نقيبٌ فقد بوصلته.. هل يقرأ عبد المحسن سلامة ما تنشره الأهرام؟ (صور)

الإثنين، 19 نوفمبر 2018 11:00 م
نقيبٌ فقد بوصلته.. هل يقرأ عبد المحسن سلامة ما تنشره الأهرام؟ (صور)
مصطفى الجمل

 

في أول سنوات العمل الصحفي، يتلقى المتدربون الجدد في مختلف الجرائد القومية والمستقلة مجموعة من النصائح ممن سبقوهم في بلاط صاحبة الجلالة، حتى سنوات قريبة كانت هذه الإرشادات على قلتها، تعد دليل القادمين الجدد لشق الطريق في واحدة من أسمى المهن التي عرفتها البشرية.
 
وكان من ضمن هذه الإرشادات المواظبة على الإطلاع على الجرائد اليومية كافة، وأضعف الإيمان اثنان منها، على أن يكون أحدهما وأولهما العريقة الأهرام، كان يقال من ضمن ما يقال عن طقوس متابعة الأهرام صباح كل يوم، ألا تترك صفحة الوفيات وتعتبرها من الأبواب المكملة، نهينا عن تصفح هذا الباب بعجالة، كان الأساتذة يشددون على أن نتفحص الباب الاجتماعي الأكبر في الصحف المصرية كلمة كلمة علنا نجد خلف نعي هنا أو هنك مفتاح لتحقيق يهز الرأي العام، من هذا الباب كُشفَت قضايا سياسية كبيرة هزت الرأي العام، هنا فُضِحت علاقة رؤساء جمهورية برجال أعمال منتفعين، ووزراء كبار برجال أعمال فاسدين.
 
تعلمنا أن هذا الباب هو دليلك لفهم التشابك السياسي العائلي، والإمساك بخيوطه وتتبعه، تعلمنا هذا من زملاء وأساتذة يسبقهم الأستاذ عبد المحسن سلامة نقيب الصحفيين ورئيس مجلس إدارة الأهرام في السن والمنصب والتاريخ المهني، إلا أن هذا الفارق في السن والمهنة يبدو أنه أتى بنتيجة عكسية، فنسي الرجل القابع على رأس الهرم الصحفي وأعرق جريدة بالشرق الأوسط دروس مهنية بدائية، فوقع في كوارث مهنية لا تغتفر. 
 
بالأمس نشرت صفحة الوفيات بالعزيزة الأهرام، مشاطرة الأستاذ عبد المحسن سلامة بصفته نقيبا للصحفيين ورئيسا لمجلس إدارة الأهرام الصحفي السيد الشاذلي، بصفته نقيبا للنقابة العامة لوسائل الإعلام ، الأحزان في وفاة شقيقه تغمده الله برحمته الواسعة، رغم أن الصحفي سالف الذكر تم التحقيق معه في عهد مجلس النقابة السابق، بعد أن تقدم النقيب -آن ذاك- الأستاذ يحيى قلاش بصفته نقيبا للصحفيين  ببلاغ للنيابة العامة ضد هذا الكيان (النقابة العامة لوسائل الإعلام) الذي يستخدمه صاحبه في النصب ومنح العضوية لكل من هب ودب بمقابل مادي.
 
نعى الأهرام
                               نعي الأهرام للصحفي السيد الشاذلي 
 
 
وبمجرد أن تم نشر الواقعة على موقع التواصل الاجتماعي، استنكر الصحفيون السقطة المهنية للنقيب، والعريقة الأهرام، وهو ما دفع الزملاء في الأهرام إلى تصحيح الأمر اليوم باعتذارهم عن نشر صفة الصحفي سالف الذكر بالخطأ، مؤكدين على أنه لا وجود لما يسمى بالنقابة العامة للعاملين بوسائل الإعلام. 
 

كيان مزيف
 
                                   اعتذار الأهرام
 
قبل خمسة أشهر من الآن، وقعت الأهرام في خطأ أفدح، عندما نشرت في عدد الجمعة بتاريخ 1 يونيو 2018 ، نعياً لـ«قضاة الإخوان» الصادر بحقهم أحكام قضائية نهائية من التأديبية العليا (أعلى درجات التقاضي بمحكمة النقض) وجميعهم من الهاربين خارج البلاد. 
 
سمحت الأهرام لـ20 شخصا من المعزولين من العمل القضائي بنشر نعي كبير في صفحة الوفيات، للمستشار السابق محمود محيي الدين، أحد الأسماء الرئيسية في ائتلاف «قضاة الإخوان» الذين جرى عزلهم لاحقًا، والمتهم الذي ألقى بيان المجموعة من فوق منصة اعتصام رابعة، بل منحت عددا منهم لقب «بك».  
 
 
نعي الأهرام لقضاة الإخوان

                           نعي الأهرام لقضاة الإخوان


 

وليد الشرابى
 
 
هذا عن الأستاذ عبد المحسن سلامة المسئول عن الأهرام، أما فيما يخص الأستاذ عبد المحسن سلامة نقيب الصحفيين فالأمر أسوأ بكثير، فالعمل العام كما يعرف الجميع دائمًا ما يبنى على قاعدة واحدة، تتعلق بالإطلاع على الواقع اليومي الذي يعيشه المواطنون على حد سواء، وهو ما يعني أن دور كافة النقابات التي هي في القلب من العمل العام، لابد أن يكون مقترناً بتأصيل الشعور الجماعي للمواطنين على اختلاف فئاتهم.
ولكن حين تجد رأس العمل النقابي لفئة معينة من المواطنين، تُعد هي الأقدر على نقل شعور الجماهير بصورة مباشرة إلى مسؤولي الدولة، غائباً عن واقعهم المعيشي، فلابد أن تكون هناك وقفة للتفكير في حقيقة دوره، فلو أن نقيب الصحفيين السيد الأستاذ عبد المحسن سلامة، قرر يوماً أن يعود إلى صفوف الجماهير، ويترجل دقيقتين حتى مطعم آخر الساعة المجاور لمبنى النقابة، والمحسوب على مطاعم الطبقة المتوسطة، ليشارك زملاءه من أبناء صاحبة الجلالة وجدانياً، ويطلب مثلما يطلبون صباح كل يوم ساندوتشين فول أو طعمية، لدفع ما لايقل عن ست جنيهات، وهنا النقيب قرر أن يطبق أعلى درجات الزهد ولم يطلب بجانب الساندوتشين «مخلل طرشي» لفتح الشهية. 
 
الحديث هنا عن الحد الأدنى لمكونات وجبة واحدة من مطعم بسيط بمنطقة يرتادها كل أبناء الإقليم، إما مقيمين أو قاصدين قضاء مصلحة بمنطقة وسط المدينة، أو عاملين بالمحيط القريب، وإن أراد النقيب شد الخط على استقامته ليبرهن على صحة نظريته القائلة بأن الفرد المصري يستطيع أن يأكل في مصر بخمس جنيهات، لدفع في اليوم الواحد 20 جنيهاً ثمن ثلاث وجبات، هذا إن أعجب السيد النقيب بالترجل ووجد فيه منافع جمة، وقرر أن يترك سيارته الفارهة ويتنقل يومياً بين مقر عمله في الأهرام أو نقابة الصحفيين  ومنزله سيراً على الأقدام، ولم يأخذه الشوق لكوب شاي، يخفف به أثر وجبات الفول والفلافل المتعاقبة على النفس والمعدة.
 
أثبت نقيب الصحفيين الأستاذ عبد المحسن سلامة في تصريحات أدلى بها أثناء مشاركته مع الوفد الإعلامي المرافق للرئيس عبد الفتاح السيسي، في لقاء رموز الجالية المصرية في نيويورك بأمريكا، أنه منفصل عن واقع المصريين كلهم، لا يعرف كيف يعيشون؟، ولا حجم معاناتهم وتحملهم للإصلاحات الاقتصادية، التي أراد أن يمدحها الأستاذ عبد المحسن سلامة، فأساء لسمعة مصر، فليس من المعقول والمقبول أن رأس الهرم الصحفي غير مطلع على ما تصدره الدولة وأجهزتها الرقابية من تقارير ونشرات تبين من خلالها حقيقة الوضع الاقتصادي والحد الأدنى للفقر والدخل، والمنشورة كلها عبر أخبار وتقارير وتحليلات وكافة فنون العمل الصحفي على صفحات الأهرام وموقعها، بما يعني أن الأستاذ عبد المحسن سلامة لا يطلع على ما ينشر بالجريدة التي يرأس مجلس إدارتها شأنه في ذلك شأن العامل البسيط أو حارس العقار الذي لا «يفك الخط». 
 
الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء حدد في آخر تقرير له خط الفقر المصري عند 5787.9 جنيه سنويا، أي نحو 482 جنيها شهريا، وبلغت نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر 27.8%، وبقسمة الـ482 جنيهًا على أيام الشهر الواحد، ستجد أن من لا يملك 16 جنيهًا في اليوم فهو واقع تحت خط الفقر، أي ثلاثة أضعاف الرقم الذي ذكره النقيب، بما يعني أن «سلامة» كان يقصد بتصريحاته الطبقة «السوبر فقيرة». 
 
 
لم نكن بجوار السيد النقيب، فلم نحط علماً بسبب تطوعه للإدلاء بهذا التصريح، وهو غير ملم بحقيقة الأرقام التي تقرها الدولة وتعمل على معالجتها عن طريق برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي لم يكن بأي حاجة لتعليق السيد النقيب طالما أنه لم يقرأ محاوره ولم يناقش أحداً من المسئولين فيه، فالبرنامج يحظى بإشادة دولية واسعة منذ بداية شروع الحكومة في تنفيذه. 
 
هذه ليست السقطات الأولى للأستاذ عبد المحسن سلامة، وهنا لسنا في حاجة إلى تكرار ما مضى من أخطاء يسأل عنها الأستاذ مباشرة في طريقة إدارته للنقابة أو للعريقة الأهرام، ولاسيما أنها أفردت لها عشرات الصفحات بالجرائد ومئات التقارير على المواقع المصرية، ولكن يبقى واجبنا أن نناشد الأستاذ عبد المحسن أن يعود ليبحث عن بوصلته المفقودة منذ ما يقرب من عام أو أكثر، عله يتمكن من تصحيح ما تسبب فيه من كوارث عصفت بهيبة النقابة والأهرام.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق