وأد فتنة المهدي المنتظر

الجمعة، 16 يوليو 2021 03:36 م
وأد فتنة المهدي المنتظر
حمدي عبد الرحيم

 
صحا مواطن من نومه فقرر أن يصبح المهدي المنتظر، هذا قرار قرره المواطن متمنيًا أنه سيجني المغنم ويرمينا نحن بالمغرم.
 
ولأن المواطن يفكر خارج كل الصناديق فقد قرر أن يعلن عن نفسه فوضع لافتة فوق باب بيته تؤكد أنه هو المهدي المنتظر يقيم في هذا البيت، وزاد بأن وضع أرقام هواتفه المحمولة في قلب اللافتة لكيلا يكلف الآخرين عناء البحث عن وسيلة اتصال بحضرته!
 
المواطن الذي عاش وأقام في ريف الدلتا وقرر التفكير خارج كل الصناديق استفاد من رفاهية القرن الـ21، حيث الموبايل والانترنت والدعوة عبر تويتر والفيس بوك وانستجرام، فوداعًا لزمن الدعوة عبر الفيافي والصحاري والسفر بالإبل أو الخيول.
 
مهدي منتظر في غاية الحداثة، يتعامل مع الأمر الخطير جدًا كأنه درس وحصل على بكالوريوس في المهدية، الأمر سهل ميسور بالنسبة إليه، لم يكلفه سوى لافتة وأرقام هواتف ثم يجلس في انتظار بركات المهوسين، نعم هناك الذين سيصدقونه، بل لن يسأله أحدهم على ما قال برهانًا، المصابون بالتصديق اللاإرادي موجودون وحاضرون في كل زمان ومكان، فلو تمثل لهم إبليس نفسه لصدقوه.
 
حضارتنا الإسلامية مذ كانت وهى تواجه أمثال صاحب اللافتة، أحيانًا تتعامل معهم بحسم وعنف مثل ما حدث مع مدعي النبوة في صدر الإسلام، وقد كان الحسم مطلوبًا لأن أمر هؤلاء تجاوز مجرد الادعاء إلى تعطيل الدولة بمنع الذكاة والتفكير في مهاجمة العاصمة المدنية المنورة ذاته، وتلك الخطط الشريرة دعت الخليفة الصديق عليه الرضوان إلى تشكيل أحد عشر جيشًا قاد بعضها مشاهير القادة من أمثال عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وشرحبيل بن حسنة والعلاء بن الحضرمي وعكرمة بن أبي جهل، وقد تواصلت الحروب بين جيوش الإسلام وبين قوات المدعين المخربين إلى أن وضعت الحرب أوزارها وسجل المسلمون انتصارًا ساحقًا على قوات المدعين. 
 
وفي مقابلة الحسم العسكري كان هناك حسم ولكن بالسخرية والتجاهل، ففي كل فترة كان يظهر من يدعي النبوة بل والألوهية ومن يدعي أنه المهدي المنتظر، فكانت الجهات المعنية تحقق معه ثم تكتشف أنه مسكين يعاني من خلل في تفكيره فتصرفه وتتركه لحال سبيله، ولكن في بعض الأحيان كانت الجهات ترفع أمره إلى الحاكم، وقد سجل لنا التاريخ قصصا لهؤلاء المدعين مع الخلفاء، من ذلك ما حدث في عهد الخليفة المأمون، قالوا: أدعى رجل النبوة في عهد المأمون فأمر الخليفة بمثوله في حضرته وسأله:
ـ هل أنت نبي؟
قال: نعم.
قال: ما معجزتك؟
قال الرجل: اطلبْ ما شئتَ.
المأمون: أخرجْ لنا من الأرض بطيخة.
الرجل: أمهلني ثلاثة أيام.
المأمون: بل أريدها الساعة.
فنظر الرجل إلى الخليفة المأمون مستغرباً، وقال:
يا أمير المؤمنين، إنّ الله ينبتها في ثلاثة أشهر، أفلا تقبلها منّي في ثلاثة أيام؟
فضحك المأمون، وصرف الرجل.
 
يقينًا لم يكن المأمون مستهترًا ولكنه عالج الحالة في إطار خطورتها، وعرف أنه أمام رجل مسكين قليل العقل عديم المنطق لا يمثل خطورة إلا على نفسه.
 
وقد قرأت للزميلين الصحفيين علاء رضوان ومحمد أبو ضيف تغطية طيبة جدًا لقضية أحدث مدعي المهدية، الزميلان وضعا الأمر كله بين يدي خبراء علم النفس وخبراء القانون.
 
قال خبراء علم النفس للزميلين:" إن كل من ظهروا خلال الفترة السابقة من المدعين بأنهم "المهدى المنتظر" يعانون من الفصام الذهني واضطرابات نفسية يُطلق عليه "اضطراب وجداني ثنائي القطب" المعروف بالهوس، يجعل المصاب به فى حالة اندفاع مستمر وكلامه غير مرتب ويدعى أشياء غير عقلانية مثل القوة الخارقة والسيطرة على العالم وأنه المهدى المنتظر، ولا يقتصر المُصاب بالفصام الذهني عند هذا الحد، بينما يدعى سماع أصوات لا يسمعها غيره وضلالات شك وعظمة ويكون منعزلا عمن حوله، و يتم التعامل مع هذه الحالات عن طريق العلاج الدوائي والجلسات ويفضل الحجز في المستشفيات حتى لا يؤذى من حوله".
 
أما خبراء القانون فقد قالوا للزميلين: “إن قواعد المحاسبة سوف تمتد إلى تطبيق المادة 102 من قانون العقوبات لما فعله من إذاعة أخبار وشائعات عمدا تهدد السلم الاجتماعي دون أن يكون لها سند صحيح من القانون أو الواقع العملي وهو ما يكدر صفو المجتمع ويساعد على نشر الفتن حيث أنه حال ثبوت تلك الجريمة أمام القضاء، فإن عقوبة الحبس تكون جزاء مرتكبها لأن كل من يدعى أنه المهدى المنتظر أو غيرها من الأمور المتعلقة بالشأن الديني يضع نفسه تحت طائلة المساءلة القانونية عملا بالمادة 98 من قانون العقوبات لاستغلاله الدين في ترويج أفكار من شأنها إثارة الفتنة والإضرار بالوحدة الوطنية، تكون التهمة ازدراء الدين حيث تصل فيها العقوبة للحبس 5 سنوات".
 
وللحق فقد فزعت عندما بدأ نشر صور وأخبار ذلك الرجل صاحب اللافتة، فقد خفت على أسرته وهى لم ترتكب ذنبًا بل خفت على شخصه من رد متسرع من الأهالي الذين قد يرونه شخصا مستهترا بدينهم ومعتديًا على عقيدتهم، فيقومون بالاعتداء عليه، حسن تعامل الأهالي مع تلك الكذبة وسرعة تصرف الجهات المعنية بإلقاء القبض على صاحب تلك الفتنة من الأشياء الطيبة التي يجب البناء عليها، فليس في كل مرة ينجح غاوي شهرة أو زارع فتن في جر المجتمع إلى معركة عبثية خسارتها مثل كسبها، هؤلاء يتم التعامل معهم وفق نصوص القانون وداخل إطاره الشرعي فتموت الفتنة في مهدها، فنحن لا تنقصنا الفتن حتى نضيف إليها فتنة الحصول على المهدية المنتظرة.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق