أردوغان يركب حصان الشيعة ويرفع سيف السنة.. سر الحضور التركي لدعم إيران في اليمن

الإثنين، 09 يوليو 2018 07:00 م
أردوغان يركب حصان الشيعة ويرفع سيف السنة.. سر الحضور التركي لدعم إيران في اليمن
الرئيس التركي أردوغان ومرشد الثورة الإيرانية على خامنئي وميليشيات الحوثيين
حازم حسين

طوال سنوات من الصراع، تمتعت ميليشيات الحوثيين الشيعية المتمردة على مؤسسات الدولة في اليمن، بدعم إيراني واسع، ربطه المتابعون بوحدة المذهب الديني، بينما يبدو أن للأمر خلفيات أعمق.

في التصور الأول كان يمكن ردّ الانحياز الإيراني للميليشيات الشيعية إلى تبعية عبد الملك الحوثي ورجاله للدولة الفارسية، ومذهبها الديني، وأجندتها ومصالحها في المنطقة، لكن دخول قطر على خط دعم الحوثيين لاحقا، فرض على الجميع التعامل مع المشهد بوجهة نظر مغايرة.

منذ اللحظات الأولى لحضور قطر بين دول التحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن، كان واضحا أن جنود الإمارة الصغيرة قد وصلوا الأراضي اليمنية بأجندة مغايرة لأجندة التحالف، وتجلّت حقيقة الأمر لاحقا مع تواتر تقارير خليجية تؤكد تقديم القوات القطرية دعما مباشرا لمقاتلي الحوثيين، كان أبرز حلقاته توفير إحداثيات مخازن ومنشآت ووحدات عسكرية تابعة للتحالف، بشكل ساعد الميليشيات على استهداف هذه التجمعات وتكبيد التحالف خسائر بشرية كبيرة.

مع تكشف تفاصيل الدور القطري، ودخول عدد من الدول العربية صراعا مباشرا مع سياسات الدوحة الداعمة للإرهاب، تطور إلى إعلان الرباعي (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) مقاطعة قطر في يونيو من العام الماضي، طرد التحالف جنود وضباط قطر من اليمن، لتطور الإمارة دعمها للحوثيين بصيغة أخرى، عبر التعاون المباشر مع إيران في توفير الدعم المالي واللوجستي عبر مطار وميناء الحديدة، قبل أن تُحكم قوات التحالف العربي الخناق على المنفذين.

خلال فترة الصراع الممتدة لم يبدُ أن دخول قطر على خط الدعم المباشر للحوثيين، ومساندة المخطط الإيراني في اليمن، يمثل تحالفا عميقا بين بعض الدول السنية والدولة الشيعية، ورأى كثيرون من المتابعين أنه لا يتجاوز تبعية قطرية لإيران، في ضوء الروابط المتصاعدة بين البلدين، واحتماء الدوحة بطهران في مواجهة الموقف العربي الرافض لدعم قطر للإرهاب، لكن تطور الأمر باتجاه كشف مزيد من المؤشرات والقرائن على اشتباك قوى سنية أخرى مع الصراع المحتدم في الظهير المتاخم للمملكة العربية السعودية، يمثل تطورا كبيرا في قراءة المشهد اليمني الراهن.

حتى أمس كان من الصعب القول إن تركيا تدعم الحوثيين، وبالضرورة تدعم إيران، لكن اندلاع مظاهرات حاشدة من أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم، وزعيمه رجب طيب أردوغان، تؤيد الميليشيات الحوثية وزعيمها عبد الملك الحوثي، أمس الأحد، يؤكد دخول أنقرة على الخط بقوة، ربما في إطار فتح جبهة جديدة للمناورة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والقوى الأساسية في المنطقة العربية.

مظاهرات تركيا لدعم الحوثيين
مظاهرات تركيا لدعم الحوثيين

المشهد غير المفهوم في شوارع تركيا، ضم مئات الأتراك، بجانب عشرات من الإيرانيين، رافعين صور عبد الملك الحوثي وشعارات داعمة للميليشيات الشيعية اليمنية، والأكثر غرابة أن التظاهرات سعت للتحرش بالدول العربية الكبرى في المنطقة، بالتوجه إلى مقر القنصلية السعودية في إسطنبول، رافعة شعارات عدائية تجاه المملكة والتحالف العربي.

موقف التظاهرات من التحالف العربي والمملكة يتطابق مع الموقف التركي العدائي تجاه القوى الفاعلة في المنطقة، خاصة مع انحياز هذه القوى ضد خطاب الجماعات الدينية والدعم القطري الموجه لها، وحصار جماعة الإخوان الإرهابية وفروعها في المنطقة، بينما تحتضن أنقرة قيادات الجماعة وزعماء كثير من الحركات والجماعات الدينية المتطرفة.

المسيرة قد تشير إلى تقارب إيراني تركي، أو بالأحرى تفضح محاولات إخفاء هذا التقارب وتصوير علاقات البلدين على أنها تشهد حالة من التوجس المتبادل والهدوء الرمادي البارد، في ضوء المواقف المتصارعة في سوريا، مع دعم إيران لنظام بشار الأسد، ودعم تركيا للميليشيات الإسلامية المتحاربة مع الجيش العربي السوري، لكن التقاء مصالح البلدين فيما يخص تصفية القضية الكردية، التي تهدد باقتطاع مناطق جغرافية منهما لصالح الدولة المستقلة التي ينادي بها أكراد المربع السوري العراقي التركي الإيراني، يزيد من منطقية التوافق بين البلدين في عدد من الملفات.

ربما وجدت تركيا، التي تشهد انحسارا واضحا لحضورها وتأثيرها على الجبهتين العراقية والسورية، أن اليمن ملعب مفتوح يمكنها أن تتوسع فيه، لتثير مزيدا من الغبار في عيون القوى الإقليمية العربية، وتنتزع أوراق تفاوض في مناوراتها مع الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، الرافضين لانضمام أنقرة للاتحاد الأوروبي، بديلا للأوراق التي سقطت في بغداد ودمشق.

تظل مسألة إعلان هذا التقارب، وظهور تركيا المباشر في المشهد الداعم للميليشيات الحوثية أمرا مثيرا للاستغراب، لكنه قد يكون مفهوما على خلفية النجاحات التي يحرزها الجيش اليمني في حربه على الميليشيات، بدعم وإسناد من قوات التحالف العربي الداعم للشرعية، خاصة مع إحكام حصار الميليشيات وتجفيف كثير من خطوط الإمداد والتمويل، بشكل يهدد بخسارة هذه الجبهة وما تمثله من فرص تهديد للسعودية والإمارات.

في أحدث ضرباتها، تمكنت مقاتلات التحالف العربي اليوم من تدمير عدد من الدبابات والآليات العسكرية الحوثية، جنوبي مديرية التحيتا في محافظة الحديدة، إضافة إلى نجاح الجيش وألوية العمالقة التابعة للمقاومة في تنفيذ عمليات تمشيط واسعة غربي التحيتا، ما كبّد الميليشيات عشرات القتلى والجرحى، وفي وقت سابق سيطرت قوات الجيش على الطريق المؤدي لمديرية الوازعية غربي "تعز"، عبر منطقة وادي العقمة، وقال أبو أسامة الصالحي، قائد ميداني في لواء باب المندب، في تصريحات لوكالة الأنباء اليمنية الرسمية "سبأ"، إن أبطال الجيش في البرح والوازعية شنّوا هجوما كاسحا على مواقع الميليشيات ونجحوا في تحرير كثير من مواقع تمركزهم، ويواصلون تمشيط المنطقة المحررة وتأمينها.

هذه النجاحات العسكرية الواسعة، وانتزاع مدينة "الحُديدة" من قبضة الميليشيات بصورة شبه كاملة، وحرمان الحوثيين من مساري الدعم المهمين عبر المطار والميناء، مع مواصلة قوات التحالف التقدم  باتجاه العاصمة صنعاء، وسيطرتها على كثير من الطرق والمحاور المؤدية إلى محافظة صعدة في أقصى الشمال، على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، بالتأكيد تمثل ضربة قاسية لإيران، ستدفعها للتحرك بكل الصور المتاحة لتعويض هذه الخسائر، وفي ظل مواجهة طهران لمشكلات ومتاعب اقتصادية وسياسية حالية ومتصاعدة، فإنها تحتاج للاتكاء على داعمين آخرين، ويبدو أن الاختيار قد وقع على تركيا.

على الجانب التركي تبدو الصورة غنية بالتناقضات والمفارقات، فبينما رفع أردوغان سيف "السنّة" ودعم القوى السنية، سواء في انحيازه للميليشيات الإرهابية النشطة في سوريا والعراق، يمتطي الآن حُصان الشيعة في اليمن، بل ويفتح شوارعه لأن يتريض هذا الحصان ويتظاهر ويرفع شعاراته وصور رموزه الإرهابية في قلب إسطنبول، ويمارس تحركات عدائية بحق بعثة دبلوماسية لدولة عربية كبرى.

في النظرة السياسية لا يمكن النظر لتحالفات أردوغان باعتبارها متعارضة أو متضاربة، لكن الأزمة أن الرئيس التركي نفسه هو من يتعمد توظيف الشعارات الدينية لتحقيق مزيد من المكاسب السياسية، داخليا وخارجيا، ولا يبدو منطقيا أن يتعامل الرجل بعقلية الداعية أو رجل الدين في الأمور التي تخص القدس والقضية الفلسطينية والصراع في سوريا، تحت راية الحرب السنية المقدسة، ثم يمتطي صهوة الحصان الشيعي ليُجهز على السنّة في اليمن.. ولا يبدو أن لهذا التضارب تبريرا إلا الطمع في جزء من كعكة تهريب النفط الإيراني مع بدء سريان العقوبات الأمريكية في نوفمبر المقبل. 

مظاهرات تركيا لدعم الحوثيين 2
مظاهرات تركيا لدعم الحوثيين 2

 

مظاهرات تركيا لدعم الحوثيين 3
مظاهرات تركيا لدعم الحوثيين 3

 

مظاهرات تركيا لدعم الحوثيين
مظاهرات تركيا لدعم الحوثيين

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق