"أهل نيسابور غلطوا في البخارى".. قصة محنة صاحب "الصحيح" في المدينة الإيرانية

السبت، 01 سبتمبر 2018 08:00 م
"أهل نيسابور غلطوا في البخارى".. قصة محنة صاحب "الصحيح" في المدينة الإيرانية
تكفير الإمام البخارى

 
بمرور الزمن أصبح اسم البخارى يحمل تبجيلا لعالم  دين أفنى عمره فى جمع أحاديث النبى، ما يدعو البعض لترديد العبارة الشهيرة "مغلطناش فى البخارى" ليتحول اسم وسيرة الإمام البخارى إلى رمز مقدس لا يجب الإقتراب منه.
 
المفاجأة التى لا يعرفها البعض أن الإمام البخارى نفسه كان قد تعرض للانتقاد بل والإساءة، ووصل الأمر إلى تكفيره ، ما تسبب فى طرده من مدينة نيسابور وهى إحدى مدن مقاطعة خراسان بإيران حاليا.
 
طرد البخارى من المدينة الإيرانية يؤكد أن محاكم التفتيش الفكرية، أمر مستمر منذ بدايات التفكير الإنسانى خاصة عندما يتعلق الأمر بالمسائل الدينية.
 
 
و تحل اليوم الذكرى الـ1148، لرحيل الإمام محمد بن إسماعيل البخارى، والذى  رحل فى 1 سبتمبر عام 870 م، الموافق 1 شوال 256 هـ، ويعد من أهم علماء علم الحديث.
 
كما أن صحيح البخارى هو كتاب "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه" والذى يعد أهم وأوثق الصحاح الستة.
 
البخارى
 
ورغم ما يحمله اسم البخارى من تبجيل لذلك العالم الذى أفنى عمره فى جمع أحاديث النبى (ص)، إلا أن الرجل لم يسلم من الإساءة والاتهامات بالتكفير
 
سير اعلام النبلاء
 
 
وردت قصة تكفير الإمام البخارى وطرده من مدينة نيسابور،فى موسوعة "سير أعلام النبلاء (ج 12 ص 453)" للمؤرخ شمس الدين الذهبى، بأن صاحب "صحيح البخارى" عندما وصل إلى نيسابور، اجتمع عليه الناس هناك، فحسده بعض من كان فيها من مشايخ لما رأوا من إقبال الناس إليه، واجتماعهم عليه، حتى جاء محمد بن يحيى الذهلى، الذى حضر مجلس البخارى من قبل وحسده وتكلم فيه، يطلب من بعض أصحاب الحديث أن يذهبوا إلى هذا الرجل ويستمعون إليه، قائلا: اذهبوا إلى هذا الرجل، فإنه يقول: اللفظ بالقرآن غير مخلوق، فامتحنوه فى المجلس.
 
وتعد قضية خلق القرآن، أو كما عرفها البعض بمحنة خلق القرآن وهو فكر انتشر فى عهد الخليفة العباسى المأمون من قبل فرقة المعتزلة، والتى تعتبر أن القرآن مخلوقا وليس كلام الله المنزل على نبيه محمد كما يؤمن المسلمون، واقتنع بهذا الرأى الخليفة المأمون وطالب بنشر هذا الفكر وعزل كل قاضٍ لا يؤمن به، وهو ما لقى معارضة واستهجان كثير من الأئمة مثل الإمام أحمد بن حنبل، والذى تحمل من أجل ذلك الكثير من التعذيب حتى قام الخليفة المتوكل بإنهاء هذه المحنة وأفرج عنه.
 
1
فلما حضر الناس مجلس البخارى، قام إليه رجل قال: يا أبا عبد الله، ما تقول فى اللفظ بالقرآن مخلوق أم هو غير مخلوق؟ فأعرض عنه البخارى ولم يجبه، فقال الرجل: يا أبا عبدالله، فأعاد عليه القول، فأعرض عنه، ثم قال فى الثالثة، فالتفت إليه البخارى، وقال: القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة، فشغب الرجل، وشغب الناس، واعترضوا عليه، وقالوا له بعد ذلك: أرجع عن هذا القول، حتى نعود إليك، فقال: لا، لا أفعل إلا أن تجيئوا بحجة فيما تقولون أقوى من حجتى". فشغب الناس وتفرقوا، وظل البخارى فى بيته.
 
ولم يمر على هذا الموقف شهر، حتى جاء محمد بن يحيى، مرة أخرى ليقول: ألا من يختلف إلى مجلسه فلا يختلف إلينا، فإنهم كتبوا إلينا من بغداد أنه تكلم فى اللفظ، ونهيناه، ولم ينته، فلا تقربوه، ومن يقربه فلا يقربنا. وتابع فى حديث آخر: القرآن كلام الله غير مخلوق من جميع جهاته وحيث تصرف، فمن لزم هذا استغنى عن اللفظ وعماه سواه من الكلام فى القرآن ومن زعم أن القرآن غير مخلوق فقد كفر وخرج عن الإيمان وبانت منه امرأته، ويستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه، وجعل ماله فينا بين المسلمين ولم يدفن فى مقابرهم.
 
2
 
وجاء رجل إلى الإمام البخارى، ليعرف ما فى الأمر، ورأيه فيما ذكره الذهلى عنه، فقال: يا أبا عبد الله، إن فلانا يكفرك، فقال: قال النبى (ص) إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدهما. ولما سأله رجل: يا أبا عبدالله نحن لا نخالفك فيما تقول، لكن العامة لا تحمل ذا منك، فقال البخارى: إنى أخشى النار، اسأل عن شىء أعلمه حقا أن أقول غيره.
 
لكن الناس لم يكن يعجبها كلام البخارى، وظل فى رأيهم أنه خارج عن الدين، ووجب طرده من المدينة، وهو ما دفع الإمام البخارى للخروج من نيسابور إلى بلده الأصلية "بخارى" من دون أن يودعه إلا شخص واحد، وقد ظل ثلاثة أيام خارج أسوار المدينة يرتب أغراضه التى خرج بها على عجل، استعدادا للرجوع إلى بلده الأم.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق