من القاهرة.. مصر ترسم ملامح حل الأزمة الليبية

الثلاثاء، 26 يناير 2021 05:48 م
من القاهرة.. مصر ترسم ملامح حل الأزمة الليبية
الرئيس عبد الفتاح السيسى
محمد الشرقاوي

الحل يبدأ من القاهرة. على مدار عقد من الزمن، تفاقمت الأزمة الليبية، ومرت بسنوات تزداد بين الحين والآخر عجافاً، لكنها بدأت في الانفراج منذ ألقت الدولة المصرية بثقلها لحل الأزمة. 
 
تتعامل الإدارة المصرية مع الأزمة الليبية انطلاقاً من ثوابت وطنية، متمثلة في إعادة الاستقرار، تدعيم مؤسسات الدولة، القضاء على الإرهاب، وحصر السلاح في يد الدولة، هو أمر لم يتوفر في أي طرف إقليمي آخر، وهو ما اعترف به الليبيون أنفسهم. 
 
 
اليوم الثلاثاء، وأمام مجلس النواب، أوجز وزير الخارجية سامح شكري، استراتيجية التعامل المصري مع الأزمة الليبية، قائلاً: إننا نتابع الأوضاع عن كثب، والقاهرة لها إسهامها منذ اتفاق الصخيرات، ندعم كل الجهود الرامية للاستقرار والأمن والحفاظ على المؤسسات الليبية، حتى لا تصبح ملاذًا للتنظيمات الإرهابية.
 
وتابع شكري: "كان لزاماً علينا أن يحدد الرئيس عبدالفتاح السيسي الخط الأحمر، وأدى ذلك إلى وقف الصراع والاقتتال، وتفعيل الاتفاقيات الدولية متمثلة في صيغة برلين وما تلاها".

التحركات المصرية على الأرض 
منذ عام وأكثر بدأت التحركات المصرية تجاه ليبيا، وتحديداً منذ مؤتمر برلين، 19 يناير 2020، حين نجحت القاهرة في تأسيس تحالف دولي يخدم وجهة نظرها الداعية لفرض الاستقرار وبناء مؤسسات الدولة الليبية، وإخراج المرتزقة ونزع السلاح والإصرار على أن يكون حل الأزمة ليبي – ليبي، انطلاقاً من مكانة مصر.
 
ويبرهن على ذلك، حين جلس الرئيس السيسي يتحدث وزعماء العالم يلتفون حوله ويستمعون إلى حديثه باهتمام بالغ، في مشهد يبرز مكانة مصر وسط الدول العظمى في العالم، وهو الأمر الذي اعتبره مراقبون دوليون ومختصون في الشأن الليبي بداية تغير جذري في التعامل المصري مع ليبيا. 
 
السيسي في مؤتمر برلين
 
فعلى مدار 9 سنوات، قبل ذلك التاريخ، لم تعلن مصر صراحة عن نيتها التدخل في ليبيا عسكرياً؛ رغم علو نبرتها ومواقفها في الرد على أي تهديدات للحد الغربي المصري، لكن موقفها صار أكثر صرامة وصراحة، مع إعلان تركيا التدخل عسكرياً في ليبيا، والدفع بآلاف المرتزقة والإرهابيين لمجابهة الجيش الوطني الليبي، وتهديد الحد الغربي، وهو ما أكدت عليه مصر بأنها لن تتهاون فيه.

إعلان القاهرة: لا حل عسكري في ليبيا
لم تكل القاهرة من دعم الحل السياسي للأزمة الليبية رغم قدرتها على حسم الأمور عسكرياً في خلال ساعات، وهو أمر أكده الليبيون أنفسهم، لكنها دعمت مبادرات الحل السياسي، المتوافقة مع مؤتمر برلين، ولذا كانت مبادرة إعلان القاهرة، التي أعلن عنها السيسي، في 6 يونيو الماضي، وحظت بقبول سياسي وشعبي في ليبيا، ودولي أيضاً.
 
وتقوم المبادرة المصرية على التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي الليبية واحترام كافة الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وبناء علية التزام كافة الأطراف بوقف إطلاق النار، كذلك مخرجات "قمة برلين"، والتي نتج عنها حلاً سياسياً شاملاً يتضمن خطوات تنفيذية واضحة المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية واحترام حقوق الإنسان وقانون الإنسان الدولي استثمارا لما انبثق عن مؤتمر برلين من توافقات بين زعماء الدول المعنية بالأزمة الليبية.
 
 
ودّعم "إعلان القاهرة"، إعادة سيطرة الدولة على كافة المؤسسات الأمنية ودعم المؤسسة العسكرية المتمثلة في الجيش الوطني الليبي؛ مع تحمل الجيش الوطني بمسئولياته في مكافحة الإرهاب وتأكيد دورة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والشرطية لحماية السيادة الليبية واسترداد الأمن في المجال البحري الجوي والبري، بالإضافة لمجموعة بنود أخرى تمثل فترة انتقالية لفرض السلم في ليبيا. 

التدخل العسكري جاهز.. لو لزم الأمر!
 
التزمت القاهرة بعملية ضبط النفس لأقصى حد، رغم صدور تهديدات عسكرية من مسؤولين بحكومة الوفاق المدعومة من قبل تركيا، والتي أمدتها بآلاف من المرتزقة السوريين ومن جنسيات أخرى، تتبع أغلبيتهم تنظيمي داعش والقاعدة، وجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، كمحاولة لتغيّير موازيين القوى العسكرية. 
 
 
وارتفعت حدة الرسائل المصرية للمجتمع الدولي، بما تؤكد الاستعداد القتالي للتدخل العسكري صراحة، ففي 20 يونيو الماضي، وأثناء تفقد الرئيس لقوات المنطقة الغربية في قاعدة (سيدي براني)، أعلن السيسي عن جاهزية القوات المصرية، للتدخل في ليبيا، بتمثيل القبائل الليبية، ومرهون بتفويضهم والمؤسسة الشرعية الليبية (مجلس النواب)، وهو ما حدث.
 

لماذا سرت - الجفرة في ذلك التوقيت؟
يقول مراقبون، إن إعلان السيسي عن جاهزية القوات المسلحة المصرية للتدخل في ليبيا في ذلك التوقيت كان لابد منه، وهو أمر تدركه القيادة المصرية، والتي تستطيع حساب وترتيب الأمور في وقتها الصحيح.
 
فعلى الأرض، كانت الخريطة العسكرية في ليبيا تتغير، وانسحبت قوات الجيش الليبي إلى محور سرت الجفرة، ووصلت ميليشيات حكومة الوفاق المدعومة بمرتزقة سوريين وأسلحة تركية، إلى نفس النقطة- نهاية حد المنطقة الغربية الليبية-  وهو ما أن تقدم القوات المعادية متراً واحداً تصبح داخل البعد الاستراتيجي المصري 1000 كم. 
 
ورسم السيسي خطاً أحمراً في تلك المنطقة غير مسموح تجاوزه للميليشيات المعادية، قائلاً: إن الخط الذي وصلت إليه القوات الحالية سواء كانت من جانب أبناء المنطقة الشرقية أو المنطقة الغربية، يجب أن يتوقف الجميع عنده وبدء مباحثات وتفاوض للوصول إلى حل للأزمة الليبية.
 
ورغم كون ذلك التحذير "دعوة سلام"، إلا أن حكومة الوفاق وحليفتها أنقرة، استمرا في التصعيد السياسي والعسكري، وبالفعل باتت هناك تحشيدات عسكرية كبيرة في محاولة لتجاوز ذلك الخط، على مدار نحو شهر.

خط السيسي الأحمر في ليبيا يربك ميليشيات الوفاق وأنقرة 
لم تتمكن أي من الميليشيات تجاوز الخط الذي حدده الرئيس على مدار شهر، ليجتمع الرئيس بشيوخ وأعيان القبائل الليبية في 16 يوليو، بالقاهرة ويعلن صراحة عن قدرة القوات المسلحة المصرية على تغيير موازين القوى: "قادرون على تغيير المشهد العسكري في ليبيا بشكل سريع وحاسم".
 
 
وقال أيضاً إن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة أي تحرك يهدد الأمن القومي العربي، مؤكداً أن الهدف الأساسي للجهود المصرية على كافة المستويات تجاه ليبيا هو تفعيل الإرادة الحرة للشعب الليبي من أجل مستقبل أفضل لبلاده وللأجيال القادمة من أبنائه، وأن دفاع مصر عن ليبيا والعكس صحيح، فهو التزام ناتج عن حالة التكاتف الوطني بين البلدين.
 
ولم يشهد محور سرت الجفرة أي تجاوزات عسكرية منذ ذلك التاريخ، بل أعلنت الأطراف الليبية وقف إطلاق النار في كافة أنحاء ليبيا في أغسطس الماضي، والعودة للمفاوضات السياسية.

من القاهرة.. الأطراف الليبية تبدأ إتمام المسار الدستوري والعسكري 
 
في 11 أكتوبر الماضي، استضافت القاهرة اجتماعات لممثلين عن مجلسي النواب والدولة في ليبيا وأعضاء هيئة الدستور لبحث المسار الدستوري، واتفقت فيها الأطراف الليبية، على إنهاء المرحلة الانتقالية والوصول لصيغة توافقية حول الدستور واستكمال المناقشات بشأنه لاحقاً، على أن تعقد جولة ثانية في مصر لاستكمال المناقشات البناءة حول الترتيبات الدستورية، ولكي يجري مجلس النواب حواراً مجتمعياً للوصول إلى توافقات دستورية تسمح للبلاد بالمضي قدماً في المسار الدستوري. 
 
4436635991611165768
 
وفي 20 يناير انطلقت الجولة الثانية من المفاوضات الليبية، واتفق فيها الحاضرون، على ضرورة مواكبة التطورات الإيجابية التي تشهدها الساحة الليبية في الوقت الحالي، لاسيما في المسارين العسكري والاقتصادي، وذلك من خلال الاتفاق على الاستحقاق الدستوري لإجراء الانتخابات في الموعد الذى تبناه ملتقى الحوار السياسي الليبي. 
 
 
كما اتفقوا على إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور المعد من قبل الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، وذلك بناء على القانون الصادر من مجلس النواب الليبى رقم 6 لسنة 2018 المعدل بالقانون رقم 1 لسنة 2019 مع تعديل المادة السادسة باعتماد نظام الدوائر الثلاث (50+1) فقط وإلغاء المادة السابعة منه.
 
EdHe6E_XoAA2wSJ
 
 
في النهاية، لا شيء تحقق سوى ما أرادته الدولة المصرية، فالآن وبالتزامن مع اجتماعات ليبية برعاية أممية في جنيف والمغرب وتونس، يسابق الجميع الزمن لإتمام المرحلة الانتقالية للسلطة في ليبيا – أحد مخرجات ملتقى الحوار في تونس، وإتمام المسار الدستوري – اجتماعات القاهرة، وإتمام الانتخابات الليبية أحد مخرجات بوزنيقة، ودمج المؤسسة العسكرية وحل الميليشيات- اجتماعات اللجنة العسكرية (5+5) في جنيف، وكلها نادت بها القاهرة. 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق