍ، فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ".
 
لكن للأسف ما نراه الآن في مساجدنا مخالفا لكل هذه الأداب والشروط ، حيث أن معظم المؤذنين غير مؤهلين لذلك ولا على علم أو دراية بفقه الأذان وآدابه ، مما تسبب في وقوع مخالفات عظيمة ومنكرة أنكرها الناس عليهم اليوم ،ومنها (اللحن) في الآذان والمقصود به أن ينطق كلمات الأذان نطقاً يتغير به معنى الكلام فتراه يمد الباء في( الله أكبر) فتصبح (أكبار)  لتغير المعنى فيصبح (الطبل)، أو يضيف حروف وكلمات من عنده كأن يقول (وأشهد أن محمدا رسول الله) فيضيف حرف كالواو قبلها، ناهيك عن رفع أصوات الميكروفونات بدرجة شديدة في شوارع ضيقة لا تحتمل هذا الصوت العالي من أكثر من مسجد أو زاوية في نفس المنطقة ، ويزيد الأمر سوءا مع وجود أطفال رضع ومرضى لا يتحملون ذلك خصوصا إذا صاحبه صوت مؤذن سيئ.
 
إن الأذان من شعائر المسلمين البائنة غير المخفية وهوعبودية لله تعالى، ولهذا ينبغي لمن يتصدر الأذان أن يعظم شعائر الله فيكون على علم ودراية بشروطها وآدابها  فيكون أداؤه سمحا وسهلا وغير متكلّف ولا ملحون ولا يمده مداً يخرجه عن المقصود منه أو يغير معناه ، وبعيدا عن (الأقدمية) أو كبر السن لابد من إتاحة الفرصة أمام الشباب وأصحاب الأصوات والأداء الطيب وتمكينهم من الأذان وربطهم به ، وليرحمنا من لا تنطبق عليهم هذه الشروط ولتكفيهم النية فقط لتحصيل الأجر العظيم للمؤذن اللهم إلا إن كان إصرارهم على الأذان للرياء والسمعة بين الناس نسأل الله السلامة ، وينبغي لوزارة الأوقاف تكثيف مجهوداتها في هذا النطاق وتعمل على توفير دورات تدريبية للمؤذنين تشدد فيها على كل ذلك لتخرج لنا جيلا من المؤذنين تنشرح بأصواتهم وأدائهم صدورنا.
 

 

تعليقات (1)
شكرا لحضرتك
بواسطة: عزيزة احمد
بتاريخ: الإثنين، 22 يناير 2018 07:30 م

بصراحة كان اول مرة اقرأ لحضرتك مقال وعجبنى جدا الكلام لانه ببساطة بيلخص وجهة نظرى انا كمان ...من فترة بسيطة انتشر فيديو للفنانة شيرين رضا بتتكلم بطريقتها حوالين نفس المعنى والفيديو انتشر على الفيسبوك وكانت اراء الناس فيها عبارة عن نقد لاذع وشتيمة انها مش عاجبها الاذان وانها ...وانها .... حضرتك رديت وان كان بدون قصد على كلام الناس بما يقره الدين والشرع .. اشكرك .

اضف تعليق