القواعد العسكرية وحدها لم تعد تحمي مصالح أمريكا

الجمعة، 22 فبراير 2019 04:00 ص
القواعد العسكرية وحدها لم تعد تحمي مصالح أمريكا
دونالد ترامب

رأت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ الحرب العالمية الثانية، أن وجودها العسكري الدائم في مناطق الصراع، بمثابة الضامن الرئيسى لحماية مصالحها، والاحتفاظ بولاء حلفائها، والحفاظ عليهم في أوقات أخرى.

الأمر تغير تماما في أجندة الرئيس الحالي دونالد ترامب، حيث حملت اختلافا كبيرا، في كل ما يخص الدور العسكرى الذى تلعبه أمريكا فى العديد من الصراعات الدولية، والتى غالبا ما تتكبد فيها الولايات المتحدة الكم الأكبر من الخسائر.

وتجسدت الرؤية الأمريكية الجديدة، من قبل صعود الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، في الانتقادات المتكررة لدول حلف شمال الأطلسى، في ظل تقاعس الحلفاء عن الوفاء بالتزاماتهم المالية والعسكرية، بينما كان القرار الأمريكى بالانسحاب من سوريا، وكذلك رغبة الإدارة فى الخروج من أفغانستان فى إطار اتفاق سلام مع حركة طالبان، والحديث المتواتر عن الانسحاب من أراضى الحلفاء التاريخيين فى آسيا، وعلى رأسهم كوريا الجنوبية واليابان، وهو ما يضفى انطباعا عن تغير كبير فى الكيفية التى سوف تسعى واشنطن خلالها استخدام أدواتها العسكرية فى المرحلة المقبلة.

حماية مجانية

الأمر تغير تماما، فبعدما كانت الإدارات الأمريكية السابقة تناصر حلفاؤها ومن لديهم قواعدها العسكرية في كل شيء، تغير تماما، ما يؤكد تغير الأجندة الأمريكية، أبرز الأمثلة على ذلك، كان التوتر الحاد الذى شهدته العلاقات بين واشنطن وأنقرة، والتى تستضيف قاعدة "أنجرليك" العسكرية، على خلفيات عدة، أهمها التقارب التركى الروسى، والتهديدات التركية المتواترة بالهجوم على الميليشيات الكردية الموالية لواشنطن على الأراضى السورية ودعمها للإرهاب، بل والأكثر من ذلك أن الرئيس ترامب لم يتوانى فى فرض عقوبات على أنقرة بسبب تعنتها، قبل عدة أشهر، فى الإفراج عن القس الأمريكى المحتجز لديها أندرو روبنسون، ليجبرها على الرضوخ بعد ذلك وإطلاق سراحه.

ترامب لم يقبل الابتزاز التركى بسب قاعدة انجرليك
 
 
ويعكس التعامل الأمريكى مع الدول التى تحتضن قواعد واشنطن العسكرية اختلافا جذريا فى عهد الإدارة الحالية، إذا ما قورن بالنهج الذى تبناه البيت الأبيض فى السابق، حيث سعى كافة الرؤساء السابقين إلى توطيد العلاقة مع تلك الدول للاحتفاظ بوجودهم العسكرى على أراضيهم، وبالتالى ضمان ولاء أنظمتهم، وحماية النفوذ الأمريكى المتنامى فى كافة مناطق العالم، وهو الأمر الذى دفع بعض القوى الدولية والإقليمية إلى ابتزازهم، إلا أن إدارة ترامب ترى أن وجود القواعد العسكرية يقدم حماية مجانية لتلك الدول، وبالتالى فعليهم أن يقدموا المقابل لذلك، من خلال المال أو المواقف السياسية، وبالتالى فإن وجود القاعدة العسكرية لا ينبغى أن يفتح المجال أمام ابتزاز الإدارة الأمريكية.
 
تطويق الخصوم

ويمثل التوجه الأمريكى الجديد نحو التخفيف من قواعدها العسكرية فى العديد من مناطق العالم، امتدادا للسياسة الأمريكية القائمة على ضرورة اعتماد الحلفاء على أنفسهم، وهو ما بدا واضحا فى تدشين سياسة التحالفات الدولية، والتى بدأت فى عهد الرئيس السابق باراك أوباما، عبر تأسيس تحالف دولى لدحض تنظيم داعش الإرهابى فى سوريا والعراق، على أن يقتصر دوره على تقديم الغطاء الجوى لقوات محلية وميليشيات، على غرار ميليشيات الحشد الشعبى فى العراق، وقوات سوريا الديمقراطية على الأراضى السورية، والتى تقوم بدورها بالعمليات البرية، بينما تقدم واشنطن الأسلحة وكذلك التدريب لهم فى المقابل.

مؤتمر وارسو
 
يقول مراقبون إن التحالفات الأمريكية الجديدة، ترتبط بمساعى واشنطن لتطويق خصومها، عبر إزعاجهم فى مناطق تمثل عمقًا استراتيجيًا لهم، إلا أن الموقع الجغرافى لتلك الدول ربما يضع أى قاعدة عسكرية، تسعى الإدارة الأمريكية لتأسيسها على أراضيه كهدف محتمل لصواريخ الخصوم فى المرحلة المقبلة، خاصة بعد الانسحاب الأمريكى من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى، والذى ينذر بسباق نووى بين واشنطن وموسكو فى المستقبل القريب.

بديل واشنطن

بات التعامل الأمريكي مع الحلفاء الجدد في مناطق الصراع مقتصرا على تقديم الدعم اللوجيستي والأسلحة، لمجابهة التهديدات المشتركة، بالإضافة إلى الاحتفاظ بعدد من المستشارين العسكريين، لتقديم رؤيتهم لطبيعة المخاطر التى يواجهونها وكيفية مواجهتها، بعيدا عن وجود عسكرى كبير فى الخارج، وهو الأمر الذى يتوافق إلى حد كبير مع رؤية ترامب المتحفظة تجاه الالتزامات العسكرية لواشنطن خارج الحدود.

ترامب ونظيره الفيتنامى
ترامب ونظيره الفيتنامى

الأمر بدا جليا في النموذج الفيتنامي، حيث اتجهت واشنطن نحو التقارب معها، فى إطار رغبتها لتطويق الصين، وفى سبيل ذلك اتخذت إدارة أوباما فى عام 2016، قرارا بإلغاء حظر توريد الأسلحة الأمريكية الفتاكة إلى هانوى، بعدما استمر لأكثر من 50 عام على خلفية الحرب التاريخية بين البلدين، وهو ما يمثل انعكاسا لبداية التوجه الجديد، الذى يبتعد تدريجيا عن الوجود العسكرى الدائم فى أراضى الحلفاء.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق