بعد قائمة منقولات «عروس إسنا».. هل يقلع المصريون عن المغالاة فى تكاليف الزواج؟

الخميس، 26 يوليو 2018 11:00 ص
بعد قائمة منقولات «عروس إسنا».. هل يقلع المصريون عن المغالاة فى تكاليف الزواج؟
ارشيفيه
محمد فرج أبو العلا

 

فى واقعة غريبة وفريدة من نوعها، وثق والد عروس بمدينة إسنا جنوبى محافظة الأقصر قائمة منقولات ابنته مع عريسها بشكل يختلف تماما عما يحدث فى مجتمعنا الآن، حيث ظهرت الوثيقة وكأنها «قائمة منقولات» العروس، بينما كان قوامها توصية للعريس بحسن رعاية العروس، ومراعاة الله فيها بدلاً من قائمة المنقولات المألوفة للجميع، والتى يكتب بها متاع الزواج من "غرف نوم وأنتريه وسفره، وغيرها من الأمور التى تصل لحد كتابة المصوغات الذهبية.

 

قائمة منقولات عروس إسنا جاء بها ما يلي: «بسم الله الرحمن الرحيم – وجعلنا بينكم مودة ورحمة – صدق الله العظيم.. لقد وافقت أن تكون ابنتى زوجة لكم فهى ابنتى وقرة عينى وأغلى عندى من أى قائمة تكتب بأى مبلغ.. أٌثمن ابنتى بأخلاقها وتربيتها، وأرجو منكم أنسابى أن ترعوا الله فيها كما لو كانت ابنة لكم، ورفقاً بها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – ورفقاً بالقوارير.. قائمتى ليست ورقة تكتب هى عقد يٌسن والعقد شريعة المتعاقدين، وعقدى معكم أن أسلمكم ابنتى الملاك الطاهر –هبة محمد أحمد حسن– وعقدكم معى أن تعاملوها بالمودة والرحمة، ولكم جزيل شكرى وامتنانى».

53663-قائمه-عروس

وفى هذا الإطار، وبالرجوع إلى شريعة الزواج التى شرعها الله لعباده، نجد أن الزواج أحد أهم أركان بناء المجتمعات، والحفاظ على النوع البشرى عن طريق إنجاب الأطفال، وتكوين اللبنة الأولى ونواة المجتمع «الأسرة»، وهو وسيلةٌ لإشباع حاجات الإنسان مثل الجنس والأمومة والاستقرار، والشعور بالانتماء، والبعد عن الانحراف، حيث إن حرمان الفرد منها يؤدى إلى الكبت والاضطراب النفسى، لذلك فإن ذاك الرجل الذى يزوج ابنته بدون قائمة منقولات كالمتعارف عليها، قد لا يعوضه المال عند إصابتها بضرر أو مكروه، ولن يعوضها هى أيضا حفنة من المال حال خسارة زوجها أو أسرتها، فرأى أن ذلك العقد المتمثل فى طلب معاملة ابنته بالمودة والرحمة، أفضل بكثير من ورقة يقال أنها تخفظ حقوق المرأة، رغم أنها قد تكون سببا فى تعاستها. 

 

إن العادات والتقاليد التى تنتهجها الشعوب العربية ومن بينها مصر فى الزواج تنطوى على عدة أمور قاسية منها فرض المهور الباهظة، والإقدام على مراسم وتقاليد بتكاليف مفزعة جدا، من شأنها تعكير عملية الزواج، بل قد تكون سببا حقيقيا لارتفاع معدلات العنوسة حيث لا يستطيع الشباب توفير تلك المتطلبات الكثيرة والمكلفة جدا، ومن ثم الابتعاد أساسا عن فكرة الزواج، ما يزيد معه معدلات العنوسة والانحراف، كما أن تلك العادات والموروثات قد تسبب ارتفاع سن الزواج عند الشباب، فمع مضى السنوات يعزف الكثير من الشباب عن الزواج حتى يستطيعون توفير تلك التكاليف الباهظة.

 

تختلف عادات وتقاليد الزواج باختلاف المجتمعات والمناطق داخل الدولة الواحدة، وفى مصر نجد اختلافات كثيرة بين طبقات المجتمع، واختلافات أخرى بين الريف والحضر، إلا أن الجميع يتمسك بعاداته وكلها تشمل مغالاة قد تسبب فشل الزيجة من الأساس، إلا أن معظم العادات أصبحت تتقف على شئ هام فى الزواج وهو «الشقة»، إلا أنهم يختلفون على تجهيزها، فهناك أسرا تحكم على العريس بضرورة إيجاد شقة تمليك لا تقل عن كذا متر، وأن يتم تجهيزها بكذا وكذا وكذا.. حتى يحطمون آمال العريس الذى يبدأ رحلة التجهيز للزواج وهو لا يعلم هل يأتى اليوم لينتهى؟ أم أنه سيموت قبل أن يتزوج؟

 

لا تكتفى الأسر المصرية بالشقة وتجهيزها، إلا أنهم يتفننون فى اختراع المعوقات التى تمنحهم مزيدا من الوجاهة أمام غيرهم من الأسر الأخرى، فهذا الأب يطلب بكام ألف جنيه شبكة لابنته، وذاك يطلب أكثر، وآخر يزايد عليهما والمتضرر فى الثلاث حالات هما العروسان، الشابان اللذان يريدان بداية حياة سعيدة معا، ليكملا سويا مشوار عمريهما، ويكونان أسرة تساعدهما على الاستقرار وتحقيق طموحاتهما، إلا أن المغالاة والسعى وراء التقاليد السلبية قد يفتت تلك الأسرة قبل أن تتكون.

 

ما زالت الأسر المصرية تتعامل مع الإناث كسلع تباع وتشترى لمن يدفع أكثر، وتبدأ رحلة «تقليب العريس» فور إعلان الخطوبة مباشرة، حيث يدير والد العروس حوارا معروفا للجميع حول عدة أمور كلها مادية ومكلفة للغاية، تبدأ بثمن الشبكة، ثم الاتفاق على الأثاث المنزلى الذى لا يخلو أيضا من المغالاة، بالإضافة إلى أمور أخرى مثل «غرفة نوم الأطفال سريرين ولا سرير واحد، هتعمل فرح فى الشبكة ولا فى الصاغة، هتعمل حنة ولا عند العروسة، ويارتى الفرح فين، وهتقضوا شهر العسل فين؟»، وكلها أمور مكلفة جدا خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية القاسية التى تعانى منها البلاد.

 

إنها حقا مشكلة كبيرة، بل وكارثية أيضا، فتعقيد أمور الزواج يهدد الشباب والفتيات بالخروج عن المألوف، ويدفع بعضهم للانتحار أحيانا، بل ويهدد المجتمع أيضا، لما يسببه من مشكلات أمنية ومجتمعية كبيرة يصعب حلها على المدى القريب، حيث إن تلك العادات والموروثات من شأنها زيادة معدلات العنوسة ورفع سن زواج الشباب، ما يؤثر على النمو الاقتصادى للدولة، ويكلفها الكثير من الأموال التى تصرف على تداعيات هذه الأزمة، حيث يلجأ البعض للاقتراض من أجل الزواج، ويتعثر فى رد الأموال ما يؤدى به إلى السجن، وقد شاهدنا مؤخرا ما تتكلفه الدولة من أجل الغارمين والغارمات.

 

وحول أسباب تفشى هذه المشكلة الخطيرة فى مجتمعاتنا، يقول علماء الاجتماع، إن الشعوب تتوارث العادات والتقاليد الذى يحتكم إليها الأباء فيما يخص أمور حياتهم مثل الزواج الذى طالما يؤكد الأباء للمتقدمين للزواج من بناتهم بعض العبارات عند الاتفاق على «الشبكة، أو المهر، أو مراسم الزفاف» مثل «لازم يجيلها زى بنات العيلة، أو زى أختها»، ما يعد تعقيدا للأمور، كما يؤكدون أن بعض الأباء يرون أن فى ذلك التعقيد حفاظا على حقوق الزوجة حال وقوع أى نزاع أسرى.

 

وتأتى قائمة منقولات العروس ضمن أحد أهم أركان الزواج فى مصر، حيث يصر والد العروس على كتابة قائمة منقولات تحوى كل ما يشتريه والدها بالإضافة إلى كل ما يشتريه العريس وما يفعله من تجهيزات داخل شقته، حتى وصل الأمر إلى كتابة سعر السيراميك والكهرباء والستائر والنجف وما إلى ذلك من تجهيزات داخل شقة الزوجية بـ«قائمة المنقولات»، ما يعتبر تعقيدا قد يصل لحد «فشكلة الجوازة» كما ظهر فى فيلم «عريس من جهة أمنية» الذى جسد تلك المشكلة المتفشية فى المجتمع المصرى.

 

لا نختلف على أن قائمة منقولات العروس هى السند القانونى الحقيقى للزوجة أمام المحكمة حال الانفصال، أو استحالة استمرار علاقتها بزوجها لأى سبب كان، إلا أنها ليست «طوق النجاة» أيضا، فقد لا تحقق لها تلك القائمة التى قد تتضمن بعض الأثاثات التى قد تتسلمها بائدة وعلى غير حالتها الأولى، أو بضع آلاف الجنيهات مقابل قيمة الشبكة «المصوغات الذهبية» التى تم توثيقها بتلك القائمة، أى شئ مما كانت تتمناه فى الماضى، كما أن هناك آلاف الدعاوى أمام محاكم الأسرة تنظر يوميا لهذا السبب، وقد تطول الفترة الزمنية للتقاضى حتى تصرف السيدة قيمة تلك القائمة على المحامين ومصروفات المحاكم.

 

وطبقا لتقديرات السكان لعام 2017، فقد بلغ عدد الشباب فى الفئة العمرية «18- 29» سنة فى مصر، نحو 21.7 مليون نسمة بنسبة 23.6% من إجمالي عدد السكان، بواقع 51% ذكور، و49% إناث، بينما سجلت نسبة الذكور غير المتزوجين فى الفئة العمرية ما بين 18 و29 سنة نحو 37.4% من إجمالى الذكور المتزوجين، مقابل 16.4% للإناث، وحسب الأرقام، فإن 23.2% من الذكور المطلقين يقبعون فى هذه الفئة العمرية، فيما بلغت نسبة المطلقات من الإناث بنفس الفئة 43.6% من إجمالي عدد المطلقات.

 

بعض الأسر أيقنت خطورة تلك الأزمة على الشباب، بل وعلى المجتمع ككل، لذا ظهرت مؤخرا دعوات للتخلى عن تلك العادات والموروثات الخاطئة والمعقدة للزواج، وطالبت بخفض التكاليف مراعاة لظروف الشباب، ففى المنوفية أطلق إمام وخطيب أحد المساجد مبادرة لخفض تكاليف الزواج، للتيسير على الشباب، وطالب الناس فى خطبة بالمسجد بضرورة عدم الغالاة فى المهور والمصوغات الذهبية ومؤخر الصداق، إلى جانب إقامة الأفراح فى أضيق الحدود، والبعد عن التباهى بذبح العجول وإقامة عدد من الليالى الساهرة والمكلفة قبل حفل الزفاف.

 

وفى مبادرة أخرى، أعلن رئيس اللجنة الشعبية لتيسر الزواج بإحدى قرى محافظة الوادى الجديد، عن الشروط النهائية للمبادرة الإلزامية، والتى قرر أكثر من 5 آلاف مواطن بالقرية الالتزام بها وتطبيقها، بهدف التيسير على الشباب فى نفقات الزواج، ونص ميثاق المبادرة على « "متجمعين فى الحلال إن شاء الله وما فيش جوازة هتتعطل.. الشبكة 15 جرام وكل جنيه معروف مكانه فين.. واللى هيزود شوكة أو سكينة فى القايمة هنطبق عليه قوانين المخالف.. وما فيش فرح هيتعمل فى الشارع ولا كوافير.. والعروس هتتذوق بأرخص التكاليف.. ونقرأ الفاتحة على اتفاقنا وربنا شاهد علينا».

 

أهالى قرية براوه بمركز إهناسيا فى بنى سويف أيضا رفعوا شعار « يسروا الحلال وعسروا الحرام ولاتعسروا الحلال وتيسروا الحرام»، للتيسير على المقبلين على الزواج، حيث اتفقوا على 10 وصايا لخفض تكاليف الزواج، منها أن تقتصر الشبكة على 15 أو 20 جرام ذهب فقط، كما يتم شراء غرفة نوم كاملة وغرفة جلوس، ويتم الاختيار ما بين غرفة أطفال أو غرفة سفرة، إلى جانب إلغاء بند «النيش»، وأدوات الزينة، وهدايا أم العريس، والأدوات الكهربائية غير الضرورية، ومظاهر توزيع العيش والكعك والبسكويت، وجميع الهدايا التى تكلف الطرفين نهائيا.

 

وجاء رأى الدين الإسلامى فى تلك الأزمة على لسان الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، الذى أكد أن الأسرة المصرية تتأثر كثيرا بتكاليف الزواج، مشيرا إلى أن بعض الأسر تتفنن فى أشياء سطحية، من حيث إقامة حفلات الأفراح بأندية كبرى، والتفنن فى عمل دعوات الأفراح التى تحتاج أموالا كثيرة، مطالبا بأن تقتصر تكاليف الزواج على الأمور البسيطة مثل ما يحدث فى أوروبا، وليس بالطريقة الإسلامية فقط.

 

وأكد شيخ أزهر الشريف، أن التجربة تؤكد أن الأسرة التى تقوم على البساطة سواء فى المهور أو الجهاز أو المسكن، أسرة سعيدة؛ لأنها لا ترى سعادتها فى المظهر أو المادة أو الأشياء المقتنية؛ لأنها لا تصنع شيئا، فمعظم الزيجات التى تتم بمصر أو العالم العربى بيوتها تُملأ بأشياء لا حاجة للزوجين لها على الإطلاق، مثل «حجرة الأطفال» التى تنشأ أحيانا خلافات مع أن الأطفال لم تأت بعدُ!، إلى جانب الملايين التى تنفق فى حفلات الزواج وهى قد تزوج نحو 50 فتاة.

 

وطالب الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بضرورة تغيير مفهوم الزواج، مشيرا إلى أن المسئول عن تبليغ هذه القيم للناس هو الإعلام والعلماء الذين يجب عليهم شرح هذه الأحاديث للناس مع بيان دلالاتها، وكيف أن بركة الزواج مرتبطة باليسر، موضحا موقف الناس فى أوروبا ودول الغرب من البساطة فى المسكن والفرش والنفقة.

 

اقرأ أيضا:

 

بعد ارتفاع معدلات زواج الأطفال.. هل نحتاج تعديلا تشريعيا أم تغييرا في الثقافة؟

190 ألف حالة خلال 2017.. لماذا تحتل مصر المركز الثالث عالميا في معدلات الطلاق؟

20 مليون مصري لا يعرفون القراءة والكتابة.. لماذا تنتشر الأمية في الدول العربية؟

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة