مين ع الباب؟

الخميس، 27 سبتمبر 2018 01:16 م
مين ع الباب؟
هبه العدوى

 
-مين ع الباب؟ 
 
- أنا الخاطبة ؟   
 
كان ردها غريب ففتحت لها الباب وأنا تماماً مذهولة، فهذا الرد لم أسمعه سوي من خلال نيللي و فوزايرها الشهيرة.
  
هي سيدة في خمسيناتها، تتشح بالسواد من أعلي رأسها حتي أخمص قدميها، ويشي صوتها بشئ من الحدة، أما دخولها المباغت لمنزلنا فبدا كما لو أنها  تتبع جهاز جديدا استحدثته الدولة للتفتيش علي المنازل، وقتها كنت أستذكر مادة "الفايتو كميستري" اللعينة، وأُرَفّه عن نفسي "بالبايو كمسيتري" المريعة وكل من مرّ بكلية "الصيدلة الكلينكال" يعلم جيدا كون تلك المادتين غاية في الصعوبة.
 
بالطبع تركت كتاب "الفايتو" وألقيت معه "بالبايو كيمستري"، نحن علي أعتاب مغامرة جديدة مع تلك السيدة.. هل أتركها وأكمل ملل المذاكرة ؟..لا ليست هذه أنا.
 
 بينما تلاحقني الأفكار عن سبب قدوم تلك المرأة وجرأتها، جاءت أمي وجلست معها، فبادرتنا السيدة بحديثها:
-سمعت أن البيت ده فيه بنت حلوة.
نظرت لها أمي نظرة اندهاش مصحوبة باستنكار ومليئة بالرغبة العارمة في الاستفسار، ثم أخيراً نطقت بما أتت لأجله، هي جاءت لتخطبني لشابٍ دكتور أيضاً يسكن بجوار منزل جَدّي.
***
 
بت أهتز من فرط كتماني لرغبةٍ عارمةٍ في الضحك بصوتٍ عالٍ، ليس تعبيراً بالتأكيد عن الفرحة بعريس الغفلة، لكن تعبيراً عن منتهي الدهشة من فعل هذا العاجز الذي بعث بخاطبة لتخطب له، وقتها كنت أعتبر أن أكبر تنازل تفعله امرأة هو أن تجلس مع رجل لا تعرفه، وأن تتزوج هذه الزيجة الصالونية الخالية من الأحاسيس المفعمة بالحب والغرام ولهيبهما، لكنّي في هذه اللحظة الفارقة لم أكن أدرك أن الزمن هكذا يرجع بنا للوراء حتي يصل بنا للخاطبة.
 
***
واستطردت المرأة  مكملة : 
-عايزين صورة لها حلوة عشان نوريها للدكتور؟
هنا وفقط انفجرت قهقهاتي مُدوّية، فلم أستطع عند هذه اللحظة كتمانها، وانطلقت أمي تزغدني وتطلب مني أن أتركها مع هذه السيدة، فنظرت لأمي نظرة بلهاء دون أن أنطق بما يدور برأسي:
-ماما كيف أترك هذا المشهد الذي يُعَد أكبر فاصل كوميدي أستطيع به الهروب من معركتي حامية الوطيس مع حفظ مصطلحات الفايتو الوعرة.. لا يمكن أن اتركههم.
 
ذهبت لحجرة سفرتنا المجاورة للصالون فسمعتها تحدث أمي عن هذا العريس ذو الفخامة عالي المقام والهامة، وتقول عنه شعراً.. بالطبع ألم يدفع لها لتجعله ملكاً متوجاً في أعين من سيزوجونه ابنتهم !!.
 
 سبقتني أمي في الرد علي هذه السيدة قطعاً بالرفض، والذي لاقي استهجاناّ صريحاً من تلك المرأة:
- إزاي ترفضوا عريس لقطة زي ده!!
***
 
كانت تلك اللحظة مربكة ومحيرة لي في نفس الوقت، فانا في كليتي أذهب إليها يوميا، وعدد سويعاتي التي اقضيها بها يقارب الإثني عشر ساعة.. رجل لم يكلف خاطره أن يمر ليري  شريكة عمره بنفسه.. هل يكون في الأصل رجلاً يعيّ بحق ما يتطلبه  الزواج من تضحية وإيثار وبذل !!
***
 
مرت بي السنون، وإذا بي أشاهد خاطبة واثنتان في التلفاز.. هل فِكْر تلك المرأة قد انتشر لهذه الدرجة؟.. هل المجتمع أصبح أكثر انفتاحا أم انغلاقا أم أن الانفتاح قد أصاب الجميع بالذعر من أخطاء أخلاقية يقابلونها في المجتمع، هذا الفزع الذي يجعلهم يريدون –عند الزواج- الرجوع بالزمن للوراء حتي لو كان باستئجار سيدة تعمل في مهنة "خاطبة" أم أنه غير ذلك؟!
***
 
كثيرون وكثيرات يرفضون الدخول في مشروع الزواج إما كرد فعل لحالات الطلاق التي وصلت لمعدلات غير مسبوقة، وإما هربا ًمن الأعباء المادية القاتلة التي تُثقِل كاهل الجميع، والشديد الغرابة أن العمارة الواحدة بها عشرات الشقق، وعشرات الأفراد يعيشون مع بعضهم البعض لسنوات، لكنك إذا ما سألت أحدهم عن أسم جاره كان رده :
 
-معرفوش !!
 
يبدو أن وجود  الخاطبة قد صار به  شئ من الضرورة.
***
 
ومن زاوية المنطق، كيف يقدم الشباب علي مشروع  ملئ بالتجارب الفاشلة التي انتهت في أفضل حالاتها بطلاقٍ بمعروفٍ، وفي أغلبها لسنواتٍ طوال داخل محكمة الأسرة !!.
 
أما عن التكاليف، فشقة واحدة تكفي لإنهاء العمر في دفع أقساطها، خاصة في ظل زيادة الأسعار المتلاحقة.
 
ضع مشهد المحاكم بجانب التكاليف، هل تري سبب يجعل الإنسان يدخل في  الشراكة المؤسسية المسماة زواج ؟
***
 
لن تنقذ الخاطبة الأمر، لكن لعلّها تُصلِح ما أفسدته أخلاق الزحام التي تجعل كل منّا يمر بالآخر مرور الكرام، دون أن يتبقي وقت  للتزاور بين الأقارب أو بين الأصحاب والجيران، ولعل الأهل يوماً يدركون أهمية الزواج، فيُسهِّلون علي الشباب إتمام إجراءاته دون "ريسبشن" أو "نيش" أو "طقم الكريستال البوهيمي" أو "العشرون بطانية" و "الطقم الصيني الليموج" و"الـ5 أنابيب بوتاجاز"، وغيره كل حسب نظرته الاجتماعية يكلف نفسه في النهاية ما لا طاقة له به، دون أن يهتمون بأهم ما شُرِّع الزواج لأجله, المودة والرحمة والتفاهم وبناء مجتمع إنساني .
***
 
"عزيزي الشاب.. عزيزتي الشابة المقبلون علي الزواج، قبل أن تشطبوا الشقة، أبنوا وعيكم وفهمكم لطبيعة الاختلافات فيما بين الذكر والأنثى، خاصة وفيما بين البشر عموما وكيفية إدارة الخلاف وبناء علاقة المودة والرحمة، فالزواج مؤسسة تُبني علي أشياء لا تُشتري بالمال وحده، بل يكون فقط بداية لبناء هذا المسكن الذي سيصبح بتفاهمكما معا جنة الله في أرضه، أو لا قدر الله الجحيم بعينه".
 
"علي باب" مصر تقف أزمة الزواج تحتاج لتضافر جهود الجميع.. فهل من مهتم ؟
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق