إشكالية قانونية.. لماذا لا تعاقب من تقتل زوجها بدم الحيض؟

الأربعاء، 17 أكتوبر 2018 10:00 ص
إشكالية قانونية.. لماذا لا تعاقب من تقتل زوجها بدم الحيض؟
جثة-صورة أرشيفية
علاء رضوان

 

الواقع يؤكد أن هناك العديد من الإشكاليات القانونية تتمثل في وقائع وحالات لم يتطرق لها القانون منها على سبيل المثال واقعة قتل سيدة لزوجها عن طريق «دم الحيض» بوضعه له في الطعام، الأمر الذي يتعذر معه معاقبتها رغم ثبوت الجريمة عليها.. فهل تطرق القانون الجنائي المصري لتلك الإشكالية؟ يُجيب محمد الصادق، الخبير القانونى والمحامي، بقوله إنه من المعلوم أن خلط «دم الحيض» مع آي أكل أو شراب قد يؤدي إلى الوفاة، وقد يتعذر على الطب الشرعي إثبات سبب الوفاه، لأن الموت يسبقه أعراض - قد تبدو عادية - مثل إصفرار اللون وذبول الجسم وقد يستغرق المجني عليه وقتا حتى يموت.  

هل دم الحيض مادة سامة بطبيعتها؟

يقول صادق، إنه قرأ أكثر من جريمة قتل، كان المتهم فيها زوجات وضعن دم الحيض لأزواجهن، ومع صعوبة إثبات ذلك طبيا، إلا أن الإشكالية القانونية هنا.. هل يعتبر دم الحيض مادة سامة بطبيعتها؟ بمعنى آخر، لو زوجة قتلت زوجها مستخدمة دم الحيض، فهل يمكن تطبيق نص المادة 233 عقوبات؟ التي تنص على: «من قتل أحدا عمدا بجواهر يتسبب عنها الموت عاجلا أو آجلا يُعد قاتلاَ بالسم أيا كانت كيفية استعمال تلك الجواهر ويعاقب بالإعدام».

ويضيف: فى كتب الفقه عرفوا «السم» بأنه المادة التي تؤدي إلى الوفاة عن طريق التفاعل الكيميائي، لذلك من يضع لآخر مسمارا في الطعام أدى لوفاته - عن طريق تمزيق الأمعاء - فلا يعتبر قاتلا بالسم، كذلك من أعطى لشخص مخمور كمية من المياة المعدنية من نوع خاص أدت لوفاته فلا يعتبر قاتلا بالسم.

وبالرجوع للسؤال مرة أخرى، لو الطب الشرعي استطاع لسبب الوفاة وأنها بسبب «دم الحيض» فهل تطبق هنا المادة 233؟ فيعاقب مستخدمه بالإعدام.. يؤكد الخبير القانوني، أنه حثت فى جميع كُتب الطب الشرعي ولم يصل إلى نتيجة تُذكر.

القتل باستخدام دم الحيض

بينما كان للخبير القانونى والمحامى كريم عبد الناصر، رأياَ أخر حيث أكد أن الإشكالية في القتل بدم الحيض ليست في الجريمة التامة وإنما في الشروع فيها، بإعتبار أن التشريع الجنائي شأن باقي التشريعات يرتد إلى أصل المنفعة وهو أصل كل تشريع، والمنفعة هي الشيء الذي يجلب الخير ويجتنب الشر، والخير هو ما يسبب اللذة والشر هو ما يسبب الآلام، وهدف كل مقنن هو إسعاد الأمة بجلب الخير لها وإبعاد الشر عنها، وسعادة الأمة هي غايتها. 

اقرأ أيضا: يهم كل موظف ومسئول.. ماذا قال القانون والشرع عن التعسف فى استعمال الحق؟

والقانون الجنائي، مثل باقي القوانين يسعى لإسعاد الأمة بيد أنه يتخذ التجريم والعقاب أداة لتأكيد المصالح التي ارتأى المشرع جدارتها بالحماية الجنائية، وهي إما مصالح تخص الفرد لشخصه أو لكونه عنصراً من عناصر الهيئة الاجتماعية، فكانت الجرائم المضرة بالأشخاص والجرائم المضرة بالمصلحة العامة- وفقا لـ «عبد الناصر».

download

والمصلحة المحمية جنائياً في جرائم القتل ليست حماية البدن من الفناء، ولكن المصلحة المحمية جنائياً وكما يقول الأستاذ والمُعلم محمود نجيب حسني أنها: «تجريد قانوني فالجريمة هي اعتداء على الحقوق»، فجرائم القتل تمثل إعتداء على الحق في الحياة، وجرائم الضرب تمثل إعتداءاً على الحق في سلامة الجسد وهكذا وتعتبر جريمة القتل من أخطر الجرائم التي تقع على الفرد، لأنها تسلبه حقه في الحياة، وتتعدد أساليب القتل وتتنوع الظروف التي يقع خلالها فتختلف المعالجة التشريعية، إما بتشديد العقاب أو التخفيف منه-الكلام لـ«عبد الناصر».

هل يعتبر دم الحيض سُم؟

وبحسب الخبير القانوني، فإن استخدام السم في ارتكاب تلك الجريمة يعتبر ظرفاً مشدداً للعقاب لتعلقه بوسيلة تنفيذ القتل، حيث ارتأى المشرع أن استعمال السم يحمل معنى الغدر والخيانة، فضلاً أنه يضع صعوبات أمام معرفة الجاني وإقامة الدليل على المشتبه فيه، فضلاً إلى ضعف احتمال إنقاذ المجني عليه، ولأجل ذلك تشدد المشرع في العقاب فنص في المادة 233، عقوبات على أنه: «من قتل أحد عمداً بجواهر يتسبب عنها الموت عاجلاً أم آجلاً يعد قاتلاً بالسم أياً كانت كيفية استعمال تلك الجواهر ويعاقب بالإعدام». 

download (1)

نص المادة 233

وفي خصوص «القتل بدم الحيض» فإن هذه الموضوع يثثير مسألتين أولهما ما هو مدلول تلك الجواهر الواردة بنص المادة 233 وثانيهماً هل يعتبر دم الحيض داخلاً في مدلول الجواهر الواردة في المادة سالفة الذكر، بالنسبة إلى مدلول لفظة الجواهر الواردة بنص المادة 233 عقوبات، نشير في البداية إلى أن التشريع الجنائي، وبالنظر إلى الاعتبارات التي يقوم عليها يفرض على المشرع التوسع في مدلول بعض الأفكار الواردة فيه لتحقيق مزيداً من الحماية الجنائية، فالمصلحة المحمية جنائياً في جرائم القتل وهي حماية حق الإنسان في الحياة تقتضى التوسع في مدلول الجوهر المسبب للوفاء، وإن كان لفظ الجوهر يشمل الجوهر السام بطبيعته ولكن لا يقف عنده، فيشمل كذا الجوهر الغير سام بطبيعته ما دام من شأنها أن تتسبب في الوفاة وذلك تأسيساً على أن لفظ جوهر جاء مطلقاً فتعتبر أي مادة يتسبب عنها الوفاة في «حكم السم»-هكذا يقول «عبد الناصر». 

اقرأ أيضا: للتخفيف عن كاهل القضاء.. هل يجوز التصالح في بعض القضايا بعد الحكم النهائي البات؟

ويعتبر سماً كل مادة تؤثر في الجسم تأثيراً كيميائياً يؤدي إلى الوفاة بغض النظر عن شكل المادة فيستوي أم تكون صلبة أو سائلة او غازية، وأياً كان مصدرها نباتياً أو حيوانياً أو معدنياً، وبغض النظر أيضاً عن سرعة تأثيرها، سواء كانت سامة بطبيعتها أو تم خلطها مع مادة أخرى جعلها كذلك، فتعتبر مادة الأنتيمونيا المعدنية غير سامة في ذاتها ولكنها تعتبر كذلك عند خلطها بشراب النبيذ، وكما تعتبر المادة سامة إذا كانت لا تسبب الوفاة إلا اذا اعطيت للمجني عليه بكميات كبيرة وذلك قضي بأن: «يعتبر شروعاً في جريمة التسميم أن يضع الجاني للمجني عليه في شرابه بنية قتله كمية قليلة من مادة سادة سلفات النحاس فلا يموت لأن هذه المادة لا تؤدي إلى الوفاة إلا إذا استعملت بكميات كبيرة».

images

التوسع في الحماية الجنائية

وعلى ما تقدم- وفقا لـ«عبد الناصر»- فإن الجوهر الذي من شأنه إحداث الوفاة، وبالنظر إلى الاعتبارات الخاصة للقانون الجنائي وما تفتضيه تلك الاعتبارات من ضرورة التوسع في الحماية الجنائية للحق في الحياة بإطلاق لفظ جوهر من كل قيد، لا يشترط فيه أن يؤثر في جسم المجني عليه بطريقة أو بشكل معين، فيستوى أن يكون تأثير ذلك الجوهر كيميائياً أو حركياً، فإي مادة تتفاعل مع جسم المجني عليه بغض النظر عن نوع ذلك التفاعل أو شكله يتسبب عنه الوفاة تعتبر في حكم السم، ويقوم بها الظرف المشدد المنصوص عليه في المادة 233 عقوبات، فلا يمكن تبعاً لذلك قصر مدلول الجوهر المسبب للوفاة على تلك الجواهر التي لا تتفاعل كيميائياً، ولكنها تؤدي دوراً ميكانيكيا داخل جسم المجني عليه بتمزيق أحشاءه الداخلية محدثةً خلل في وظائف الجسم على نحو يسبب الوفاة، لأن ذلك يؤدي إلى عدم إعتبارا وضع الجاني مسحوق الزجاج أو مسامير صغيرة أو أجزاء من شفرات حادة متناهية الصغر في خبز المجني عليه فينتج عنها الوفاة أنها قتلاً بالسم.

 

على مقولة أن الزجاج والمسامير أو الشفرات الحادة لا تتفاعل كيميائياً مع جسم المجني عليه، وهذا القول مردود عليه بأن علة التجريم في جريمة القتل بالسم، كما بينا، تتعلق بوسيلة تنفيذ القتل فالقتل بالسم يحمل معنى الغدر والخيانة، وأنه يحدث غالباً من شخص يضع المجني عليه ثقته فلا يتخذ قبله حيطة وحذراً، وتتوافر هذه العلة سواء في المواد التي تتفاعل كيميائياً أو التي تتفاعل حركياً فكليمهما لا يستطيع المجني عليه تفاديها.

وعلى ذلك فإن دم الحيض، وهو دم فاسد وقد أمر الله عز وجل باجتنابه، فإذا نتج عن تناوله الوفاة فيعتبر القتل في هذه الحالة قتلاً بالسم بغض النظر عما إذا كان دم الحيض ساماً بطبيعته أو بتفاعله مع مواد أخرى، وبغض النظر سرعة التأثير، وبغض النظر عن الكمية المسببة للوفاة فقد لا يعتبر دم الحائض مسبباً للوفاء إلا إذا تم وضعه للمجني عليه بكمياته كبيرة ففي هذه الحالة تقوم جريمة القتل بالسم، وبغض النظر عن شكل تفاعل دم الحيض مع جسم المجني عليه، وبغض النظر عن نوع التأثير في جسم المجني عليه طالما أن شأن ذلك التأثير أن يسبب الوفاة. فعلة التجريم تتوافر في هذه الحالة المخصوصة حيث أن إقدام الجاني على القتل هنا يحمل معنى الغدر والخيانة-بحسب «عبد الناصر».

اقرأ أيضا: من منكم بلا خطيئة.. كارت المعلومات الجنائية من لحظة التسجيل لخطوات المحو من الفيش

وفي النهاية يمكن القول أن النص في المادة 233 من قانون العقوبات يشمل معنى السم الفني ولا يقف عنده أو بعبارة أخرى أنه أعتبر المواد التي تسبب الوفاة وإن لم تكن سماً بالمعنى الفني أعتبرها في حكم السم، إذعانا لما تفتضيه الاعتبارات الخاصة للقانون الجنائي من ضرورة التوسع في بعض المفاهيم العلمية على نحو يحقق الحماية للمصلحة المحمية جنائياً على أكمل وجه، وتقوم جريمة القتل المقترنة بظرف مشدد اعطاء المجني عليه جواهر يتسبب عنها الوفاة ولو لم تكن جواهر سامة بطبيعتها- طبقا لـ «عبد الناصر». 

تحقق أحداث القتل

واعتقد أن القتل- وفقا لـ«عبد الناصر»- بدم الحيض لا تثير إشكالية في شأن الجريمة التامة، لأن النتيجة الإجرامية وهي أحداث القتل قد تحققت بالفعل عند إعطاء المجني عليه تلك المادة، ولكن في الحقيقة نحن لن نبين طبيعة تأثير دم الحيض كمسبب للوفاة، فلم نقف على إجابات الأسئلة التالية؛ هل سبب دم الحيض الوفاة لأنه سام بطبيعته أم لأنه تفاعل مع غيره من المواد خارج جسم المجني عليه أو داخله؟ هل سبب دم الحيض الوفاة لأنه تم وضع للمجني عليه بكميات كبيرة؟ هل تأثير دم الحيض سريع أم بطيء..كل هذه التساؤلات بالنسبة للجريمة التامة لا أهمية الإجابة عليها فإن المشرع لم يقف على تلك الأجوبة لتوافر الظرف المشدد طالما أن الوفاة حدثت فعلاً وثبت أن المجني عليه تناول تلك المادة فكما قدمنا أن أي جوهر سبب وفاة بغض النظر عن ماهيته يعتبر في حكم السم ويقوم به الظرف المشدد.

والحاجة الماسة إلى تلك الأجوبة هي في حالة الشروع في هذه الجريمة، لأنه فعل الشروع يتوقف على إجابة التساؤل الأتي: هل دم الحيض من شأنه في ظروف هذه الحالة المخصوصة إحداث الوفاة أم لا، والقاضي في هذه الحالة عليه الاستعانة بأهل الخبرة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة