مسيح البرتغال صاحب البصيرة.. كيف ربط ساراماجو بين جرائم إسرائيل ومعسكرات النازية؟

الأحد، 17 يونيو 2018 06:00 م
مسيح البرتغال صاحب البصيرة.. كيف ربط ساراماجو بين جرائم إسرائيل ومعسكرات النازية؟
الروائي البرتغالي الراحل خوسيه ساراماجو
وجدي الكومي

"الديموقراطية التي نعيش في ظلها تم الاستيلاء عليها، وتقييدها، وإقصائها، لأن السلطة، سلطة الجماهير التي يملكها كل واحد منا، محدودة على الصعيد السياسي،  محدودة باستبدال الحكومة غير المقبولة بأخرى مقبولة، لكن القرارات المهمة يسيطر عليها صعيد آخر، وكلنا نعرفه، الشركات الدولية الكبرى، والبنوك العالمية، ولا واحدة من هذه المؤسسات ديموقراطية".

بهذه الكلمات وغيرها، اعتاد الروائي البرتغالي الكبير الراحل خوسيه ساراماجو، المتوفي في مثل هذا اليوم عام 2010، إيقاظ الجماهير، واختراق القضايا الشائكة في حياتهم، وهو ما جعله عرضة للانتقاد من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، بل والحكومة البرتغالية التي أمرت عام 1992، بإقصاء روايته "الإنجيل يرويه المسيح" من القائمة القصيرة لجائزة "أريستون" بزعم إساءتها للدين.

انحاز خوسيه ساراماجو لقضايا مهمة وكبيرة، تخطت حيز الثقافة، ففي الحقل الثقافي أسس الجبهة الوطنية للدفاع عن الثقافة في لشبونة عام 1992، وبرلمان الكُتاب الأوربي، وسياسيا انضم ساراماجو للحزب الشيوعي البرتغاي عام 1969، وظل عضوا فيه حتى نهاية حياته، وكان مزعجا مقضا لمضجع المؤسسات الدينية، إذا أثار غضب أعضاء الطائفة الكاثوليكية بسبب روايته "الإنجيل يرويه المسيح".

في عمله الأشهر "انقطاعات الموت" الذي صدرت ترجمتها عن سلسلة الجوائز في هيئة الكتاب المصرية، التابعة لوزارة الثقافة، يعرض ساراماجو قصة متخيلة عن مدينة ينقطع فيها الموت، فيهرم أهلها، ولا يموتون، ويظل المحتضرون يعانون، يضع ساراماجو في عمله الفانتازي ذلك، تصورا عما يمكن أن يحدث للحياة إذا فقدت منافسها اللدود، الموت، ففي أجواء فانتازية كاملة، يستعرض ساراماجو ما يعتري البلدة حينما تطول أعمارهم، يضرب الكساد أصحاب الأضرحة ومؤسسات بيع الأكفان وغيرها، يخلق ساراماجو واقعا متخيلا للحياة حينما تستمر بشكل سرمدي.

في روايته العظيمة الأخرى "الطوف الحجري" يضع تصورا متخيلا عن انفصال شبه الجزيرة الأيبيرية عن بقية أوروبا، لتطفو في البحر، بدون أشرعة ومجاذيف، كتلة من الحجارة والأرض، مغطاة بالمدن والقرى والأنهار والغابات والمصانع والأشجار، والأراضي الصالحة للزراعة، مع مصائر أشخاص يجدون أنفسهم يتوجهون إلى ما يشبه المجهول، أو اليوتوبيا، يحاكم ساراماجو في هذا العمل الجميل الممتع القيم الأمريكية، المفروضة على أوروبا، ويستنكر هيمنتها، في محاضرته التي ألقاها بمناسبة نيله جائزة نوبل عام 1998، قال ساراماجو عن هذه الرواية: أوروبا كلها يجب أن تتحرك جنوبا للمساعدة على توازن العالم، تعويضا لمشكلة انتهاكاتها الاستعمارية الماضية والحالية، هذه هي أوروبا أخيرا بوصفها مرجعا أخلاقيا، الشخصيات في الطوف الحجري امرأتان وثلاثة رجال وكلب، يسافرون بشكل مستمر عبر شبه الجزيرة المنفصلة عن القارة العجوز.

ساند ساراماجو القضية الفلسطينية، وصرح أن رام الله التي زارها ورآها متحديا الحصار الإسرائيلي، تذكره بمعسكر "أوشفيتس" النازي، وهو ما أغضب الإسرائيليين، واتهموه بأنه ضحية ما زعموه بالفلسطينية الرخيصة، وتلقى ساراماجو اتهامات معاداة السامية بأريحية كبرى، وبشجاعة، بل جاء رده كاسحا ساخرا، حين قال: أفضل أن أكون ضحية للدعاية الفلسطينية الرخيصة، على أن أكون عميلا للدعاية الإسرائيلية الغالية، وفصل رأيه فيما رآه في رام الله، قائلا:

لم أكن أعرف أنه من الطبيعي أن يبحث طفل فلسطيني دمروا بيته عن كتبه ولعبه وسط الأنقاض، ولم أكن أعرف أنه من الطبيعي تماما أن تزين الرصاصات الإسرائيلية جدران المنازل الفلسطينية، ولا كنت أعرف أنه يلزم لحماية أقلية من الناس، أن تُصادر المزارع وأن تدمر المحاصيل، ولا أن توفير الأمن لهذه الأقلية، يقتضي احتجاز المئات عند نقاط التفتيش، وحواجز الطرق، قبل السماح لهما بالعودة إلى منازلهم منهكين، هذا إن لم يُقتلوا، فهل هذه هي الحضارة؟ أيمكن أن نسمي هذه الأشياء ديموقراطية؟.

خوسيه ساراماجو
خوسيه ساراماجو

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة