يَمَن وذئاب!

الأربعاء، 03 أكتوبر 2018 05:34 م
يَمَن وذئاب!
سمير رشاد اليوسفي يكتب:

قرأتُ تغريدة متداولة في تويتر، أنّ اليمنيين صاروا من شدة البؤس - عندما يمشون جوار المقابر - يسمعون أصوات الموتى يترحّمون عليهم، ويقرأون لهم الفاتحة.
 
مؤسف جدا أن يصل الناس إلى حالة من البأساء والضراء لم يعرفوها حتى في السنة التي سمُيت بـ"سنة الجوع"، فقد سمعت امرأة عجوزا تؤكد أنّ تلك السنة -رُغم قسوتها - كانت أحسن حالاً من الآن، لأنّها كانت تشبع وأسرتها من شجرة "الدُباء" المتوفرة بكثرة. 
 
في القرآن الكريم (لا يُغيّر الله ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم) و في بلاد الكفار يستقيل الرئيس المنتخب، وكل حكومته، إذا ما عجز عن الوفاء بوعد أبرمه.. أمّا ارتفاع الأسعار فهي عندهم تهديد للأمن القومي.
 
وفي اليمن، السُلطة الشرعية تعتبر الحديث عن الفقر والجوع دعاية مغرضة وحديث خُرافة، وعندها كامل الحق؛ لأنّها لا تعرف الفقر، فالرئاسة والحكومة تستلم رواتب ومكافآت بالدولار من إيراد النفط والغاز، لم تكن تحلم بها.. ومن أين سيأتي الجوع وهم يتناولون طعامهم في أفخم الفنادق؟! 
 
- طيب.. والشعب المسكين من أين يأكل؟!
 
- وما دخلهم بالشعب؟! هُم شرعية، والشرعية لمواجهة الحوثي "مش للأكل والشرب". 
 
في القرآن أيضًا يأمر الله قُريش بعبادته لأنّه (أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).. ما يُعني أنّ الطعام مُقدَّم على العبادة، والأمان سابق للإيمان، لكن سُلطة الانقلاب تقتل الذين لم يقتنعوا أنّ المنسوبين لعلي بن أبي طالب أشرف منهم نسبًا وأحق بالحكم والسيادة، وتشهر أسلحة الكلاشنكوف في وجوه منتقديها، أو من يُذكّرونها بواجبها في تخفيض أسعار المواد الضرورية، فكيف لو أشهر مواطنو صنعاء الذين لم يعودوا يجدون قوت يومهم السيوف في وجهها تنفيذا لمقولة الإمام علي؟!  
 
لكن ما شأننا بسلطة الحوثيين، فلا شرعية لها، كما أنّها من بقايا الكهنوت الذي يسهل تحطيمه بالقوى الوطنية المقاتلة على الأرض والبعيدة عن الفساد. حُكّام اليمن لا يعنيهم طعام الشعب ولا أمانُه فهي عندهم مسؤولية أرحم الراحمين، لكنهم يطالبون اليمنيين بالقتال لحماية الشرعية، التي هي آخر ما تبقّى لليمنيين من رائحة بلدهم المرحوم. أو كما قال وزير غريب عجيب في الحكومة اسمه صالح الجبواني لقناة الجزيرة: شرعية الرئيس هي آخر ما تبقى لنا من اليمن! 
 
اليمن انتهت بحسب كلام وزير النقل "الجبواني" ولم يتبق منها غير الرئيس هادي ودولته. وعليه فيُفترض أن يحافظ اليمنيون عليهم في أحداقهم، أو يبنون لهم متاحف - أو حتى معابد - مثل الهنود، لتخليد اليمن التي ضاعت، ومن حُسن حظنا أنّهم باقون ليُذكّرونا بها، بعد أن صاروا (هي) أو صارت (هم)!
 
ولكن، لماذا هم آخر ما تبقّى؟ وأين ذهبتم باليمن يا جنّ؟! وما الذي سيفعله اليمنيّون بـ"هادي" ودولته والجوع يطحن مُعظمهم. هل سيأكلونهم؟ وهل ستكفي أجسادهم ملايين الجوعى؟ كما أن مُعظم رجالاته كبار في السن، ولحومهم بحاجة لوقت طويل، وغاز كثير، حتى تنضج، والغاز غالٍ وغير متوفّر. 
 
تعتقد الرئاسة أنّها (ربّة) الشرعية فقط، وتوفير الخدمات مسؤولية التحالف ومشكلته، وليست مشكلتها، مع أنّ هذا التحالف استدعته الشرعية لأجل (مساعدتها) في تحرير اليمن، وليس إسكانها في القصور، ودفع رواتب باهظة لها وللمحسوبين عليها بالدولار. لكنها نسيت ذلك بعد إصابتها بألزهايمر، أو تغافلت عنه، وكلما طالبهم التحالف بالعودة إلى العاصمة المؤقتة (عدن) وممارسة مهامهم، تحجّجوا بالوضع الأمني الصعب الذي يتهدّد الشرعية، والتي إن أصابها مكروه سيبتلع الحوثي اليمن!
 
أعلم أنّ الشرعية مُهمة، وضرورية، لكن لماذا يتم اختزالها في الرئيس فقط والتحجج بالمبادرة الخليجية التي جاءت لتكون حلاً لا لكي تزرع مشكلة؟!  وأين ذهبت الوعود بتفعيل سُلطة مجلس النواب والحديث عن توفّر النصاب القانوني لانعقاده في أي محافظة من المحافظات المُحرّرة؟ ومع أنّ التهديد وارد، لأنّ اليمن في حالة حرب ويفترض أنّ دولة الرئيس وحكومته مهيّؤون للقتال والمواجهة، إلا أنه من غير المنطقي أن تتحوّل الشرعية إلى ورقة ضغط وابتزاز أو "بعبع" للتخويف. 
 
في 2006، وفي إطار المكايدة الحزبية، وضعت أحزاب اللقاء المشترك برنامجها الانتخابي تحت شعار (رئيس من أجل اليمن.. لا يمن من أجل الرئيس) ولأنّ نواياهم لم تكن صادقة وشعارهم مُضلّل؛ فقد منح الله الرئيس الحالي يمنًا من أجله، ومُسخّرًا لخدمة ذريته وبطانته، يفعل بها الأفاعيل، ويكتفي بالظهور في المناسبات والأعياد الوطنية لتذكير شعبه بوجوده؛ ليشكروا الله على نعمته عليهم. 
 
المؤكد أنّ هناك من لا يرغب في أي شرعية غير شرعية الرئاسة، لمآرب سيّئة ومصالح أنانية، مع أنّ هذه الأخيرة لم يعد يهتم بها اليمنيون، لأنّها لا تهتم لهم ولا يعنيها شأنهم. والحديث عن الشرعيات في ظل تفشّي الفقر والجوع - بسبب الحرب - ليس أكثر من وسيلة ابتزاز وارتزاق، تستفيد منه الشِّلَل المُنتفعة، والمسيطرون على الأحزاب الموالية، وتُرّوج له وسائل الإعلام التابعة لهم بغرض مزيد من البقاء والسلطة والنفوذ. 
 
صدقوني.. لو كان في الحوثيين خير لليمن وشعبه، ولم يكونوا عنصريين ولا طائفيين أو فاسدين، أو لم يكونوا في حقيقتهم ضد النظام الجمهوري ومع إعادة الإمامة، لكان اليمنيون قبلوا بهم ولو على مضض، كما قبلوا سابقًا في شمال اليمن بالرئيس السلال، ومن بعده الإرياني، ثُمّ الحمدي، والغشمي، أو حتى بالرؤساء المحسوبين على النهج الماركسي في الجنوب، لمجرد أنّهم لم يزعموا أنّهم من طينة سامية، وأسر متعالية على الشعب، فكل الرؤساء المذكورين استمدّوا شرعيتهم من ثورات أو انقلابات، لكنهم كانوا من بسطاء وعامة الناس، ومع النظام الجمهوري الذي يكفل ولو نظريًّا المواطنة المتساوية، كما أنّهم لم يزعموا أنّهم سادة، ولا عرقهم أزرق، ولا جدهم  الرسول، وحيواناتهم المنوية مقدسة! 
 
الشرعية الحقيقية في اليمن هي للنظام الجمهوري، القائم على الحرية والتعدّدية والعدالة ودولة النظام والقانون والانتخابات والمواطنة المتساوية، ومن أجلها ينبغي أن يقاتل الناس ويساعدهم التحالف، وغير ذلك سيذهب مع الحوثيين هباء منثورا، طال الزمن أم قصر، لأنّ الأشخاص زائلون والأوطان هي الأبقى والأهم.
 
الفقر والجوع الذان يجتاحان اليمن سببهما سوء الإدارة وضعفها، والفساد والمحسوبية، وهي هوامش لا تأبه لها القيادات الشجاعة إذا ما بادرت، وستكون قادرة على تفكيكها ومعالجتها مهما ضاقت واستحكمت.
 
لنقبل بالتغيير لأجل اليمن، فهو الحل الأسلم والأصوب والأفضل، بدلاً من التشبّث بسلطة عاجزة لا هم لها غير البحث عن حيل تكفل لها مزيدًا من البقاء، أو التخطيط للتخلّي عن الدول التي استُدعيت، والتحالف معها لحماية اليمن، والهروب إلى دول معادية لها، فلن تكون نتيجة ذلك سوى مزيد من التشرذم والضياع واستدعاء الخراب.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة