"المناكحة الفردوسية" وهم الجماعات المتطرفة لاستقطاب الشباب.. وعلماء الأزهر: تفاسير ضعيفة

الخميس، 15 فبراير 2018 03:00 م
"المناكحة الفردوسية" وهم الجماعات المتطرفة لاستقطاب الشباب.. وعلماء الأزهر: تفاسير ضعيفة
حلم متدين
حسن الخطيب

يتلاعب أصحاب الفكر المتطرف بعقول الشباب المسلم، دافعين بهم إلى العمليات الانتحارية، برسم صورة عقلية تخيلية، عن الجنة ونعيمها، وعن أجر عملياتهم الانتحارية، التي تنتظرهم بعد موتهم، بدعوى أنها "شهادة"، فيوحون لهم في حال نفذوا عمليات انتحارية وقتلوا ودمروا بأن ستستقبلهم الحور العين في الجنة، فيعيشون معهم، ويمارسون معا مايسمى بـ"المناكحة الفردوسية".
 
في عقل الفكر المتطرف، فإن "المناكحة الفردوسية" وصف للعلاقة الزوجية بين الرجل وزوجته في العالم الآخر - أي الجنة-، وأن زوجاتهم في الدنيا من الحور العين في الآخرة، إن كانوا متزوجين وإن كانوا غير ذلك فلهم زيجات في الجنة يبالغون في وصفهن، ويستندون في ذلك على تفسيرات عديدة وآراء فقهية مختلفة.
 
المبالغة في وصف الحور العين بالغ فيها أصحاب الفكر المتطرف، غير أن جمهور المسلمين يؤمنون بالحور العين أيضًا ولكن هناك اجتهادات بينهم في وصفها، فهناك كتبًا مؤلفة تطرح مخيلات عن الحور العين، والسؤال الآن ما حقيقة المناكحة الفردوسية؟ وهل في الجنة ذلك؟

غزوة عقائدية

يكاد يجزم علماء وشيوخ التيار السلفي الجهادي بأن مسألة "افتضاض الأبكار" في الجنة أمر واقعي، ويفسرون قوله تعالى "إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ" على أن أهل الجنة سيشتغلون بنكاح أزواجهم، وتصوروا أن المسلمين والحور العين سيكون بينهن علاقات زوجية كالتي في الدنيا، ولهذا كان الوهم الذي أوهموا به الشباب المسلم للإيقاع في شباكهم.
 
يستند علماء الفكر المتطرف على عدة آراء، منها ما ورد في تفسير ابن كثير والماوردي والوجيز، وغيرها من كتب التفاسير، يقول ابن كثير في تفسيره: "إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ"، أن عبد الله بن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والأعمش، والأوزاعي، يقولون بأن معنى الأية الكريمة: شغل المؤمنين بافتضاض الأبكار، وفسره الماوردي في قوله افتضاض الأبكار، مستدلا برواية ابن مسعود، وقتادة. 
 
لكن الماوردي له أقوال أخرى في تفسير الآية، وليس افتضاض الأبكار فقط، منها أي "في ضرب الأوتار" وهو ما قاله ابن عباس ومسافع بن أبي شريح، والثالث أي : "في نعمة" وهو ما قاله مجاهد، والرابع أي: في شغل مما يلقى أهل النار، وهو ما قاله إسماعيل بن أبي خالد وأبان بن تغلب. 
 
وروي بضم الغين وقرئ بتسكينها وفيها وجهان: أحدهما: أن الشغل بالضم "المحبوب"، والثاني: الشغل بالإسكان يعني "المروة"، فعلى هذا لا يجوز أن يقرأ بالإسكان في أهل الجنة ولا يقرأ بالضم في أهل النار. 

فاكهون ويقرأ: فكهون ، بغير ألف. وفي اختلاف القراءتين وجهان: أحدهما: أنها سواء ومعناهما واحد يقال: فاكه وفكه كما يقال: حاذر وحذر قاله الفراء، والثاني: أن معناهما في اللغة مختلف فالفكه الذي يتفكه بأعراض الناس. والفاكه ذو الفاكهة. 

 
وساقوا حديث النبي الذي جاء في البخاري عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهما قيل "يا رسول الله أَنُفْضِي إلى نسائنا في الجنة، كما نُفضي إليهن في الدنيا؟، قال: نعم، والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليُفضي في الغداة الواحدة إلى مائة عذراء"، وكذلك حديث أبي أمامة عندما سئل رسول الله، هل يتناكح أهل الجنة؟ فقال: " نعم، بِذَكَرٍ لا يمَلُّ، وشهوة لا تنقطع، دحْماً دحْماً".
 
 
حقيقة الحور العين

وفي المقابل، يرى علماء الأزهر الشريف أن تلك القضية مفهومة بشكل خاطيء فيردون الحجج والتأويلات التي يرويها البعض عن قصة الحور العين، ووجود "المناكحة الفردوسية" كواقعية موجودة في الجنة، إلى أنها روايات غير صحيحة، معتبرين أنه أمر في غاية الخطورة، ويجر وبالًا على الدين وعلى الإسلام.
 
ويقول الدكتور نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء، ومفتي الجمهورية الأسبق، في تلك المسألة، إن هذه المسألة فهمت خطأ لدى جمهور المسلمين، وكذلك التيارات المتطرفة، مبينًا أن قوانين الآخرة لا توافق دائمًا قوانين الدنيا، فالأكل والشرب في الدنيا تتبعه عملية حيوية للإنسان تستوجب الإخراج، والتنزه عن الفضلات، والتطهر في الموضع، وهذا الأمر ليس له وجود فى الجنة، فلن يكون هناك ما يستتبع الأكل والشرب بمعناه الدنيوي، وكذلك الزواج ففي الدنيا يكون الزواج بغرض تكوين عائلة والإنجاب، أما الزواج في الآخرة فهي مسألة تقتضي الكيفية التي يشائها الله تعالى، وليست تلك التي تخطر ببالنا.
 
وأوضح مفتي الجمهورية الأسبق، أن ما يأتي في القرآن الكريم والسنة النبوية، متصلًا بالملذات الدنيوية في الآخرة، فلا يمكن القول بحملها على أنها ذاتها التي سوف تتم في الآخرة، فالنصوص المتصلة بالأكل والشرب والمتع فى الجنة هو أسلوب يقرب المعنى إلى الأذهان، لأن الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
 
وأشار عضو هيئة كبار العلماء، إلى أن الحور العين ذكرهن الله تعالى ووصفهن بأوصاف عديدة وهو ما ذكره في القرآن الكريم، ووارد بشكل مفصل ومطول، وهو صحيح وستكون في الجنة وهو مااتفق عليه جمهور الفقهاء والمفسري، لكنها ستكون بخلاف في الأذهان، وبطرق لايدركها عقل ولا قلب.
 
وأهاب مفتي الجمهورية الأسبق، بضرورة عدم الانشغال بتلك الآراء، ولكن النظر إلى رضوان الله تعالى للفوز برضوان الله وبالجنة، بدون النظر إلى مايخطر ببال وعقول الناس في كيفيتها وماهيتها، وعدم الاستماع والتصديق لكل مايقال، خاصة في الأمور التي تتصل بالدين والعقيدة.
 

الجنس في الجنة

فيما يوضح الدكتور أحمد سعد الخطيب، أستاذ علوم التفسير بجامعة الأزهر، بأن الحقيقة التي لا تقبل الشك أن في الآخرة جنة ونعيم ورضوان من الله تعالى، لكن تختلف كيفية هذا النعيم عن النعيم الدنيوي، مبينًا أن المناكحة الفردوسية "وهم" يقومون من خلاله أصحاب الفكر المتطرف بإيقاع الشباب فيه بهدف تجنيدهم في عملياتهم الإرهابية.
 
وقال أستاذ التفسير، إن الإيمان بأن هناك جنة ونار وبعث وحساب هي من اكتمال الإيمان، وكذلك الإيمان بأن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، هو من الإيمان، مبينًا أن الله سبحانه يعلم أن عقول البشر لا تدرك ما في الجنة من متع ونعم، فقربها بالوصف إلى عقولهم وقلوبهم، ووصف بأن فيها حور عين، ووصف الحور العين بأنهن ثيبات وأبكارا، وعربا واترابا، لكن تختلف تلك الصفات عن مفهومنا الدنيوي.
 
وعلل أستاذ التفسر ذلك بأن في الجنة خمر، وقد ذكر الله تعالى ذلك فقال تعالى: "مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ"، فالخمر ليست كخمر الدنيا، وطعام أهل الجنة ليس كطعام الدنيا، بل متع معنوية تتصاغر أمامها المتع الحسية.
 
وحول التفاسير التي وردت في تفسير أن في الجنة "مناكحة" مع الحور العين، أوضح بأن التفسير الصحيح الذي اتفق عليه جمهور المفسرين في تفسير الآية الكريمة "إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ" هنا بمعنى النعيم، وكل ماورد فيها من تفسير تقول بافتضاض الأبكار هي تفاسير ضعيفة ومروية من باب أن هناك آراء أخرى تقول بهذا، وهي آراء ضعيفة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق