تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة المسعفة الفلسطينية رزان النجار

الإثنين، 31 ديسمبر 2018 03:00 م
تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة المسعفة الفلسطينية رزان النجار
رزان النجار

مرت قرابة الـ6 أشهر على اغتيال المسعفة الفلسطينية رزان النجار، برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي على حدود قطاع غزة، ومنذ ذلك الحين والروايات المتضاربة عن اللحظات الأخيرة في حياتها مازالت تتردد، لاسيما تلك الصادرة من الجانب الإسرائيلي، الذي أرداها شهيدة أثناء قيامها بمساعدة الجرحى من المتظاهرين ضد الاعتداء الإسرائيلي الغاشم على بلدتهم، ومحاولة إخراجهم من منطقة التظاهرات.

صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، أجرت تحقيقا كشفت خلاله النقاب عن الكثير من الأسرار حول مقتل «النجار» في الأول من يونيو 2018م، مسلطا الضوء على ممارسات جيش الاحتلا في ذلك اليوم، حيث أنه منذ مارس 2018، يتجمع محتجون في المنطقة الحدودية بين قطاع غزة وإسرائيل، للمطالبة بحق اللاجئين في العودة، ولفك الحصار المفروض على القطاع، وعادة ما تكون هذه المظاهرات سلمية، وفي بعض الأحيان يقوم محتجون برمي الحجارة أو القنابل الحارقة على الجانب الإسرائيلي، أو الاقتراب من الشريط الحدودي، ليرد الجنود الإسرائيليون بإطلاق قنابل الغاز المسيلة للدموع أو الرصاص باتجاه المتظاهرين.

3

ونقل موقع «سكاي نيوز»، تفاصيل التحقيق الذي أجرته الـ«نيويورك تايمز»، والذي تمكنت خلاله من تحليل أكثر من ألف مقطع فيديو وصورة تم التقاطها في موقع التظاهرات قرب الشريط الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل، خلال الأول من يونيو، وهو اليوم الذي قتلت فيه النجار، مكونة لعدد من الصور الجوية  للموقع، تظهر مناطق التظاهرات ومدى قرب المتظاهرين من الشريط الحدودي في الأوقات المختلفة من اليوم، كما تم تكوين نموذج ثلاثي الأبعاد للموقع وللموجودين فيه، بمساعدة خبير جنائي.

كذلك قامت الصحيفة بتحليل الأدلة الجنائية، ونتائج تقرير تشريح جثة النجار، وأجرى مراسلوها حوارات مع أكثر من 30 شاهد عيان كانوا موجودين في الموقع وقت مقتل النجار، والاطلاع على مقاطع الفيديو التي التقطوها، وأظهرت تلك الأدلة بدقة كيفية استشهاد «النجار»، استخدام الجيش الإسرائيلي للقوة المفرطة في التعامل مع المتظاهرين.

واستخدمت الـ«نيويورك تايمز»، تقنية «الغرافيكس» لشرح طبيعة الموقع الحدودي بين القطاع وإسرائيل، موضحة أن هناك شريطا حدوديا، يقع خلفه على الجانب الإسرائيلي، الجنود والقناصة داخل سيارات "الجيب" أو خلف سواتر ترابية، ثم على بعد 40 ياردة على الجانب الفلسطيني يوجد سلك شائك، وخلال ذلك اليوم تواجد معظم المتظاهرين والمتفرجين على بعد 100 ياردة من الشريط الحدودي، وذلك بفضل الغاز المسيل للدموع، ومع قيام مجموعة من المتظاهرين بالاقتراب من السلك الشائك ومحاولة قص أجزاء منه، وإلقاء قنابل حارقة فوق السياج، رد الجيش بالقنابل المسيلة للدموع بصورة مكثفة، ثم تصاعد استخدام الجيش للعنف.

1

وبحسب التحقيق، فإنه في موقع آخر، قام بعض المتظاهرين بربط حبل في السلك الشائك وجره، وقام الجيش بالرد بالغاز، ثم نجح المتظاهرون في سحب سلك صغير وركضوا مبتعدين، وابتعد معهم معظم الموجودين، بمن فيهم المسعفتين لمياء ورزان، باتجاه أراضي القطاع، ومع ابتعادهم، انتهت مظاهر العنف، خاصة بعد الإطلاق المكثف للغاز المسيل للدموع، وفي تمام الساعة 6:31 مساء، سُمع دوي إطلاق نار بشكل مفاجئ، وسقط 3 مسعفين، هم محمد ورامي ورزان، التي تم نقلها للمستشفى وإعلان وفاتها في تمام الساعة 7:10 مساء.

كما حللت الصحيفة الأمريكية مقطع فيديو للحظة إطلاق النار، وتجميد الصورة، وتوضيح أن 8 مسعفين كانوا في المكان المستهدف، ثم حولت المشهد لنموذج ثلاثي الأبعاد لاستيضاح حقيقة ما جرى، ولمعرفة مصدر الرصاصة، تم رسم خط بين رزان ورامي، الذي كان أمامها، وكان الاثنان في مرمى الرصاصة كونهما أصيبا بشكل مباشر، ليصل الخط المستقيم إلى جنود إسرائيليين كانوا وراء ساتر ترابي خلف السياج الفاصل، لافتة إلى أن الجنود كانوا يصوبون بالقرب من الأرض ويستخدمون رصاصة كبيرة خاصة بالمعارك، وهو مايفسر إصابة مسعفين بصورة مباشرة، وآخر  بجروح برصاصة واحدة.

وأوضح خبراء جنائيون، أنه بإمكان رصاصة مثل هذه أن ترتد عن الأرض وتكمل مسيرتها، تماما كما يحدث عند إلقاء حجر على سطح الماء بطريقة معينة، ليرتد عن السطح أكثر من مرة، وهذا هو ما حدث بالفعل، إذ خدشت الرصاصة فخذ رامي، فيما أصيب محمد الذي كان على مقربة منه، بشظايا الرصاصة في صدره، قبل أن تصل الرصاصة أخيرا إلى النجار وتخترق صدرها.

وشدد تقرير الـ«نيويورك تايمز»، أن الرصاصة جاءت من على بعد 120 ياردة، مما ينفي وجود أي من المتظاهرين على مقربة من الشريط الحدودي، أو تشكيلهم "أي تهديد" للجانب الإسرائيلي، مشيرا إلى أن الجنود استهدفوا 4 أشخاص وأصابوهم جميعا، خاصة وأن قوانين الاشتباك، تفيد بأن الجنود الإسرائيليين لا يطلقون النار إلا في حال وجود خطر، كرمي المتظاهرين القنابل الحارقة، أو محاولتهم قص السياج، إلا أن مسؤولا في الجيش الإسرائيلي اعترف في تحقيق «نيويورك تايمز» بأن قتل النجار كان «غير متعمدا».

ونجحت الصحيفة الأمريكية في تحديد الضحايا الثلاث في الفيديوهات، وكانوا جميعا قد أصيبوا في الساق تماما كما جاء في الرواية الإسرائيلية، إلا أنها لم تفلح في العثور على الشخص الرابع - وهو الضحية رقم 2 في الرواية الإسرائيلية -، خاصة وأن توقيت وفاته في الرواية الإسرائيلية يتطابق مع زمن وفاة النجار، وقال الجيش: «إن الجنود أرادوا استهداف رجلا كان يرتدي قميصا أصفر اللون، وكان يلقي الحجارة ويحاول شد السلك الشائك»، إلا أن الشخص الوحيد الذي كان يرتدي قميصا أصفر في أقرب نقطة من السلك، لم يكن يفعل شيئا، بحسب ما أظهرت مقاطع الفيديو التي نشرتها الصحيفة الأميركية.

بينما أضافت الصحيفة أن الشخص كان يقف بالقرب من 8 مسعفين، وكانوا جميعا على بعد 120 ياردة من الشريط الحدودي ولا يفعلون شيئا، وبيّنت: «حتى إذا كان الشخص المستهدف يشكل خطرا، فإننا أجرينا لقاءات مع قناصة في الجيش الأميركي وقناصة سابقين في الجيش الإسرائيلي، وجميعهم أجمعوا على أنه في مثل هذه الحالة لا يجب إطلاق النار على الهدف لأنه يقف على مقربة كبيرة من المسعفين، خاصة وأن إطلاق النار الذي قد يضع شخصا آخر غير الهدف في خطر، يعد بمثابة (قتل متهور) مما قد يمثل جريمة حرب».

2

من جانبه، قال البروفيسور ريان غودمان، الخبير في جامعة نيويورك في قوانين الحرب، والذي كان مستشارا خاصا للبنتاغون بشأن جرائم الحرب وقواعد الاستهداف، إن ما يحدد ما إذا كانت الجريمة هي بالفعل جريمة حرب أم لا، هو ما إذا كان القناص يدرك أن طلقته قد تضع المدنيين في خطر كبير أم لا؟.

وأشار تقرير صحيفة «نيويورك تايمز» إلى تصريح أدلى به قائد إسرائيلي كبير "للتايمز" في أغسطس، قال فيه إن ما بين 60 إلى 70 متظاهرا في غزة قُتلوا دون عمد،، أي ما يعادل نصف العدد الإجمالي للقتلى في تلك المرحلة، ومع ذلك، فإن قواعد الاشتباك في الجيش الإسرائيلي لم تتغير، كما يقول، واعتبر التقرير أن هذا وحده قد يشكل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي، فيما دعا خبراء إلى ضرورة تغيير قواعد الاشتباك في الجيش الإسرائيلي.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق