قصة منتصف الليل.. العشرينية العنيدة

الجمعة، 01 فبراير 2019 09:00 م
قصة منتصف الليل.. العشرينية العنيدة
صورة أرشيفية
إسراء بدر

وقفت "ناهد" أمام المرآة تنظر فى تفاصيل ملامح وجهها، وتضع لمسات بسيطة من مستحضرات التجميل، وبعدها أمسكت بفرشتها وألوانها ووجهت يدها إلى لوحتها البيضاء وبدأت ترسم ملامحها الظاهرة أمامها بالمرآة، وظلت على هذا الحال لساعات، وبعدما انتهت من لوحتها نظرت إليها فشعرت وكأنها تنظر إلى مرآتها، فتركتها تجف من الألوان، وبعدها غلفتها وحملتها، وتوجهت بها إلى رجل خمسينى يجلس فى مكتبه المليء باللوحات الفنية، وشعره الغجرى يخفى أكثر مما يظهر من ملامح وجهه، فوقفت أمامه وأظهرت له لوحتها، فوقف الرجل منبهرا من روعة ما شاهده، فكانت "ناهد" تقف بجانب اللوحة، فشعر وكأنه يرى النسخة الثانية لها بكافة التفاصيل، فظل صامتا لدقائق، ثم ابتسم لها وأعطاها وسحب ورقة من مكتبه وكتب بها كلمات بسيطة، ووقع عليها وأعطاها لها بابتسامة هادئة، فأخذتها "ناهد" بنظرة تحمل الكثير من معانى الفخر والإصرار والقوة والإرادة.

خرجت "ناهد" من مكتبه واتجهت لشراء مستلزمات الرسم الخاص بها، وهى فى طريقها أعادت إليها ذاكرتها ما مر بها، منذ بداية محاولاتها إثبات موهبتها الفنية للجميع، إلا أنهم وقفوا ضدها وأكدوا عدم قدرتها على المشاركة فى المسابقة الفنية التى أعدتها إحدى الدول الأوروبية، وهو ما كان حلم هذه الفتاة العشرينية منذ سنوات طويلة، ونسى الجميع أمرها، وأوشك باب التقدم على انتهاء مدته، ولكن فى تلك الأيام لم تنام "ناهد" أو تغفل لها عين، فقد أصرت على المشاركة فى المسابقة، ولكن عقبتها الوحيدة هى موافقة المسئولين، وأولهم هذا الرجل الخمسينى ذو الشعر الغجرى.

عملت على نواقصها واعتراضاتهم طوال هذه الأيام وتدربت عليها، وقررت فى النهاية إثبات قدرتها وموهبتها للجميع، فوقفت أمام المرآة ورسمت نفسها بكافة تفاصيل ملامحها، وها هى تسير بخطوات ثابتة وبيدها خطاب موافقتها على المشاركة فى المسابقة، وفى كل خطوة تأكدت أن الطريق الذى رسمته لنفسها فى عقلها للوصول لهذه اللحظة هو ما جعلها ترسم هذه اللوحة بهذه الكفاءة، وهى على يقين بقدرتها على رسم الأفضل من ذلك فيما يخص لوحات المسابقة، فقد رسمت أحلامها فى عقلها لتلونها فى لوحاتها وتثبت لجميع من رفضوها أن قدرتها وإرادتها أقوى من رفضهم، وهى الإرادة التى جعلت آراء المسئول يتغير فى لحظة ولم تستسلم لآرائهم فى البداية.

وبعد عدة أسابيع وقفت أمام لجنة التحكيم الأوروبية لتبهرهم بلوحاتها الفنية التى عملت عليها طوال هذه المدة، وعندما أعربوا عن امتنانهم لموهبتها، ألقت بطرف عينيها نظرة إلى الخمسينى غجرى الشعر،  فوجدته مبتسما ابتسامة خجل من ذاته، وفى ذات الوقع إعجاب بإرادتها، فألقت عليه التحية "تحياتى لحضرتك، ولولا عندى معاك وأنى موهوبة وأستحق المشاركة فى المسابقة مش زى ما حضرتك قولت.. كان زمانى بعيط من الحسرة فى البيت على عدم مشاركتى فى المسابقة".

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق