بعد 30 عاما على تحرير طابا.. تفاصيل المعركة الشرسة لاستعادة العلامة «91» التي سرقتها إسرائيل

الثلاثاء، 19 مارس 2019 08:00 م
بعد 30 عاما على تحرير طابا.. تفاصيل المعركة الشرسة لاستعادة العلامة «91» التي سرقتها إسرائيل
تحرير طابا
أمل غريب

أقامت مصر في الـ (15) من مارس، احتفالا بـ«يوم الدبلوماسية المصرية» من كل عام، احتفاء بالمعركة الدبلوماسية التي خاضتها مصر خلال فترة الاحتلال البريطاني، وعودة عمل وزارة الخارجية المصرية، بعد إعلان الاستقلال عن بريطانيا في (22 فبراير 1922)، على خلفية إلغاء وزارة الخارجية لمدة (7 سنوات) بسبب إعلان الحماية البريطانية على مصر في (1914) باعتبارها أحد أهم مظاهر السيادة والاستقلال، وتحويل اختصاصاتها إلى المندوب السامي البريطاني، خاضت الدبلوماسية المصرية معركة شرسة لتسعيد وزارة الخارجية عملها، قُبيل إعلان بريطانيا الحماية على الأراضي المصرية.

الاحتلال الاسرائيلى لطابا
الاحتلال الاسرائيلى لطابا

استطاعت مصر خلال معركة دبلوماسية شرسة، إقامة تمثيل دبلوماسي وقنصلي مصري في الخارج، خاضتها بشق الأنفس، لاسيمما كانت المعركة الأشرس في تاريخها، هي معركة  «أم الاستقلال» التي بدأت في أعقاب انتصارات حرب (أكتوبر 1973)، وصولا إلى معركة «تحرير طابا» التي نجحت مصر عبر عقول دبلوماسييها في خوضها بجدارة على مدار (7 سنوات) كاملة، أثبتت خلالها مدى قوة ومهارة الدبلوماسية المصرية، حيث تكللت جهودها بالنجاح في استرداد الجزء المتبقي من أرض سيناء وطابا بشكل كامل، الذي كانت تحتله جيش الاحتلال الإسرائيلي.

بدأت الدبلوماسية المصرية خوض معركة استرداد طابا في أكتوبر (1981)، خلال الاجتماع الذي جرى بين الجانب المصري والإسرائيلي، لتفعيل انسحاب جيش الاحتلال من سيناء، كذلك اتفاق كلا الطرفان على كل العلامات الحدودية باستثناء العلامة (91)- الخاصة بمدينة طابا- حيث رفض الوفد الإسرائيلي تنفيذ اتفاق الانسحاب بشكل كامل، كذلك تطور الوضع وتوسيع الخلاف لشمل (13) علامة أخرى.

في مارس (1982) أعلنت مصر، عن وجود خلاف مع الجانب الإسرائيلي بشأن بعض العلامات الحدودية، مؤكدة تمسكها بموقفها المدعوم بالوثائق الدولية والخرائط التي تثبت تبعية تلك المناطق للأراضي المصرية، وحول هذ، عقدت الإدارة المصرية عدد من الاجتماعات رفيعة المستوى، لبحث إيجاد سُبل لحل اللأزمة، التي تعقدت بشكل أكبر، بسبب تعنت الإدارة الإسرائيلية، حول إمكانية إعادة طابا، ما ترتب عليه طلب مصر، اللجوء إلى التحكيم الدولي، لحل النزاع كما تنص المادة (7) من معاهدة السلام بين البلدين.

طابا
طابا

في كتابه «طابا.. كامب ديفيد.. والجدار العازل»، أشار نبيل العربي، إلى المحاولات الإسرائيلية لتضليل الرأي العام الدولي، بل وربما المصري أيضا، بالقول «إن العلامات التي تم الاتفاق عليها عام (1906) تم تعديلها فى (1915) بواسطة توماس إدوارد لورانس الضابط البريطانى الذى كان له دور فى الثورات العربية على الدولة العثمانية، كما قامت إسرائيل بإزالة لمعالم العلامة (90) بعدما تركتها في موقعها لإيهام مصر بأنها العلامة (91)، وأخفت عن عمد، إزالتها لجزء من هضبة شرق وادي طابا سرا، لتشق طريقا يربط طابا بميناء إيلات الإسرائيلي، وعلى الرغم من علم مصر بقيام إسرائيل بشق هذا الطريق وببناء فندق هناك، إلا أنها لم تكن تعلم بمسألة إزالة العلامة».

خلال معركة الدبلوماسية المصرية التي خاضتها بمهارة وإدقان، قدمت مصر الوثائق والخرائط التي تثبت تبعية طابا للأراضي المصرية، وانسحاب إسرائيل من سيناء، بما فيها طابا، إلى الحدود الدولية عقب عدوان (1956)، فيما ردت الحكومة الإسرائيلية بأن موقفها قائم على وجود خطأ في تعليم الحدود وفق اتفاقية (1906) الخاصة بتعيين الحدود بين مصر والدولة العثمانية، وأن موقفها بعد حرب أكتوبر (1973) يسعى لتصحيح هذا الخطأ، إلا أن تكثيف الدبلوماسية المصرية، من تحركاتها الدولية لإظهار الحقيقة وتفنيد الرواية الإسرائيلية لسرقة جزء من أراضى سيناء، لعب دورا بارزا في تجميع الأدلة والوثائق التي تنفي الرواية الإسرائيلية جملة وتفصيلا، حيث قدمت وزارة الخارجية المصرية (29) خريطة بأحجام مختلفة تثبت الملكية المصرية لطابا، واستطاعت جمع خرائط ووثائق من الأرشيف المصري والبريطاني والتركي، بل و(10) خرائط من الأرشيف الإسرائيلي نفسه، تثبت تبعية طابا للأراضي المصرية، في الوقت ذاته قدمت إسرائيل (6) خرائط فقط، كانت كافية لحسم القضية لصالح مصر.

كانت من بين الصعوبات التي واجهت الفريق المصري الذي كان يضم سياسيين، وقانونيين، خبراء في المساحة والخرائط، أن هذا الجزء من الأراضي المصرية أحد مواقع اللقوات الدولية في مرحلة ما بعد العدوان الثلاثي على مصر عام (1956)، إذ أن القوات المصرية لم تطأ قدمها، الشريط الحدودي على الجانب المصري منذ عام (1956)، وكانت المعلومات المتوفرة لديها ضئيلة للغاية، ولم يتم تحديثها، الأمر الذي تطلب معه البحث عن الضباط الذين عملوا في ذلك الوقت بالقوات الدولية، وكان من بينهم ضباط من الدنمارك التي لم تتعاون مع مصر كثيرا خلال رحلة سعيها لإثبات حقها، (3) ضباط أخرين ومن يوجوسلافيا، التي أبدت تعاون مع مصر من خلال شهادة الضباط الـ (3)، الذين أكدوا موقع العلامات المرسمة للحدود الدولية بين مصر فلسطين تحت الانتداب، فكان لشهادتهم تأثير واضح على هيئة التحكيم التي أكدوا أمامها، أن مهمة الكتيبة اليوجوسلافية لمدة (10) سنوات كاملة، هو القيام بدوريات «غرب الهضبة» وأن خرائطهم الرسمية تؤكد أن خط الحدود يمر على هضبة طابا، وليس في وادي طابا كما أدعت إسرائيل.

تحرير طابا ورفع العلم المصري عليها
تحرير طابا ورفع العلم المصري عليها

ويروي نبيل العربي، تفاصيل معركة تشكيل هيئة التحكيم الدولي، إذا أنها كانت مثار خلافات عميقة بين مصر وإسرائيل استغرقت عدة شهور، حيث أن القواعد المتعارف عليها في تشكيل هيئات التحكيم، تنص على أختيار كل طرف محكما عنه، ثم يتفق الطرفان على أسماء المحكمين المحايدين الـ3، الأمر الذى كان مثار خلاف كبير بين الجانبين، والذي بدأته إسرائيل التي دأبت على رفض كل الأسماء التي تطرحها مصر، وبالمثل استمر الوفد المصري في رفض الأسماء التي اقترحتها إسرائيل، حتى وصل أعداد الأسماء المرفوضة من الطرفين إلى (44) اسما على مدى (6 أشهر)، إلى أن قام المحكمان المتفق عليهما بتسليم الجانبين ورقة عليها أسماء (7) محكمين، يقرر كل طرف على حدى الأسماء التي يقبلها.

بدأت مرحلة إعداد المذكرات التي تم عرضها من قبل الجانبين المصري والإسرائيلي على المحكمة، التي اطلعت على المذكرات واستمعت إلى المرافعات الشفوية، وكان للدكتور عصمت عبد المجيد وزير الخارجية حين ذاك، والدكتور مفيد شهاب، والباحث والمحقق التاريخي الدكتور يونان لبيب رزق، الذي استطاع تقديم خرائط ووثائق قديمة تثبت مصرية طابا، منها خطاب كان أرسله جندي إنجليزي لزوجته أثناء الحرب العالمية الأولى، حدثها فيه أنه يتكلم من مصر عند نقطة طابا الحدودية.

 كما ضم الفريق، الدكتور نبيل العربي مساعداً فى إتمام الإجراءات وأوراق القضية، واللواء عبدالفتاح محسن مدير المساحة العسكرية الأسبق، وقائد عمليات القوات المسلحة المصرية في حرب اليمن، وكمال حسن علي قائد إحدى فرق الإمداد في حرب أكتوبر، وحامد سلطان أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة.

الحكم بتبعية طابا لمصر
الحكم بتبعية طابا لمصر

فور النطق بالحكم، الذي جاء إجمالا لصالح مصر، وخسارة إسرائيل لموقع العلامة الخاصة بـ«رأس النقب» وبقية المواقع المهمة، بدأت الصعوبات بعد مماطلة إسرائيل، رفضا لتنفيذ الحكم، حيث أعلنت هيئة التحكيم الدولية في الجلسة العلنية التي عقدت فى برلمان جنيف حكمها في قضية طابا سبتمبر (1988)، ويتذكر الدكتور نبيل العربي الغضب الذي أصابه، بعد سؤال أحد الصحفيين «وماذا الآن؟ لقد حكمت المحكمة لصالح مصر ولكن تنفيذ الحكم يقتضي موافقة إسرائيل.. فماذا سوف تفعل مصر؟» ليأتي رد «العربي»، واضحا بأن إسرائيل إذا ما حاولت عدم تنفيذ الحكم ستكون دولة خارجة عن الشرعية ومنبوذة، وبعد المفاوضات والمحاولات المصرية التي قابلتها إسرائيل بالتعنت الشديد، قرر رئيس الجمهورية وقتها، الإدلاء بتصريح شديد اللهجة، طالب فيه إسرائيل بالانسحاب الفوري وأعلن رفض مصر، استمرار المماطلات والمناورات الإسرائيلية، وأنها قد تلجأ إلى التخلص من جميع المنشآت في طابا.

 بعد عدد من المفاوضات، تم التوصل إلى عقد ما سمى بـ«اتفاق روما التنفيذي» في (29 نوفمبر 1988)، الذي نص على تحديد علامات الحدود الـ (14)، وفقا للحكم الصادر عن محكمة التحكيم الدولي، وعلى الانسحاب الإسرائيلى من الأرض المصرية إلى ما وراء هذه العلامات فور تحديدها، كما تم إجلاء الإسرائيليين عن طابا في (19 مارس 1989)، ورفع العلم المصري واعتبر هذا اليوم «عيد تحرير طابا».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق