بعد تضارب الأحكام القضائية.. هل يجبر الأب على تجهيز ابنته في حال زواجها؟

السبت، 08 ديسمبر 2018 11:00 ص
بعد تضارب الأحكام القضائية.. هل يجبر الأب على تجهيز ابنته في حال زواجها؟
محكمة الأسرة
علاء رضوان

أحكام تصدر من هنا ومن هناك بشأن إلزام الأب بتجهيز ابنته من عدمه، خاصة بعد خلو قوانين الأحوال الشخصية من النصوص القاطعة في مسألة التزام الأب وإجباره على تجهيز ابنته في حالة زواجها، وذلك فى الوقت الذى تغيب فيه المبادىء القانونية الخاصة بمحكمة النقض لعدم الطعن على أحكام محكمة الأسرة بالنقض.

 

التجهيز بين الإجبار من عدمه

فى هذا السياق، تقول هبه علام، الخبير القانونى والمحامية، إن هناك اختلاف كبير في الأحكام القضائية المتشابهة بشأن التزام الأب وإجباره على تجهيز ابنته في حالة زواجها حيث أنه قوانين الأحوال الشخصية تخلو لا شك من النصوص القاطعة في مسألة التزام الأب وإجباره على تجهيز ابنته في حالة زواجها، ما يعد معه قصوراً في التشريع، خاصة أن ذلك الالتزام بإعداد جهاز الابنة للزواج يختلف عن الالتزام بالنفقة، لأن النفقة المقصود بها ما يدفعه ولي الأمر أو الراعي لرعيته من غذاء ومسكن وملبس وعلاج وتعليم.

 

ووفقُا لـ«علام» فى تصريح لـ«صوت الأمة» أن الواجب تطبيقه في هذه المسألة الراجح في مذهب الإمام أبي حنيفة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته»، مؤكداَ أن حكم تجهيز البنت عند زواجها يشترط ألا يتم من المهر المدفوع لها، لأن المهر ملك خالص للبنت تفعل به ما تشاء. 

 

s_s_e4568570-7f38-4ac1-beb4-7da6113e2d57

 

وتُضيف الخبير القانونى كما لا يجوز في الوقت نفسه إجبار الأب على تجهيز البنت، وإذا تبرع الأب وجهز ابنته البالغة من ماله فإن الجهاز المتبرع به أصبح ملكاً خالصاً للبنت، لأن الجهاز في كل الأحوال ملك خالص للبنت، والأصل في الالتزام بتجهيز ابنته التبرع وليس الإجبار، مشيرة إلى أن العرف الجاري أن يتقاسم العروسان كلفة الجهاز، ويتم تحرير قائمة بمنقولات الزوجية للمرأة، وتصبح تلك المنقولات التي لدى الزوج على سبيل الأمانة للاستعمال فقط، وتستردها الزوجة متى طلبت ذلك في حالة الطلاق.

 

معالجة القصور التشريعى

وعن علاج القصور التشريعي، يقول رجب السيد قاسم، الخبير القانونى والمحامى بالنقض، إنه يجب التصدى لجوانب القصور التشريعي، وذلك من خلال سن نصوص صريحة وواضحة لا تقبل الاختلاف، بإلزام الأب بتجهيز ابنته بما يليق بها وما يتناسب مع حالته المالية ومستواه الاجتماعي، وذلك بالتفاهم بينه وبينها وبين أسرة الزوج، مع العلم أن المهر ملك خالص للابنة ولا يجوز إجبارها على تجهيز نفسها منه، وفي حالة قيامها بتجهيز نفسها يعتبر ذلك ديناً في ذمة أبيها حسب حالته المادية يسراً أو عسراً، دون إغراقه في الديون. 

 

1487844551

 

جمهور الفقهاء -وفقاَ لـ«قاسم» فى تصريح خاص- يرون أن تجهيز الزوجة يكون على الزوج مع دفع المهر، لأنه مكلف شرعاً بإعداد مسكن الزوجية، وليس لها حق في هذا الجهاز إلا أن  المشكلة أن العرف جعله يستبدل المهر بتجهيز بيته وكتابة قائمة المنقولات باسم الزوجة، على أن تقوم أسرة الزوجة بتحمل جزء من التجهيز حسب الاتفاق بينهم بالتراضي حيث فرق بين تجهيز الابنة الطائعة لوالدها التي تتخذ منه ولياً شرعياً لها، وتحرص على رضاه لأنها تؤمن بقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا زواج إلا بولي وشاهدي عدل»، وبين بعض البنات اللواتي يضربن بكل الشرائع والأعراف عرض الحائط، ويقعن في عقوق الوالدين، حتى أنها قد تتم خطبتها وإجراءات زواجها بدون علم والدها، ولا تحرص على إرضاء أبيها وأمها، فهل بنت بتلك الصفات تستحق أن تجبر المحكمة والدها على تجهيزها؟

 

الزوج ملزم بالمهر والأب ملزم بتجهيز ابنته –بحسب قاسم- على أن تتم كتابة هذا الجهاز باسم الزوجة، فإن هذا التجهيز يجب أن يهتم أولاً بالأساسيات ثم الكماليات أو غير الضروريات، فإن عجز الأب عن توفير الكماليات فليس آثماً شرعاً، وخاصة أن هذه الكماليات أصبحت في عصرنا أكثر تكلفة من الأساسيات، والسفه في التجهيز أمر مخالف للشرع ومرفوض عند العقلاء والملتزمين بشرع الله، وعلينا أن نتأمل مظاهر التيسير الإسلامي في الزواج، بداية من دفع المهر فقال، صلى الله عليه وسلم: «أقلهن مهراً أكثرهن بركة»، وبالتالي فإنه طالما كانت الزيجة ميسرة في المهر والتجهيز، فلن تحدث مشكلات، أما الجشع فهو السبب في كثير من المشكلات التي تجعل الزواج أمراً عسيراً، وإذا تم فهو بلا بركة،  حيث أن الأب لا يجبر على تجهيز ابنته العاقة بحكم قضائى.

 

التيسير في التجهيز

وعن مسألة التيسير فى التجهيز، تؤكد الدكتورة سها حماده عمران، الخبير القانونى والمحاضر بجامعة حلوان، على وجوب إنفاق الأب على ابنته منذ الولادة حتى الزواج، وليس سن البلوغ كما يظن البعض، حيث تجب عليه النفقة عليها بعد بلوغها حتى الزواج، لأن البنت قانوناً لا تسقط نفقتها من على عاتق أبيها إلا في حالة زواجها، حين تنتقل النفقة إلى عاتق الزوج، والدليل على ذلك أن البنت بعد زواجها إذا طلقت عادت نفقتها على أبيها مرة أخرى. 

 

download

 

ووفقا لـ«عمران» فى تصريح صحفى، أنه لا يجوز إغراق الأب في الديون من أجل تجهيز ابنته حتى تتشبه بمن هم أعلى منها في المستوى المادي، وإرضاء لطموحاتها التي قد تفوق مستوى أسرتها المادي، وإنما يجب أن تتناسب تكاليف الزواج مع المستوى المادي للأب دون إفراط أو تفريط، لأن المبدأ الشرعي قررته الآية الكريمة: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ...» آية 286 سورة البقرة. وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»، وفي نفس الوقت لا يجب أن يكون الأب بخيلاً في تجهيز ابنته، لكن خير الأمور الوسط، لأننا أمة وصفها الله بذلك، حيث قال: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» آية 143 سورة البقرة».

 

وفى النهاية يبقى سؤالاَ ملحاَ لم يُجيب عليه قانون الأحوال الشخصية حتى تلك اللحظة الأمر الذى أدى معه إلى صدور أحكام من هنا ومن هناك بشأن إلزام الأب بتجهيز ابنته من عدمه خاصة بعد خلو قوانين الأحوال الشخصية من النصوص القاطعة في مسألة التزام الأب وإجباره على تجهيز ابنته في حالة زواجها.

 

1
 
 
2
 
 
3

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق